إنّ روح الجزائر العظيمة أرض الشهداء وموئل الأحرار ومنبع الجمال لطالما كانت ولا تزال وستبقى حاضنة لأحلام وطموحات وتجليات فارسات وفرسان أبو الفنون. ووسط كثبان صحرائنا الشاسعة وجمال جنوبنا الكبير، خرجت جمعية " النسور" لمسرح تندوف ذات ليل مخملي من ليالي عام 1982، وظلت هذه الجمعية برئاسة عبد الكريم عباز، مدرسة رائدة وجوهرة فريدة زوّدت المسرح الجزائري بمنجزات شائقة وأسماء من ذهب، ولا ينبغي نسيان هذا المعلم الشاهق في صرح أبي الفنون بريبرتوار يربو عن عشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية أيضا. البداية كانت باشتغال نسور تندوف على مسرحية المهزلة الأرضية ليوسف إدريس 1982، ثمّ مجلس العدل لتوفيق الحكيم 1983، وبعدها السلطان الحائر لتوفيق الحكيم كذلك 1984. وفي ربيع عام 1985، كان الموعد مع الطوفان الذي برع فيه نسور تندوف عن نص مصطفى محمود، ثمّ أتى إبداع مسرحيتي التضحية والحصار لعادل عزت 1986، قبل أن يلتفت طاقم النسور النفيس إلى المحاكمة العجيبة لمحمد الطاهر 1987، والانتظار لأسامة عنين 1988. وجرى تدشين عقد تسعينات القرن الماضي، بمأساة بائع الدبس الفقير لسعد الله ونوس 1990، والمغبون لمكي سوداني 1992، فضلا عن فرحان وبائعة الكتان 1996. وعلى مدار سنتي 1997 و1998، تحوّلت عائلة نسور تندوف إلى الشاشة الصغيرة، فكانت الجوهرة الضائعة وهي عمل تربوي تلفزيوني لمصطفى بن دهينة 1997، ثمّ المسلسل التلفزيوني العباس بن مرداس من 6 حلقات لمصطفى بن دهينة وإخراج بشير بلحاج 1998. المسار الحافل تدعّم أكثر بعرض ... ولا في الأحلام، وهي مسرحية للأطفال 1999، قبل أن يهدي نسور تندوف لعشاق الإبداع الركحي العميق، العمل الكلاسيكي" الزير سالم " التي جرى تقديمها سنة 2001 بعد حراك استمرّ عاماً كاملاً. المسرحية الأبرز في مسار الكاتب المصري ألفريد فرج (14 جوان 1929 – 04 ديسمبر 2005) حُظيت بمقاربة مميّزة من نسور تندوف الذين طرحوا رؤى شديدة العمق تنعكس عبرها ثقافة غزيرة. مسرحية الزير سالم كان ديكورها من تصميم عبد الله الهامل، بومدين بلا وعبد الحليم زريبيع، أما تنفيذ الديكور فنهض به الرباعي عمر مازري، محمد ملاّد، عبد النور أوماني والصديق خليفة، وتولى عبد المجيد عيساوي بتصميم الملابس والملصق والماكياج، في حين نفّذ الملابس العادية بن حليمة، بينما تكفّل حسان بوطالب بالملابس الجلدية. الألحان والموسيقى كانت لأحمد خمبلوفي، غناء خديجة زوادير، وتولى مسؤولية الإنارة عبد القادر جكاني بمساعدة غنام قلوم، في وقت كانت إدارة الإنتاج لعبد القادر جكاني بمساعدة عبد الكريم عباز. وسهر عبد الله الهامل على المتابعة اللغوية، بينما تولى عبد الحليم زريبيع الإخراج بمساعدة بومدين بلا، وأتى ظهور الممثلين على النحو الآتي: إبراهيم ميسون : مرّة – الفارس3، التابع، الرسول، بومدين بلاّ: هجرس، ليلى خنيفير: جليلة، الزهرة عماري: أسماء – سعاد – فتاة الحانة، هوارية زوادير: يمامة ، عمار بلغة: سلطان، سفيان بوغنامة: كليب – فارس، أحمد سويد بهاها: همام – فارس ، الطاهر الطاهر: جساس، عبد الحليم زريبيع: الزير، محمد توفيق عماري: فارس، الحكيم، البستاني، تابع حسان، خديجة زوادير: المغنية، الجنية، الوصيفة، فتاة الحانة ، عبد الكريم عباز: سعد، فارس، زيد، مراد سنوسي: عجيب وأحمد خمبلوشي: الموسيقي . إنّ واجب الذاكرة يفرض حفظ كنوز نسور تندوف، خصوصاً وأنّ المرحلة الحالية تفرض إنضاج الأفكار المثمرة والمضي في الإبداع المنتج والابتعاد عن عارضي الاتكال والتواكل. إنّ أحلامنا كبيرة و تتنامى بذخائر ماض وحاضر ومستقبل جزائري ثري ثراء جزائر الحضارة والعزة.هي ذات الأحلام التي انطلقنا بها، تلك الأحلام ظلت زادنا وزادكم، وهذه الأحلام سترسم حتما أقواس البروز ونفائس التقدم ومشاعل التنمية.إن وطناً مخضباً بدماء مليون ونصف من الشهداء، ومحصناً بشعب عظيم، وملهماً بقيادة حكيمة، سوف يبقى مشعلاً ومنبراً تؤوب إليه أفئدة المسرحيين.