أزيد من 800 ألف مترشح يجتازون ابتداء من غد الاثنين امتحان شهادة التعليم المتوسط    الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية: تسجيل 414 ألف مشروع مؤسسة مصغرة    حمدان: حماس تتعاطى بإيجابية ومسؤولية مع مقترح بايدن ولا نستبعد التوصل إلى اتفاق    عرض فيلم التحريك ثلاثي الأبعاد "الساقية" حول أحداث ساقية سيدي يوسف بالجزائر العاصمة    البرلمان العربي يستنكر محاولة الاحتلال الصهيوني تصنيف وكالة الأونروا "منظمة إرهابية"    تصفيات مونديال 2026 : "الخضر" يباشرون التحضيرات لمواجهتي غينيا و اوغندا    قسنطينة.. 10 جرحى في حادث مرور بالخروب    الديوان الوطني للحج والعمرة: رقمنة خدمات الحج سهّلت الإجراءات على ضيوف الرحمن    تمنراست: جثمان الوزير السابق محمد حميدو يوارى الثرى    إطلاق البرنامج الوطني الأول للتكوين في مجال الصيدلة الإشعاعية خلال الدخول الجامعي القادم    الزراعات الاستراتيجية: توفير جميع شروط المرافقة والدعم للإستثمار في الصناعات التحويلية    قضايا الشعوب تشكل المبدعين وتعيد تكوين مشاعرهم    لاعبون جزائريون مطلوبون في الميركاتو    جامعة جنت .. برافو    اتصالات الجزائر تتكيّف    وزير الداخلية يؤكّد القطيعة الجذرية    الرئيس فتح أبواب العمل السياسي أمام الشباب    الدبلوماسية الجزائرية استعادت فعاليتها    الجزائر حققت خطوات عملاقة    مُترشّحون للبيام والباك يطرقون أبواب الرقاة    تحقيق في حريق وادي ميزاب    شهداء الجوع يتزايدون    لا تتبرّكوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب..    غنائم الحرب: الاعتراف الأوروبي الجنايات طرد السفراء المظاهرات...    خنشلة.. شاهد على الوفاء بالوعود    عمورة ضمن أفضل ثلاثة هدافين عرب بأوروبا    هذه كيفيات منح امتياز تسيير المناطق الحرّة    تسجيل 133 مشروع مؤسسة ناشئة بجامعة قسنطينة (2)    توسيع المشاركة الشعبية من أجل بناء حزام وطني    على المجتمع الدولي تحمّل مسؤوليته لوقف إبادة أطفال فلسطين    الإيداع الفوري للمتلاعبين بنزاهة "البيام" و"الباك"    تزيين المنازل وبحث عن كبش سمين    تحسيس بمخاطر الغرق الجاف    معرض "الوريدة" يستقطب 130 ألف زائر    1,5 مليون هكتار عقار مؤهل للاستصلاح الزراعي في الجنوب    ولفرهامبتون الإنجليزي يسعى إلى ضم بديل أيت نوري    قندوسي ينتظر قرار مدرب الأهلي المصري    وصول أزيد من 11300 حاج جزائري إلى مكة المكرمة    هوية وتاريخ بتقنية "البيسكال"    دعوة إلى إنشاء مخبر للبحث حول منطقة الونشريس    انطلاق الطبعة 12 لمهرجان "القراءة في احتفال"    رغم العقبات.. ستمطر يوما ما"    نحو تسجيل "قصر لندن" في قائمة الجرد الإضافي    وزير الفلاحة : تحويل نحو450 ألف هكتار إلى ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية    البطولة الوطنية للصم للشطرنج فردي بتيسمسيلت : تتويج كيزرة عطيفة وكلباز محمد    معسكر.. عروض مسرحية للطّفل طيلة جوان    "لكل طفل كل حقوقه" شعار احتفالية اليوم العالمي للطفولة ببومرداس    لإحياء ذكرى وفاته.. معرض للكتب وآخر تشكيلي محاضرة حول " الشيخ الابراهيمي مهندس لفظ وفيلسوف معنى"    محرز يرد بشأن غيابه عن المنتخب الوطني: " لست المذنب"    تمويل التنمية في افريقيا : اديسينا ينوه بمساهمة الجزائر النشطة    غيابات بارزة في تصفيات مونديال 2026.."الخضر" يلتحقون بمركز سيدي موسى    أرضية رقمية للتكفل بحجّاج الجزائر    248 حاجاً يغادرون بشار    افتتاح الطبعة الثانية من الصالون الدولي للصحة والسياحة العلاجية والطبية بالجزائر    فضل الأضحية وثوابها العظيم    هذا حُكم الاستدانة لشراء الأضحية    جبر الخواطر.. خلق الكرماء    ليشهدوا منافع لهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجها لوجه مع قاضي قضاة ليبيا
نشر في الشروق اليومي يوم 29 - 10 - 2011


قصة قصيدة -‬‮ 15
أعلن الآن ولأول مرَة أن الشاب الذي سلم لي، فجرا وفي سرية كاملة، قائمة الأدباء والإعلاميين الليبيين المسجونين الذين ذكرتهم في مقالي السابق والبالغ عددهم 13 شخصا، هو الشاعر الليبي فرج العربي. هذا الشاعر لا زال حيا يرزق مع العلم أنه لم يخبرني في ذلك الوقت عن أدباء ليبيين آخرين تعرضوا من قبل للسجن وتوصلت إلى معرفة وضعهم بعد سنوات وأثناء وجودي ببريطانيا، ويعود الفضل في ذلك إلى الرسام الليبي محمد مخلوف الذي تعرفت عليه هناك، وهم الشاعر "راشد ألزيد السنوسي" الذي اتهم بالتورط في مؤامرة لقلب نظام الحكم سنة 1970 وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات انتهت عام 1980
* ولكن نظام القذافي لم يطلق سراحه، والشاعر "السنوسي حبيب الهوني" الذي حكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة نتيجة مشاركته في الحركة الطلابية بجامعة بنغازي عامي 1975 و1976، والكاتب المسرحي "منصور بوشناف" الذي حكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة أثناء عرضه لمسرحيتين إحداهما تحت عنوان "الجرذان تحكم المدينة"، والدكتور عمرو خليفة النامي المتهم بالانتماء لحزب سري، والكاتب القصصي "طالب الرويعي" الذي أودع في زنزانة الحبس الانفرادي.
سأروي الآن ما حدث قبل افتتاح "مهرجان الشعر المقاتل" في عام 1981 جراء وشاية الدكتور والناقد السوري محيي الدين صبحي الذي أخبر السلطات الليبية بأن وفدنا كان بصدد جمع التوقيعات من طرف أعضاء الوفود الحاضرة لدعم الالتماس الذي كنا ننوي أن نقدمه للعقيد معمر القذافي، بعد أن علمنا بأنه سيستقبلنا على انفراد، لإطلاق سراح الأدباء والإعلاميين المحكوم عليهم بالسجن لسنوات طويلة وبعضهم بالمؤبد..‬
بحركات تنم عن سخط وفوضى أخذتنا اللجان الشعبية والثورية بمعية المسؤولين باتحاد الكتاب والفنانين الليبيين بواسطة الحافلات إلى قاعة فسيحة بطرابلس. ظننا في البداية أن الأمر كان يتعلق بافتتاح أشغال "مهرجان الشعر المقاتل" والشروع في إلقاء الشعر ولكننا فوجئنا بحضور قاضي القضاة وبعض الشهود الذين كانوا إلى جانبه في المنصة. بعد ذلك قام القاضي بقراءة نص الحكم الذي أصدره ضد تلك الكوكبة المتكونة من 13 كاتبا وصحافيا ليبيا مودعين في ظلمات السجن منذ سنوات قائلا بأنهم كانوا يشرفون على إصدار وتحرير جريدتين أسبوعيتين هما "الأسبوع الثقافي" و"الأسبوع السياسي" وحاولوا بطرق مختلفة أن يكوّنوا حزبا إيديولوجيا مضادا لتعاليم الكتاب الأخضر وللقائد الذي حذر علانية بأن "من تحزب خان". وأضاف "إنهم كانوا يحضرون سريا للقيام بانقلاب". ثم تناول الكلمة فيما بعد الأمين العام لرابطة الكتاب والفنانين الليبيين السيد محمد الزوي وقدم مجموعة من التبريرات التي كانت متطابقة في مضمونها مع كلام ذلك القاضي. في الوقت ذاته اتهم السيد الزوي جميع الأنظمة العربية بالتعسف والزج بالمثقفين في السجون. لقد فهمنا جيدا أن الغرض من تبريراته اللا معقولة أنه كان يريد أن يميًع ويطمس قضية أولئك الكتاب الليبيين السجناء كحالة خاصة ويدخلنا في بحر من التعميم. في تلك اللحظة غير الليبيون المشرفون على المهرجان دفة النقاش فانطلق عدد من الأدباء الحاضرين في القاعة في نبش مسألة الأدب والحريات، وتحدثوا أيضا عن الالتزام. في هذا المناخ صعد الكاتب الجزائري الراحل الدكتور عمار بلحسن الذي كان ضمن وفدنا إلى المنصة وذكَّر الحاضرين بمواقف الروائي والمسرحي الجزائري كاتب ياسين وقال بأنها مناهضة للعروبة. استغربت انحراف بلحسن عن الموضوع الأصلي وهو الذي سقنا بسببه إلى تلك القاعة. وهنا تلقف كاتب ليبي موقف عمار بلحسن واستنكر اضطهاد السلطات الجزائرية لكاتب ياسين، وتلا ذلك كلام متشعب حول ما فعلته الثورة الفلسطينية ببعض الكتاب والأدباء الفلسطينيين المعارضين لحركة فتح. صعدت بدوري إلى المنصة وكنت أعلم بأن كاتب ياسين لم يأخذ حقه بعد الاستقلال، بل فإنه همش كما همش كل من كان تشم منه السلطة الجزائرية رائحة الفكر المختلف عن شعارات النظام الحاكم، والثقافة والإبداع الفني اللذين يقومان على مبادئ التعددية السياسية والحرية الفكرية والتنوع اللغوي ولكنني قلت، وكان كلامي موجها على نحو مباشر إلى القاضي الليبي ولجانه الشعبية والثورية على نحو خاص، بأننا لم نسمع بأن كاتب ياسين قد سجن من قبل حقا، أو أنه كان يوجد في ذلك الوقت بالذات في السجن، ثم طالبت الحضور بضرورة التحقيق في وضع كاتب ياسين حتى نتخذ موقفا جذريا وندد بالسلطات الجزائرية في حالة ثبوت أمر وجوده في السجن ونطالب بإطلاق سراحه فورا، ثم رفعت صوتي مجددا وقلت بأنه من الضروري أن نحسم الموقف ونحن في ليبيا وقبل أن نغادر إلى الجزائر حتى نفرز الخيط الأبيض من الخيط الأسود.‬
في ذلك الوقت، كنت أعرف بأن كاتب ياسين ما زال يشرف على فرقة مسرحية توجد بالجزائر وتساعدها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ماديا، وأنه يرفع العلم الأحمر حين تنشد فرقته النشيد الأممي على ركح المسرح في العديد من العروض المسرحية التي كانت فرقته تحييها في قاعة المڤار وفي أماكن أخرى. وقد حضرت بنفسي بعض هذه العروض ورفعه للعلم الأحمر. كما كنت أعرف أن كاتب ياسين صادق في عقيدته الفكرية بخلاف أغلبية المتحلقين حوله من دعاة اليسار والشيوعية حيث ينطبق عليهم قول أحد المثقفين التونسيين بأن "الشيوعي العربي يشبه الفجل فهو أحمر من الخارج وأبيض من الداخل‮"‬.‬
في هذا السياق، أذكر أنني قد التقيت بكاتب ياسين صاحب الرواية الرائعة "نجمة"، والمواقف المشرفة ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر مرتين فقط، مرة في إقامة فرقته المسرحية بالعاصمة، ومرة أخرى بمزرعة بضواحي مدينة البويرة ودار بين وبينه حديث مقتضب جدا، ولاحظت بأنه كان يخلط بيت العربية الدارجة وبين اللغة الأمازيغية، علما أنه لم يكن يتحدث هذه الأخيرة وبدا لي أنه كان يظن أن العربية الدارجة هي الأمازيغية. بعد حادثة طرابلس بليبيا بسنتين تقريبا كنت في فيتنام بمناسبة انعقاد مؤتمر كتّاب آسيا وإفريقيا وكان الشعراء والكتّاب محمد مهدي الجواهري، وألكيس لاغوما، ومعين بسيسو، وفايز أحمد فايز، وممدو طراوري، وحسين مروة، وأحمد حمدي وغيرهم كثير حاضرين هناك ورأينا بأعيننا الموقع الذي كان يحارب فيه ومنه البطل الثوري "هوشي منه" وكان إلى جانبه كاتب ياسين يحارب معه الاحتلال الأمريكي هناك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.