دخول أفراد الجالية الجزائر بلا تأشيرة وبطاقة التعريف الوطنية تكفي    بحث التعاون في مجالات التغير المناخي وأثرها على الطاقة والفلاحة    10 اتفاقيات تعاون بين متعاملين جزائريين وموريتانيين    الجزائر الجديدة ترسّخ فضيلة التقدير والاعتراف    الجزائر تُطلق أوّل طاولة تشريح افتراضية مبتكرة    العدوان الصهيوني على غزة تجاوز كل الحدود ولا يخضع لأي قواعد    شكر الرئيس لموظفي سونالغاز.. تقدير للعمال المثابرين    في خطاب له خلال زيارته إلى مقر وزارة الدفاع،الرئيس تبون: السيادة الوطنية تُصان بالارتكاز على جيش قوي مُهاب    إثر قصف طيران ومدفعية إسرائيل لمناطق في غزة ورفح: استشهاد عدد من المواطنين الفلسطينيين،وإصابة آخرين    لمساندة معتقلي الرأي وضحايا انتهاك حرية التعبير في المغرب: وقفة احتجاجية اليوم أمام المحكمة الابتدائية بالقنيطرة    بمناسبة العرض الشرفي للفيلم الوثائقي "الشيخ العربي تبسي"،بوغالي: الغاية من قراءة التاريخ تكمن في تحصين لحمة الأمة وتجديد بنائها    أعربوا عن استعدادهم في إثراء الأنظمة التعويضية للأسلاك الطبية: نقابيون يثمنون مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين الأساسية    تبون يبرز الدور الريادي للجزائر في مجال الأسمدة    قوجيل يجدّد الوفاء..    ملتقى دولي بالجزائر حول الطاقات المتجددة    هذه تفاصيل مُقترح الهدنة في غزّة..    مسيرة حاشدة في ذكرى مجازر 8 ماي    شيفرة لغة السجون    جزائري في نهائي دوري الأبطال    ورشة حول الفار في الجزائر    حصيلة إيجابية للمنتخب الوطني في لواندا    أوسيمين يرغب في الانتقال إلى الدوري الإنجليزي الممتاز    عهد منشود بمكاسب أكبر في جزائر جديدة وقوّية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    الحج دون تصريح.. مرفوض بإطلاق    نقابيون يثمنون مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الطبية وشبه الطبية    سوق أهراس : حملات تحسيسية حول مخاطر استعمال الوسائط الاجتماعية والإنترنت    فرقة الأمن والتحري للدرك الوطني بنقاوس توقيف جمعية أشرار تسرق الكوابل النحاسية    اجتماع لتقييم مستوى التعاون بين جهازي الجمارك للبلدين    ترياتلون/الألعاب الأولمبياد-2024: "حظوظي جد معتبرة في التأهل"    وهران: إقبال معتبر على صالون التجارة الإلكترونية والإقتصاد الرقمي    مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السنفونية : فنزويلا في أول مشاركة لها والصين ضيف شرف للمرة الثانية    التصفيات الجهوية المؤهلة للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم : مشاركة قياسية للفرق المسرحية والتكوين رهان محافظة المهرجان    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: تتويج الفيلم القصير "كود بوس" بجائزة "السنبلة الذهبية"    "راهن الشعر الجزائري" : مهرجان شعري وملتقى دراسي بمناسبة عيد الاستقلال    خلال يوم دراسي حول الأسواق المالية : جامعة سكيكدة ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها توقعان اتفاقية تعاون    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس المجلس الوطني لجمهورية الكونغو    سكيكدة: تنصيب أحمد ميرش مديرا للمسرح الجهوي    مجازر 8 مايو 1945 عكست الهمجية الاستعمارية في أبشع صورها    حوادث الطرقات: وفاة 38 شخصا وإصابة 1474 آخرين خلال أسبوع    ذكرى 8 مايو 1945: انطلاق من العاصمة لقافلة شبانية لتجوب 19 ولاية لزيارة المجاهدين والمواقع التاريخية    انطلاق اليوم الأربعاء عملية الحجز الالكتروني للغرف للحجاج المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    365 سائح ينزلون بسكيكدة    قسنطينة تستعد لاستقبال مصانع التركيب    ترحيل 141 عائلة من "حوش الصنابي" بسيدي الشحمي    حجام يتألق في سويسرا ويقترب من دوري الأبطال    الأهلي المصري يرفع عرضه لضم بلعيد    بن رحمة هداف مجددا مع ليون    صيد يبدع في "طقس هادئ"    طرح تجربة المقاهي ودورها في إثراء المشهد الثقافي    دعوة لإعادة النظر في تخصص تأهيل الأطفال    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    هول كرب الميزان    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميسّاج
ربيعيات
نشر في الجمهورية يوم 11 - 09 - 2017

ربتت على كتفي بكف أمّ رؤوم. هي تعرف بحسها المرهف أن جرح اليتم المبكر يمسي غائرا كلما امتد العمر بأهله، وكل ربتة على الكتف كنز ثمين. ثم ماذا. هي مثل أمي. ألم أسكن في حضنها ما يقرب من عشرين سنة.
- رايحة لوهران الباهية بنتي ؟ !
– واه.! قليلا قليلا، سحبتْ العاصمةُ المدينةُ البيضاءُ قدميها الغائصتين منذ أزل في مياه الأبيض المتوسط. ارتجف البحر المنعكسة زرقته على نوافذها وشبابيكها. وقفتْ فامتدت قامَتُها حتى زرقة السماء. بدتْ تلمع في بياضها الأزلي. الغريب أنني لمحت خلف جفنيها المتعبين شبحيْ دمعتين. أفضتْ بأنها تريد أن تحمّلني أمانة سرية جدا إلى أختها وهران الباهية إنها رسالة.! كأنها قرأت ما يدور في رأسي. فأوضحت أنها لا تريد استعمال الوسائل الباردة للتواصل مع أختها. تريد صوتا حيّا عذبا دافئا. يحفظ السرّ ولا يفشيه. وضعت السيدة البيضاء يدها على رأسي :
-أنتِ ابنتنا معا . نكاد نتقاسم السنوات من عمرك بيننا ! هكذا إذن..تريدني أن أنقل بصوتي رسالتها تلك. ولأن رسالة المدن ليست مثل رسائل البشر، فقد أوصتْ أن أصعد إلى جبل المرجاجو المطل على لوحة المدينة المدهشة، عند القلعة و سانتا كروز، وبالقرب من سيدي عبد القادر مول المايدة، وأواجه البر والبحر. وهناك فقط أسرد رسالتها الشفهية التي ستتردد أصداؤها عبر البيوت والأمواج. كان علي أن أحفظ مضمون الرسالة عن ظهر قلب. لم يكن الأمر سهلا وعاديا. للغة المدن سحر خاص. فالتمعن في الجمل يجعلك تلبسها أكثر من معنى. يا لها من لغة. يا لمتاعاتها. يا لمسالكها المبتكرة. تارة تبدو قوية وصائبة وأخرى مثل كتاب مترجم بطريقة غريبة.. كأنها ألعاب نارية! يا لفلسفتها لو أنها خطرت ببال أرسطو.
ثم ماذا تعني بحصاد الحقول قبل سقوط النجوم ؟!.. المهم ليس علي أن أفسر، أنا أنقل الرسالة .ما عليّ إلا البلاغ. لكن هذه ليست رسالة. إنه شلال يهوي فيشتت ذرات الفضاء. كيف لي أن أنقل هذا الشلال.. هل حدث لأحد منكم أن أحكم القبض على شلال؟! لغة. فيها للبحر الباسط زرقته عند بابها سحر، وللأقوام الذين مروا بها عبر العصور بلغاتهم وقرقعات أسلحتهم وحمحمة أحصنتهم وأصواتهم، من فينيقيين ورومان ووندال وغيرهم من الوافدين الكثر .. يختبئ أثرهم بين ثنايا الخطاب. بدهشة كنت أستقبل فتنة تفاصيل هذه الرسالة الغريبة. تتغلغل بهدوء ملغوم في عمق ذاكرتي . هكذا تكون الرسائل وإلا فلا.! المراسلات الكثيرة التي قرأتها لعظماء كتاب العالم، بدت لي عادية أمام هذا الفيض العجيب من المعنى المضمر. رسالة البيضاء للباهية مختلفة. لعل ذلك لأنهما أختان ولدتا من بذرة حب عظيم بين زرقة البحر وزرقة أمومة السماء. وودعتني الأمّ البيضاء بعد أن أوصتْ وشددتْ على سرية الرسالة. وذكّرتْ بأنها ستنتظر عودتي. تواريتُ عن عينيها في غياهب الطريق السيار، يشق خضرة الجبال والحقول. لم تنس أن تدعوَ لي كي تدفع الريحُ أحصنة سيارتي. بلمح البرق وصلتُ. دخلتُ الباهية من بابها الشرقي كعادتي عندما أعود إليها. كانت بهية مثل الأمهات. أقدامها في البحر ورأسها في السماء. رأيت جموعا غريبة تقف خلفها. ثم لماذا تبدو قلقة هكذا. من أين جيء بكل هذا الخلق . هل تعرف بفحوى الرسالة ؟ وكيف؟. التقطتُ أنفاسي قليلا لأهدأ وتتجلى الرؤية. اقتربتْ مُرحّبةً بابنتها، وضعت الباهية كفها على رأسي. هي أيضا مثل أختها البيضاء، تدرك بحسها المرهف، أن جرح اليتم المبكر يمسي غائرا كلما امتد العمر بأهله، وكل ربتة على الكتف كنز ثمين. وإذ اقتربتُ من الجموع خلفها، تبينت وجوه الحاضرين جلية. كانوا يقفون وراءها. يسندونها حتى لا تتعب من بينهم رأيتُ سيدي الهواري وسيدي بلال وسيدي الحسني وسيدي المخفي والسنوسي والبكاي والبشير وبن عودة و عبد الباقي وبن زرقة وأحمد صابر وبلاوي الهواري وأحمد وهبي وولد البارودي وولد العيد وولد السباطي والخالدي والهاشمي ومكي نونة وبالقاضي ووووووو.. كانوا كثرة. كلما أبصرت وجها رسمت لك ملامحُهُ تاريخا من الجمال والجلال. اسأذنتُ .. غادرتُ المكان. وكما وعدتُ السيدة البيضاء، صعدتُ قمة جبل المرجاجو. وحيدة وبمواجهة البحر ولألأة البيوت، ملأت صدري بالهواء النقي. كنت أسرد بكل ما أوتيت من قوة تفاصيل الرسالة العجيبة. رأيت كلماتها تتطاير في الهواء وتختلط بأسراب النوارس. كلماتها تتدحرج بين جنبات الغابات. كلماتها من هذا العلو تقفز إلى البحر. لم أعد أسمع صوتي. ربما لا صوت لي، أو لعل هذه الريح القوية تمزقه مثل منديل من حرير، وتذرو خيوطَهُ الملونة للرياح الأربع. مالذي يحدث؟ تفضحه صفحته، البحر يهتاج جوفُه.
- هل من حكيمة في المدينة ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.