كثرت المظالم في دنيا الناس وتعددت أشكالها ، منها ما بين العبد وربه ومنها ما بين العباد، وكثير من الناس يظلم ويتخذ لأفعاله مسوغات ويخفي مظالمه، غير مبال لعواقبها وغافل عن مراقبة الله تعالى. تعريف الظلم : للظلم عدة معان، منها: الجور أو تجاوز الحد، أو وضع الشيء في غير موضعه المناسب، وأمثلة ذلك: إضافة الربوبية لغير الله تعالى ظلم، تجاوز حق الغير ظلم... أسبابه:تعددت أسبابه وتنوعت دوافعه، منها: ضعف الوازع الإيماني الداخلي ، فالإيمان بالله هو العاصم من الوقوع في المظالم. و أيضا غياب الرادع الخارجي (الشرعي والقانوني، فالظالم الذي لا يؤخذ بيده ولا يعاقب عما اقترفه يتمادى في ظلمه بل ويكون القدوة السيئة لغيره.فالرادع الخارجي ضروري حين يغيب الوازع الداخلي أو يضعف، لذلك قال سيدنا عثمان رضي َالله عنه: [إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن]. وهو ما تتولاه هيئة الحسبة أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، وذلك شرط استحقاق الأمة المسلمة لوصف الخيرية. قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُومِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوَ امَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهمُ الْمُومِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)﴾[سورة آل عمران]، وقال صَلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك الله أن يعمهم بعقاب) [رواه الترمذي]. ومن لا يعرف التعامل مع النعم ولا يدرك قدرها فيستخدمها لغير ما خلقت له ومثال ذلك: نعمة الصحة نعمة المال... فالعبد يتجبر بسبب نعمة الله عليه لذلك قال تعالى:﴿كَلآَّ إِنَّ الاِنسَانَ لَيَطْغَىآ(6) أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَىآ(7)﴾[سورة العلق]. ومن الأمثلة التي ساقها القرآن الكريم أولئك الذين طغوا بسبب النعم ما يلي: - قصة النمرود بن كنعان الذي أعطاه الله الملك لمدة 400 سنة وبعد ذلك ادعى الربوبية: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنَ اتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَآ أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَاتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَاتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(258)﴾[سورة البقرة]. - قصة فرعون الذي أتاه الله السلطان فكان ذلك سببا لإدعاء الربوبية: ﴿وَهَلَ اَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىآ(9) إِذْ رَأَىا نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ اِمْكُثُواْ إِنِّيَ ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّيَ ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ اَوَ اَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىآ(11) إنِّيَ أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلِيْكَ إنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوَىا(12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىآ(13) إِنَّنِيَ أَنَا اللَّهُ لآ إِلَهَ إِلآَّ أَنَا فَاعْبُدنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْريَ(14) إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ اَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىا كُلُّ نَفْسِم بِمَا تَسْعَىا(15) فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُومِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىا(16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَىا(17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَاَهُشُّ بِهَا عَلَىا غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَىا(18) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَىا(19) فَاَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىا(20) قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الاُولَىا(21) وَاضْمُمِ يَدَكَ إِلَىا جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ -ايَةً اُخْرَىا(22) لِنُرِيَكَ مِنَ -ايَاتِنَا الْكُبْرَى(23) اِذْهَبِ اِلَىا فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَىا(24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(25) وَيَسِّرْ لِيَ أَمْرِي(26)﴾[سورة النازعات]. 4. البيئة الاجتماعية: فالبيئة تلعب دورا خطيرا في صياغة العقول وتوجيه السلوك، في الأسرة أو المجتمع... أنواع الظلم :الظلم أشكال وفنون منها الشرك بالله تعالى وهو أعظم الظلم لأنه يتعلق بحقوق الله تعالى، قال عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيِّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13)﴾[سورة لقمان]، ولما سئل النبي عليه الصلاة والسلام: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك) [رواه البخاري].، و هناك تعطيل المساجد عن أداء أدوراها:وهذا التعطيل قد يكون ماديا أو معنويا، بهدمها أو تنفير الناس منها قال تعالى:﴿وَمَنَ اَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُّذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىا فِي خَرَابِهَآ أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمُ أَنْ يَّدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(114)﴾[سورة البقرة]. إلى جانب كتمان الشهادة، وهذا ما يعطل حقوق العباد فكم من صاحب حق ضاع حقه بكتمان شهادة أو تزويرها، قال تعالى:﴿...وَمَنَ اَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(140)﴾[سورة البقرة].، وأكل أموال الناس بالباطل: وله صور عديدة منها: السرقة، الغصب، الاحتكار... وأعظمها أكل أموال اليتامى، لما في ذلك من أذى يضاف إلى يتمهم،ولقد توعّد ربنا عز وجل هؤلاء بالعذاب في قوله: ﴿اِنَّ الذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىا ظُلْمًا اِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(10)﴾[سورة النساء]. إمساك الزوجة إضرارا بها:﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَالِكَ فَقَدْ ظَّلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُءًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(231)﴾ [سورة البقرة]. أما الظلم المعنوي، فقد يكون باللسان: التجريح، القذف، السب والشتم، وقد يكون بالعين: النظرة المخيفة وفي هذا يقول نبينا صَلى الله عليه وسلم: (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة) [رواه الطبراني].