تعتبر الجزائر من البلدان القليلة، إن لم نقل الوحيدة، في العالم الإسلامي التي تغيب فيها مرجعية رسمية وواضحة للفتاوى الدينية· كما تنفرد الجزائر بظاهرة غير صحية تتعلق بتقزيم دور المسجد في المجتمع بعد تحديد دوره في الصلوات الخمس والمناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد الدينية الأخرى· وبخلاف ذلك كان المسجد المرجعية الأولى لتلقي التعليم الديني وتحصيله من لدن العلماء والفقهاء· وعلى وتر التطرف الديني واستعمال المسجد لأغراض سياسية، بدأ دور المؤسسة الأولى في حياة أي مجتمع مسلم تتقلص إلى أن تحول إلى ما يشبه أي مؤسسة تابعة للإدارة المحلية بأوقات فتح وإغلاق محددة، وهذا ما أدى إلى تولي مؤسسات أخرى أداء أدوار خطيرة في الاهتمام بالمواطن عموما والشباب خصوصا· فقد برزت ظاهرة التنصير بشكل حاد خلال العشرية الجارية نتيجة إغلاق دور المسجد وحصره في الصلوات الخمس، بينما تمكنت التيارات الدينية السلفية العلمية والجهادية من استقطاب الشباب الناقم على سياسة تغييب المسجد من حياتهم، إذ نلاحظ سهولة تجنيدهم وإقناعهم من طرف المتطرفين والمتعصبين بضرورة ترك ''المجتمع الكافر''، وهنا نلاحظ بروز ظاهرة الانعزال عن المجتمع والدولة لدى فكر السلفية العلمية بعد سلسلة من الفتاوى تأمر أتباعها بترك ''الجاهلية وأوثانها'' لدرجة أن بعض السلفيين أمروا بعدم إلحاق أبنائهم بالمدارس، وهذا أمر في غاية الخطورة تتحمل مسؤوليته كافة الأطراف التي دفعت بالتيارات المعتدلة إلى المزيد من الإقصاء· فغياب التيارات المعتدلة التي تمثل التوازن المطلوب في مجتمعات تتصارع فيها الأجنحة المتطرفة من الجانبين· هذا الإقصاء أدى إلى بروز ما هو أخطر على الجميع عندما اعتقد البعض أن تقنين دور المسجد والحد من نشاطه الجواري الفاعل سيؤدي إلى القضاء على الغلو والتطرف والإرهاب·من الخطأ الربط بين المسجد والإرهاب والتطرف، ومع الأسف هذا ما حدث عندنا أو عندما اعتبرنا أن المسجد يولّد الإرهاب أو هو بيئته على خلفية سنوات الدماء والدموع التي مرت بها الجزائر· إن إغلاق المسجد أمام المجتمع وحصر دوره في الصلوات فقط سيؤدي إلى ظهور المزيد من التطرف لأن الساحة تغص بالتيارات الدينية المتعددة ليس السنية فحسب وإنما الشيعية أيضا، والجزائريون مازالوا ينتظرون عودة بيوت الله إلى ما كانت عليه في العقود الماضية، جامعة مفتوحة في الدين والحياة والفقه والشريعة على مدار أيام السنة مع تحديد النظم القانونية لتسيير هذا العمل ومحاصرة كل أوجه وأشكال التطرف والخلط في المفاهيم الدينية· أما وضع المسجد في زاوية ضيقة فهو باب لفتح طرق التطرف ومد التيارات المتطرفة بالمزيد من الحجج لاستقطاب الشباب الباحث عن نفسه وعن دينه الصحيح·