في المحاكم الجزائرية يتيح القانون للضحايا الذين يتأسسون كطرف مدني أن يطالبوا بأي مبلغ مالي مهما كان خياليا، تعويضا عن الأضرار المادية أو الجسدية أو المعنوية التي لحقت بهم في قضاياهم، وبإمكان أي ضحية أن تطلب من المحكمة إلزام المتهم بتعويضه بما يتصور أنه يستحقه من أموال ولو بلغت الملايير، على أن تتولى المحكمة من جهتها تقدير تلك الطلبات عما إذا كانت معقولة وتتناسب مع الضرر، لتستجيب لها كليا أو تتولى تخفيضها، وكثيرا ما يقف الضحية مرتبكا ومذهولا حينما يطلب منه القاضي في ختام الجلسة تحديد طلباته، * لأنه كان يعتقد أن المحكمة ستقدر وحدها قيمة التعويضات، ولم يفكر في تقديرها مسبقا، فيضطر كثيرون للتنازل خجلا أو ارتباكا، وآخرون يضيعون حقوقهم كلها لجهلهم بالأمر، لكن بالمقابل وعلى النقيض تماما يتجرأ صنف آخر من الضحايا على مطالبة المحكمة بالإستجابة لطلبات غريبة جدا، معتقدين أن للمحكمة الصلاحيات الكاملة للتدخل في كل شيء، وهو ما سجلته الشروق اليومي عديد المرات على مستوى المحكمة الإبتدائية بشلغوم العيد ومجلس قضاء قسنطينة، وآخرها قبل أسبوعين فقط حينما نظرت المحكمة في قضية شجار عائلي أقدم خلاله أحد الأبناء على الإعتداء على والدته التي حاولت فك الإشتباك وانهال عليها بعدة لكمات مع السب والشتم حتى سقطت، فتابعته قضائيا وحينما سألتها رئيسة الجلسة عن طلباتها كتعويض عن الضرر الذي لحق بها قالت إنها تطلب شيئا واحدا وهو أن تأمر المحكمة ابنها أن يحمل زوجته ويغادرا البيت إلى أي مكان آخر ويتركاها وشأنها، وأعادت القاضي شرح الأمر، موضحة للضحية أنه بإمكانها المطالبة بأي مبلغ مالي تعويضا عن الضرر الذي سببه لها ابنها المتهم، لكنها قالت إنها سامحته وأصرت على طلبها الوحيد وهو أن تأمر المحكمة بإخراجهما من البيت كي لا يعتدي عليها مرة أخرى، وقبلها بثلاثة أسابيع فقط شهدت المحكمة قضية مماثلة في التهمة وهي ضرب الأصول، حيث اشتكى الضحية من كون ابنه الوحيد جاءه حتى مقر عمله، وحاول تأنيبه على غيابه المستمر عن البيت ثم دفعه بقوة وحاول الإعتداء عليه، وأصر على متابعته قضائيا بتهمة ضرب الأصول، وحينما سألته رئيسة الجلسة عن طلباته أعرب عن رغبته في العفو عن ابنه لكن شرط الإستجابة لطلبه الوحيد، وهو إرساله لآداء الخدمة الوطنية بعد أن جاءه الاستدعاء مؤخرا وحاولت القاضي أن توضح له الأمر أكثر، لكنه أصر على أن تتدخل المحكمة وترسل إبنه لآداء الخدمة العسكرية.. وفي نفس الفترة أيضا تقدمت سيدة أخرى مشتكية من أن ابنها صار يعتدي عليها بالضرب المبرح، وفي ختام جلسة المحاكمة التمس له وكيل الجمهورية عقوبة بثلاث سنوات حبسا نافذا، فتدخلت وطالبت من المحكمة بأن لا تتعدى مدة العقوبة بضعة أشهر، لأن ذلك كاف لتربيته وألحت على طلبها ذاك متنازلة عن أي طلبات أخرى