يعد شايب عاشوراء طقساً احتفالياً راسخاً في الذاكرة الشعبية الجزائرية، وظلّ هذا الطقس العريق في الجنوبالجزائري تحديداً وبلدان المغرب العربي عموماً، يُمتع المتلقين بعروض تجسّد قصصا مستمدة من التراث الجزائري العريق، وهذا الموروث مثلما بقي طقساً للفرح، فهو أيضاً نمط خصب لاشتغال ركحي سيمنح الكثير من الفرجة والجمال والمتعة. أردنا تسليط الضوء على ظاهرة شايب عاشوراء، ليس كشكل احتفالي فحسب، بل كظاهرة مسرحية يتعين الغوص فيها فنياً وفرجوياً، بما يقتضي المزيد من الدراسات الأكاديمية التي تشتغل على ممارسات شايب عاشوراء كشكل مسرحي يضاهي مسرح الحلقة وغيره. شايب عاشوراء قالب متفرّد يمنح قدراً نوعياً من الادهاش والفرجة بما يشدّ المتلقي ويتيح أنساقاً جديدةً من الرؤى الركحية، وهذا ما يتقاطع مع طرحي المنظّر الفرنسي أنطونين أرتو والمخرج البولوني بيجي غروتوفسكي، حيث اعتبرا الطقوس الاحتفالية الدينية شكلاً من أشكال المسرح، خصوصاً مع توظيف أمكنة مسرحية جديدة غير الفضاءات المعروفة كالساحات والقصور وما إلى ذلك. ولا بدّ من التنويه أنّ مفهوم الاحتفال عند الغرب ظل فعلاً قدسياً في السابق، لأنه غالباً ما اقترن بالأعياد الدينية والكنائس، ويعتمد الاحتفال أيضا على الفرجة وهي تنفيس عن الهموم وتفريغ المكبوتات، تبعاً لانفعال المتلقي مع صانع الفرجة، وتأثير صانع الفرجة في المتلقي مما يجعله في حالة انغماس، على نحو يجعل من المتلقي صانعاً للفرجة. اختلافات ومسميات تختلف تسمية شايب عاشوراء من منطقة إلى أخرى، وهي تسمى كذلك في الجنوبالجزائري وتحديدا في بسكرة وورقلة ووادي سوف ووادي ريغ وجنوب الأوراس، وحتى في جنوبتونس وتحديداً بمنطقة توزر، فهي تسمى شايب عاشوراء. أما في المغرب الأقصى فحمل عدّة أسماء مثلا «تامعشورت» و«بابا عاشور»، وفي إفريقيا، يُطلق على شايب عاشوراء تسمية «تامخاريت» مثلما هو الحال في دولة السينغال. وتختلف الآراء حول بدايات الاحتفال بظاهرة شايب عاشوراء، فمن المؤرخين من ربطها بتاريخ التواجد الشيعي في بلاد المغرب العربي إبان القرن الحادي عشر ميلادي، لأنها مرتبطة أساسا بيوم عاشوراء، واعتياد الشيعة على الاحتفال بها. لكن احتفالات المغرب العربي بطقوس عاشوراء تختلف عما هو حاصل في المشرق وبشكل خاص العراق وإيران، فهناك يغلب طابع الحزن والحداد والبكاء، أما في المغرب العربي، فتكتسي الاحتفالات طابع الفرح والبهجة والرقص والتعابير الجسمانية. وهنا نذهب للطرح الثاني في تاريخ الاحتفال بعاشوراء، كما يعتقد أصلاء الأوراس وسكان المغرب الاقصى الذين يرجعون بدايات الاحتفال بعاشوراء الى عصور ما قبل التاريخ، ويشرح باحثون أنّ طقس شايب عاشوراء يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد ويستمد أصوله من قصة الملك الأمازيغي شيشنق الأول وانتصاره على الفرعون بسونس الثاني واعتلائه عرش مصر. حضور قوي يبرز شايب عاشوراء عبر شخصية «مرياما» التي تمثّل العطاء والأرض المقدسة، وتواجه مرياما الأسد والملك والحارس والمدبر والجنود، وهي شخصيات تعكس تمسك الجزائريين بأرضهم واستبسالهم في الدفاع عنها. لكن هذه الشخصيات تختلف من منطقة الى اخرى لكن في مجملها تصب في معنى واحد، وهو صراع الخير والشر، وتتوزع الشخصيات على الشيخ الهرم صاحب اللحية البيضاء، والرجل الذي يؤدي رقصات وحركات إيمائية، وفيما تعتمد بعض المناطق على شخصية الأسد الذي يمثل القوة والجبروت، تستخدم أخرى شخصية قط الليف كما هو الحال في منطقة بسكرة. ويتمسك سكان الجنوب والشرق بإحياء هذا الطقس الاحتفالي الفريد كل سنة، وتتميز استعراضات شايب عاشوراء التي تقام عادةً عقب صلاة العشاء بمشاهد بهيجة تمتزج فيها الرقصات بالحضور القوي للموسيقى التقليدية، وتتخلل عروض شايب عاشوراء، ضربات البندير والأهازيج الشعبية. ويطوف الممثلون كل أحياء المدينة بطبول وايقاعات وحركات وتعابير فنية، لتبدأ الاحتفالات ليلاً وتستمر إلى وقت متأخر، ويعتمد شايب عاشوراء على ابراز الصراع الأبدي بين الخير والشر، على أن يتغلب الخير في النهاية. ووسط توظيف مكثف للأقنعة والثياب التنكرية وأخرى أمازيغية أصيلة، يؤكد الممثلون تمسكهم بالعادات المتوارثة، وتتقدم هؤلاء «مرياما» البارعة الجمال التي تتعرض الأخيرة لمحاولة اختطاف، فتنشب معركة ساخنة سرعان ما تكلّل بردّ الاعتبار واسترجاع الكرامة. تقليد شايب عاشوراء مناسبة للفرح وتعميق عادات الأجداد، ويستمرّ هذا العرض التنكّري عشرة أيام ويشمل مختلف الأحياء والميادين، ويحظى شايب عاشوراء بتفاعل واسع، مما يجعل البيوت تتحول إلى مسارح مفتوحة، ويتميز استعراض شايب عاشوراء بمشاهد ركحية متنوعة تحمل مقومات أب الفنون في شكل احتفالي تمتزج فيه الرقصات بالموسيقى التقليدية، وتستمر الاحتفاليات في شكل مبارزات بالسيوف ومطاردات وسط زغاريد النسوة، وتنتهي بحفلات توزّع فيها الهدايا والتبرعات على الفقراء والمساكين. لكن الصراع في شايب عاشوراء سطحي ليست فيه حبكة ويفتقر إلى أدوات الفعل الدرامي وبناء الشخصيات، ولا يوجد تسلسل للأحداث، ما يبقيه مجرد فرجة مقصورة على الايماءات والتعابير الجسدية والرقص والاستعراض. أردنا من خلال هذا المقال، إنضاج النقاش حول احتفالية شايب عاشوراء التي تبقى قريبة إلى حد ما من المسرح، ما يستوجب علينا البحث أكثر في هذا الشكل الفني التراثي وتطويره ليُصبح ممارسةً مسرحيةً قريبة منا ومن أفكارنا ونابعة من أصولنا، وليس معقولاً أن نترك الغرب يطور هذا الرصيد لنستورده لاحقاً! انتهاءً، لا بدّ من انفتاح أكبر على التراث لبلورة مسرح جديد في الجزائر، تبعا لاختزان ذاكرتنا الشعبية الكثير من الفنون المسرحية والإيحاءات الفنية غير الموظّفة.