بوفاة الرئيس أحمد بن بلة عليه رحمة الله، تكون الإنسانية التواقة لقيم السلام والعدالة والتعايش، قد ودعت مناضلا عالميا كافح لتحقيق حلم الإنسان في الحياة الآمنة والحرة، وفقدت برحيله الأمة العربية رجلا قوميا آمن بمجد العروبة الموشحة بنياشين الإسلام الخالد، كما رزئت الجزائر في أحد عظمائها الميامين، الذي كان من العصبة الوطنية التي فكرت وفجرت ثورة التحرير المباركة. إن فقدان الرئيس الأب أحمد بن بلة، لم يكن خسارة فادحة لبلده الذي عاش لأجله 96 سنة من حياته، ولا هو مصيبة ألمت فقط بشعبه الذي شيعه أول أمس بالزغاريد والدموع أمام شاشات العالم، بل هو فجيعة حلت بسكان المعمورة في أقطار الكون بقاراته الأربع، لأن الرجل بعطائه الوطني ومواقفه القومية ومساعيه الإنسانية، لم يكن ملكا خالصا لأبناء وطنه ولا فخر عمومته من بني جلده دون غيرهم، بل كان على صلة بكل الشرفاء من أحرار العالم الذين نافحوا من أجل قهر الظلم وردح الاستعمار وإنهاء الاستغلال لخيرات الشعوب، وقاوم لإحلال السلم وانتصار الإرادات ضد موازين القوى الطاغية. يرحل الرئيس المجاهد أحمد بن بلة، وقد أدى الواجب المقدس نحو الوطن، بنيل الاستقلال وتأسيس الدولة الحديثة، ثم اندفع مجددا حين نشبت نيران الفتنة بين أبناء الجزائر، لينتدب نفسه من أجل إنجاز المصالحة بينهم حتى ساد الوئام والإخاء وعاد إلى قلوب الجزائريين الود والهناء. يغادر الأب المجاهد أحمد بن بلة، وقد خط اسمه بأحرف من الفخر والاعتزاز، بعدما تفرغ لإحياء الحلم العربي في استعادة المجد القومي للأمة، حيث ظل إلى آخر سنوات العمر وهو على مشارف القرن، يواصل نضاله الناصع عبر المؤتمر القومي العربي، ناصحا وموجها ومبديا رؤية الرجل الذي حنكته عقود من التجربة الثورية والعمل الوطني في مواجهة أعتى قوى الجبروت. تشاء الأقدار أن يغيب عن الوجود، ذلك الإنسان الفريد، الذي كرس حياته لسعادة البشرية المغلوبة على أمرها في قارة إفريقيا السمراء، وفي ربوع كثيرة من الأرض.