عرف المشهد الثقافي في النصف الأول من شهر رمضان شللا شبه كلي مس أغلب المؤسسات التي أغلقت أبوابها إلى إشعار آخر، وأصبحت هي أيضا مرتبطة بقرارات لجنة الأهلة التي تطل على المشاهد الجزائري في ليالي الشك لتدخل الثقافة مع سائر الجزائريين بعد إثبات الرؤية في شهر الصيام. فاتحاد الكتاب الجزائريين الذي عود الصحفيين والمهتمين بالأدب كل أسبوع بتقديم برنامج ثقافي في إطار ما أسماه بالمقهى الأدبي هاهو يغلق أبوابه ضاربا موعدا آخر بعد رمضان، وأصبح إتحاد بلا كتاب وهيكلا من إسمنت أفرغ من روح الثقافة ليصوم عن العطاء، وعن تاريخ إفطاره فذلك مؤجل إلى ما بعد عيد الفطر، ولتصبح الثقافة بقدرة قادر مرتبطة بلجنة الأهلة ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف لتعقد بذلك "معاهدة صلح" بين خليدة تومي وغلام الله. وكذلك الحال بالنسبة لجميعة الجاحظية التي عودت هي الأخرى الصحفيين والمثقفين على السواء تنظيم نشاطات مرتين كل أسبوع، هاهي الآن وبعد اختيارها لرئيس جديد الذي كان يجب أن تكون بدايته موفقة ويثبت للعدو قبل الصديق قدرته على تسيير الجمعية تدخل في عطلة رمضان قبل البدء في العمل مسيرها الجديد، واكتفت بتقديم تحلية ما قبل الوجبة بتنظيمها أمسية تذكر بمناسبة مرور سنة على وفاة مؤسسها الأول الطاهر وطار، وتبقى الوجبة الكاملة مؤجلة باعتبار أن المثقفين صائمين. ونفس الأمر بالنسبة لمؤسسة فنون وثقافة التي دخلت في عطلة طويلة بدأت قبل حلول الشهر الفضيل بكثير وتستمر إلى ما بعده، لأن فصل الصيف هو فصل السباحة والثقافة، تزيد الحرارة وترفع الضغط، لتستقيل هذه الهيئة من الميدان وبقي مركز التسلية العلمية التابع لها الوحيد الذي استمرت أبوابه مفتوحة في هذا الشهر الفضيل، ولكن الزائر الذي يرتاد المكان هذه الأيام فسيتفاجئ بغياب كلي للمسؤولين عن المركز وترك المفتاح بيد حارسين وضعا أمام الباب، وقد توقف عن بعث نشاطه الأسبوعي المسمى بالسبت الأدبي واكتفى بتقديم معارض فرضية وجماعية في الفنون التشكيلية التي غاب عنها مسيروها والمشرفون عليها وبقيت اللوحات التي علقت بقدرة قادر على الجدران يتيمة دون أصحابها الذين غابوا هم أيضا أو غيبوا من طرف القائمين على المعارض، ويبقى الزائر والمهتم بهذا الفن حائرا أمام لوحات يجهل معناها باعتبار أن الفنان وصاحب اللوحة هو الوحيد الذي يعرف مفاتيح لوحاته. وقد سار المسرح الوطني محي الدين بشطارزي في منحى الركود والشلل، وبقي المبنى الضخم فارغا إذ يتهيأ لزائريه ومرتاديه خلال هذه الأيام أنهم بقصر يعود لفترة ما قبل التاريخ ومن الآثار لبقائه فارغا ما عدا إعادة تقديمه من الحين والآخر عروضا مسرحية كانت قد قدمت شهري جوان وجويلية، لأن مقدمي هذه العروض يعرفون المكان جيدا وليس بحاجة لمسؤولين يعرفوهم بطريقة العمل. والحال نفسه بالنسبة للديوان الوطني للثقافة والإعلام الذي جمد كل نشاطاته في النهار ضاربا موعدا آخر ليس بعد رمضان ولكن إلى ليالي رمضان ليحول الثقافة في شهر التوبة والغفران إلى الطرب والغناء وليالي الرقص وهز البطون، وتشد أنظار شبابنا إلى ما يسمى بليالي الكازيف، وقعدات الموقار وسهرات الأطلس، وتختنق النشاطات الثقافية الأخرى بحناجر المغنيين وأصوات المطربين. أما تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية فقد توقفت هي الأخرى في الثلث الأول من الشهر الفضيل وتنطلق بعد عشرة أيام من النوم بالدروس المحمدية التي لم تكن من ابتكار التظاهرة باعتباره نشاطا تعرفه الولاية خلال أشهر رمضان الماضية ولكنها أدرجت تحت اسم "التظاهرة للهروب من شبح الفراغ " وتتواصل التظاهرة بالأسبوع الثقافي البولندي سيتزامن إسدال الستار عليه باقتراب إسدال الستار على شهر رمضان وتخرج التظاهرة من ورقة الركود بطريقة ذكية.