اليوم الوطني للحرفي : نشاطات مختلفة بولايات الوطن    بوغلاف ونظيره من جمهورية التيشك يزوران الموقع.. تمرين ميداني لتسيير وإدارة الكوارث الكبرى بالبويرة    التسجيلات تتم عبر المنصة الالكترونية لوزارة الثقافة : فتح باب الترشح أمام الجمعيات للاستفادة من دعم المشاريع الثقافية والفنية    الأسبوع الثقافي لولاية عنابة بولاية الجلفة : الاحتفاء بروح الوحدة والتنوّع الثقافي للجزائر    الزاوية التجانية : القيم الروحية والمعرفية جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية    ألونسو مهدد بالرحيل وبيريز يبحث عن البديل    بلال براهيمي يعيش أزمة مع سانتوس    هذا ما تمنّاه لوكاشينكو للجزائر    القُضاة: النقابة مسموحة.. السياسة ممنوعة    محرز يحسم الداربي    إجراءات عديدة لدعم الاستثمار وتحفيز المؤسسات    الحكومة تُكرّس الطابع الاجتماعي للدولة    دعوة الى إلغاء بعض مراسم الأعراس    تحرّر إفريقيا لن يكتمل إلا باستقلال الصحراء الغربية    هكذا أُحرقت مئات الجثث في الفاشر    الغزيون في حاجة إلى الدعم المادي لا الدعم النفسي    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الجزائر والبرازيل تتفقان على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي    المسيلة تحتضن المؤتمر الدولي الأول حول الذكاء الاصطناعي في الإعلام الرياضي    رئيس مجلس الأمة يمثل الجزائر في احتفالات استقلال أنغولا    المؤرخ بنجامين ستورا يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها الاستعمارية في الجزائر    وزير الصحة يشرف من البليدة على الانطلاق الرسمي لحملة "نوفمبر الأزرق" للكشف المبكر عن سرطان البروستات    وزير الشؤون الدينية بلمهدي يشارك في اللقاء نصف السنوي لرؤساء مكاتب شؤون الحجاج بالسعودية    البروفيسور رشيد بلحاج يدعو إلى إصلاح شامل للمنظومة الصحية وتكامل أكبر بين القطاعين العام والخاص    باماكو تحصر أنفاسها المتقطعة وهي على بُعد أيام من السقوط    مشروع جمعوي لإدماج الشباب في ترقية الموروث الثقافي بالشلف    أمطار غزيرة على عدة ولايات تصل 70 ملم    دراسة ملف إنتاج الكهرباء والتحضير للصائفة لقادمة 2026    مدير(اليافسي) يشرف على اجتماع عمليات التدقيق في المنصات    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    البرلمان العربي يؤكد أهمية تحقيق التوازن بين التطور التقني في مجال الذكاء الاصطناعي وبين صون المبادئ القانونية والقيم الإنسانية    بعيدا عن هموم مهنة المتاعب..!؟    بن دودة تشرف على اختتام صالون الدولي للكتاب بتتويج الفائزين بجائزة "كتابي الأول" وتكريم شخصيات والمشاركة في انطلاق "قافلة المعرفة    استذكار وتكريم نخبة من الأدباء والإعلاميين والناشرين الراحلين    افتتاح مهرجان "في الصحراء" السينمائي في طبعته الرابعة بمدريد    أوضاع إنسانية وصحية كارثية في قطاع غزة    وزير العدل يشارك في الدورة ال41 لمجلس وزراء العدل العرب    تخفيف المحتوى الدراسي وتقييم شامل للمنهاج    الجامعة أصبحت رمزا لتحول الأفكار وقاطرة للتنمية    الاستثمارات الضخمة تقوي أسس الاقتصاد الوطني    وضع حدّ لشبكة إجرامية تقوم بالنصب في بيع المركبات بالتقسيط    هذه أهم مقترحات التعديل على مشروع قانون المالية    امتيازات بالجملة للشباب حامل بطاقة المتطوع    إعداد دفاتر شروط مشاريع متحف وتمثال الأمير والقرية العلمية    الاحتلال يخرق جوهر الاتفاق وأساس وقف إطلاق النار    وهران..مناقشة آخر المستجدات في مجال الطب الداخلي    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    شروط جديدة لتجارب تكافؤ الأدوية    لا وصف للمضادات الحيوية إلا للضرورة القصوى    عبدلي يرفض التجديد مع أونجي والوجهة ألمانية    منصب جديد لمازة يقدم حلولا فنية لبيتكوفيتش    مدرب مرسيليا الفرنسي يتأسف لغياب غويري    حين تتحدث الدُّور عن فكر يتجدّد وإبداع لا يشيخ    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسوّل دون حاجة محرّم شرعا وجريمة يعاقب عليها القانون

انتشرت ظاهرة التسول في المجتمع الجزائري انتشار النار في الهشيم، ولم تعد وسيلة لسدّ الرمق فحسب، بل تحوّلت إلى ظاهرة تُمارس باحتراف وتدرُ على المتسولين أموالا ضخمة وطريقا سريعا للغنى الفاحش، ما جعل المختصين يدقون ناقوس الخطر، ويحذرون من خطورتها لما لها من آثار سلبية على الدين واقتصاد الوطن.
خديجة. ب
"ديكور تسوّل" متعدّد الجنسيات
وما زاد الطين بلّة، ظهور جنسيات جديدة تمتهن التسول في الجزائر، على غرار الأفارقة والسوريين، وأصبح مألوفا جدا انتظام هؤلاء المتسولين في شكل ديكور اجتماعي بات يميز الأرصفة وأبواب البنوك والأسواق العمومية، إلى جانب المساجد والمقابر وحتى الحافلات والجسور ومحطات القطار. وتحولت عند البعض إلى أسلوب سهل للعيش دون احتساب لمسمى الكرامة وعزة النفس. والكل يتفنن في اصطياد فريسته سواء بالتحايل كعرض وصفات الدواء، أو التظاهر بالعمى والإعاقة، واتخاذ مظاهر معينة كارتداء ملابس قديمة ورثة، والتقمص ولعب دور الضحية، الكذب والتمثيل، وانتقاء الكلمات المؤثرة، والمهم في النهاية تحقيق عائد مادي كبير.
أطفال يمتهنون التسول بموافقة أوليائهم
الأشد إيلاما هو ولوج البراءة عالم التسول الذي يعتبر بوابة الآفات الاجتماعية وتكثر خاصة في التجمعات القصديرية، وتكون الفاقة والحاجة دافعا إلية أو تكون العادة التي تطورت وأصبحت عرفا عائليا لا يمكن مخالفته، فكثيرا ما تصادف أطفالا في عمر الزهور يتسوّلون بمعية أوليائهم الذين يحضّرونهم نفسيا لممارسة هذه المهنة مستقبلا، وما يثير الدهشة أن هذا الطفل الذي عادة ما يحقق نتائج دراسية محتشمة، إن كان لا يزال في المدرسة تجده يجتهد في استعطاف قلوب الناس ويحفظ عن ظهر قلب مختلف عبارات التسول "ربي يحفظك"، "ربي يسترك"، وغيرها من الأدعية المأثورة في هذا العالم.
وهو ما قالته إحدى السيدات "صعدت أربعينية جار عليها الزمن كما يوحي مظهرها، القطار من محطة رغاية تجاه الثنية، برفقة أطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم مابين 07 و12 سنة ويحملون أسماء غريبة" بومبة، موتشو"، ولم يحضرني الاسم الثالث لأنني ركزت في سرد الأم لمعاناتها داخل بيت "قزديري" رفقة زوج سكير، وهذا ما دفع بها لامتهان التسوّل وتعليمه لأطفالها، ما جعلهم يهملون دراستهم وتحصلهم على نتائج ضعيفة، وقد تركت اثنين ينزلان في محطة بودواو للتسوّل، ولما سألها أحد الركاب إن كانت لا تخاف عليهما فأجابت بثقة "هما يعرفوا الحرفة"، أما الطفل الثالث وبعد أن كسب عطفي بإجابة تحمل الكثير من المعاني على تعليق أحد الركاب الذي كان يتحدث مع الأم ويضحك " إلي يضحك يلحق"، فقد جاءني عند وصول القطار إلى نهاية المحطة وهو يطلب بإلحاح النقود مكررا عبارات التسوّل المعتادة، وتضيف: "وهو ما آلمني ألما عميقا وجعلني أفكر في مصير هؤلاء الأبرياء، وأتمنى لو تتخذ السلطات المختصة في بلادنا حذو الدول الغربية وتبعد هؤلاء الأطفال الذين يشكلون عينة بسيطة مما تعانيه الطفولة في مجتمعنا عن عائلاتهم وتتكفل بهم لحمايتهم من أخطار الشارع، ولحماية المجتمع من خطرهم مستقبلا".
أما عن الأطفال الأكثر طلبا والذين يحققون عائد مالي كبير هم من يملكون موهبة نادرة، كعين عوراء أو قدم كسحاء، فأطفال كهؤلاء يستغلون لأغراض التسول، وقد يدفع مبلغ خيالي للطفل المدرب جيدا على أحدث طرق التظاهر مثلا بالشلل أو الرعشة، أما الإناث فمن الأفضل أن تكون ذات الوجه المعبر والبشرة المجعدة .
المتسوّل الجزائري متذمّر من اكتساح السوريين مجاله
لم تعد تؤثر الحرب التي تدور رحاها في سوريا سلبا على السوريون فقط، الذين تشتتوا في جميع أقاصي العالم، بل حتى على المتسوّلين الجزائريين، الذين بات يزعجهم وجود أقرانهم من سوريا برفقتهم، بل وحتى امتد الوضع إلى سرقة الأيدي التي كانت تدر عليهم أموالا طائلة. حيث باتت تنشب يوميا حربا ضروسا في أماكن التسول بين المسؤول والمتسوّل بسبب إغداق الجزائري في منح خاصة الشابات السوريات للأموال من فئة الأوراق النقدية، فيما تقول إحدى المتسوّلات الجزائريات أنهن لم تعد تحضين حتى ببعض الدنانير.
بل أصبحن يتلقين عبارات شتم" حتى البنوك تغلق أبوابها والمتسول لا يتوقف عن مد يده "، " واش المتسول ما يتقاعدش"، غير أن الملاحظ أن هذه "المهنة" حقق من خلالها أصحابها ثراء فاحش، مثل حال إحدى السيدات المقيمة برويبة شرق العاصمة، التي تمكنت في وقت قصير من بناء فيلا فخمة بأحد الأحياء الراقية، وبالرغم من ذلك لا تزال تمتهن هاته الحرفة.' فيما يتداول الناس على ألسنتهم حاليا حكاية أحد الموظفين الذي كان يتلقى راتب معتبر من عمله، فقرر أن يجرب حظه مع التسول يوما، ولأنه عاد عليه بضعف راتبه في يومه الأول قرر ولوج هذا العالم.
كما اقتحم هذا المجال بقوة متسولون أفارقة خاصة من جنسيات مالية، ويعد القطار وجهتهم المفضلة، فتجد عائلات بأكملها من مختلف الفئات العمرية في سباق مع الزمن ذهابا وإيابا داخل عربات القطار، حاملين أواني بلاستيكية صغيرة، غير أنهن لا يعدن بالربح الوفير على غرار السوريين.
مختصون يحذّرون من خطورة الظاهرة
حذر الأستاذ في علم النفس بوعلام قصاب، من خطورة التسوّل على المجتمع والأمة، لأنه يصبح إدمان مع مرور الوقت،وقال أنه يبدأ كمرحلة أولى نتيجة ظروف صعبة، وبعد رؤية العائد المادي الذي يعتبر مكافأة، يحس المتسول بقيمة هذا العائد وتدريجيا يصبح إلحاح وإدمان للتسول. مرجعا أسبابه إلى الوضع الأمني المشتعل السائد في منطقة الجوار، وأوضاع اقتصادية واجتماعية كالنزوح الريفي، الطلاق، وأحيانا استئجار الآباء لأولادهم المعاقين بمقابل مادي، وغياب ثقافة التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع. والتربية الأسرية المتزمتة، ووجود "بارونات" للتسوّل يستغلون العائلات الفقيرة. محذّرا في نفس الوقت من نوع جديد، وهو التسوّل باستعمال التكنولوجيا بواسطة البريد الالكتروني. داعيا الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات سريعة كإدماج القصر وأطفال الشوارع في التكوين المهني، خاصة مع وجود دراسات تؤكد أن المتسولين يدخلون في شبكات البغاء والمخدرات خاصة الإناث، جمع المتسولين في حملات تحسيسية وتوعوية لتعريفهم بخطورة ما يقومون به، وتلبية حاجياتهم من خلال صندوق الضمان الاجتماعي، مع الحرص على التشديد في إلزامية التعليم، التقليل من البطالة، احتواء الأطفال في العطل بتكثيف البرامج الترفيهية والتسلية، إنعاش المناطق النائية بالمشاريع من أجل عودة النازحين .
علم الاجتماع : الانحراف.. الوجه الآخر للتسوّل
أما الأخصائية في علم الاجتماع فوزية بورنان، فحذرت من الوجه الثاني للتسوّل وهو الانحراف، مرجعة أهم أسبابه إلى ترمل المرأة التي لا تجد من يكفلها، دافع آخر وهو فئة المسنين وغياب المتنفس الصحيح لهم والأيتام. ومن بين الحلول التي وجهتها إعطاء المزيد من الصلاحيات للأجهزة الأمنية بتقديم الدعم اللازم ماديا وبشريا، وطلب مختصين لمكافحة الجريمة، إخبار وتدريب رجال الشرطة وإعطاء لهم الحق في القضاء على المتسولين، مع عدم إعطاء المتسول أموال ومنحهم إلى صناديق الزكاة والجمعيات المختصة.
السؤال دون حاجة محرّم شرعا
يؤكد الأستاذ عمر العسكري، إطار بمديرية الشؤون الدينية ببومرداس، أن كلمة "التسول" لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، بل وردت كلمة" المسألة" أو"السؤال" و"التكفف"، مشيرا أن "المسألة في الأصل حرام وأحلت للحاجة والضرورة"، والإسلام يميز بين أمرين التسوّل بدون حاجة الذي حكمه المنع، مع إباحة التسوّل بحاجة، ولكن مقدرة بقدر الضرورة.
مشددا بأنه لا يجوز إعطائهم مهما استضعفوا وعملوا من أساليب وخاصة أمام بيوت الله، لنهي السؤال في المساجد حسب المالكية. مؤكدا أن الفقير لا يتسوّل مصداقا لقوله تعالى: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً".
ومن الأدلة التي تحرم سؤال الناس من غير حاجة فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم " . وتقول الأستاذة "يماني سعيدة" مختصة في الشريعة أن الدين حث على بذل المعروف والقيام بشؤون المحتاجين والمساكين وأمر بالصدقات، وبالمقابل حارب كل ما من شأنه أن يهدم هذه القيم الحميدة في المجتمع، والإسلام كان سباقا في محاربة هذه الآفة عن طريق وضع إجراءات وقائية منها الحث على العمل ونبذ التوكل، تحريم التسول، تحريم اكتناز الأموال، الحث على إعطاء الأجير حقه، وتحريم المماطلة في حقوقه، الحث على كفالة الأيتام والأرامل والمطلقات، الحث على الهدية والهبة والوصية ودور الوقف، التوسط في الإنفاق.
القضاء لا يتعامل بصرامة مع المتسولين
كشفت الدكتورة في القانون وهيبة بوطيش، أن المشرع لم يشدد في العقوبة المفروضة على المتسوّلين رغم إعطائها الوصف القانوني،جنحة وعقوبتها من شهرين إلى 06 أشهر. مشيرة أن القانون يعتبر التسول جريمة ضد النظام العام والآداب العامة وخصص لها مادة واحدة 195 من قانون العقوبات و196 للتشرد كونهما وجهان لعملة واحدة. ويختلفان في بعض الأمور فقط كغياب مأوى ووسائل العيش وإمكانية العمل للمتشرد. أما عندما يحال الأمر إلى القاضي تضيف يتعامل بليونة قلما يصطحب هذا المتسول إلى العدالة وقلما، يقرر له عقوبات بالحبس إلا في حالة إرفاقه بتقرير مفصل يثبت وجود دخل يعيش منه، وهذا مراعاة لعدة ظروف منها السائدة في البلاد، وعدم التكفل التام ببعض الفئات الهشة كالمرأة الأرملة ليست لها منحة لتقوم بشؤون أسرتها، اكتظاظ السجون وغيرها.
ورغم ولوج مختلف شرائح المجتمع في عالم التسوّل لما وجدوا فيه طريق سريع للربح والغنى، يبقى الأكثر خطورة، هواقتحامه من طرف الأطفال والقصر الذين يشكّلون جيل المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.