الخبير الدولي مصطفى بن شنان: تدخلات الحلف الأطلسي عمقت مآسي العالم العربي والإسلامي لا أعتقد أننا في حاجة إلى خبراء في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ليرسموا لنا التغيرات التي أفرزتها ما سمي بثورات الربيع في العالم العربي الذي استمرت دماء أبنائه تنزف في أكثر من منطقة عربية وسرى مزيد من التفكك في أوصاله بانضمام دول أخرى إلى قائمة الدول الفاشلة كسوريا والعراق وليبيا واليمن لغياب سلطة مركزية ناجعة قادرة على بسط نفوذها على كامل الأراضي الوطنية . وهو التفكك الذي استغله تنظيم داعش ليملأ الفراغ ويبسط نفوذه بمعية أطياف كثيرة من التشكيلات الإسلاماوية المتطرفة على مناطق واسعة بالعراق وسوريا وليبيا وتتحول في ظرف وجيز إلى أكبر تهديد إرهابي في التاريخ الحديث للمنطقة قبل أن يتراجع انتشارها هي الأخرى بفعل تحالف حوالي 93 دولة ضدها و تجفيف منابع تمويلها و تسليحها خشية أن ينقلب السحر على الساحر. كما اشتد خلال هذه الثورات الصراع السني الشيعي على امتداد المشرق العربي ووصل إلى اليمن حيث قرر الحوثيون بناء اليمن الجديد على طريقتهم غير أن التحالف العربي كان لهم بالمرصاد ليشقى اليمن و سكانه بمآسي أكثر الحروب عبثية في منطقة الشرق الأوسط . و لعل لبروز داعش و مشتقاته في المنطقة العربية , دور في تراجع تيار الإسلام السياسي الموصوف أحيانا بالمعتدل, متمثلا بشكل أساسي بجماعة الإخوان في مصر ثم تونس وسوريا وليبيا , قبل تصنيفها على أنها إرهابية في كل من الإمارات والسعودية بالإضافة إلى مصر.و خفوت صوت الجماعة في بقية الدول العربية كالأردن و فلسطين و الجزائر و المغرب و لبنان , العاجز عن التوافق حول تشكيل حكومة ,و عن تسوية مشكلة النازحين السوريين المقيمين على أراضيه ,و تجاوز إشكالية سلاح المقاومة . وحاول الفلسطينيون التفاوض والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة بينما تتواصل انقساماتهم الداخلية رغم الدعم المعنوي الذي حظيت به قضيتهم من خلال اعتراف البرلمانات الأوروبية بدولتهم . في حين واصل الكيان الصهيوني المدعوم بشكل غير مسبوق من طرف إدارة ترامب , انتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني و ارتكابه أبشع المجازر ضد أبنائه المشاركين في مسيرة العودة التي راح ضحيتها أكثر من 140 شهيدا و 4000 جريح إلى حد الآن ... وتمكنت السعودية والإمارات من تعزيز دورهما في المنطقة ,في حين تراجع الدور القطري بعد القطيعة بينها وبين السعودية ومن معها .و بقيت الدول العربية الأخرى تسيِّر الأحداث الجارية محاولة عدم لفت الأنظار إليها كالسودان و مشاكلها مع الجنوب و البحرين و صراعاتها مع المعارضة الشيعية و الكويت مع قضية البدون ...كما أن قضية الصحراء الغربية ما زالت تراوح مكانها بأروقة منظمة الأممالمتحدة في انتظار فرج لم تظهر معالمه بعد ليتواصل احتلال شعب منذ 40 عاما . كما شكلت أزمة اللاجئين و المهاجرين الفارين من أتون الحروب الأهلية منذ 2013 مشكلة لهيئات الإغاثة الدولية و عبئا على كاهل الدول المستقبلة في المنطقة العربية وما تخلل ذلك من تهديد للاستقرار الاجتماعي لهذه الدول. وساهمت هذه الأحداث في مصر على استعادة الرئيس المنتخب لعهدة ثانية زمام الأمور بها و محاولة استرجاع دورها الريادي في المنطقة العربية غير أن استفحال الإرهاب بشمال سيناء يعطل بلوغ هذا الهدف . بينما استطاعت تونس التي انطلقت منها شرارة ما سمي بالربيع العربي , في ربح المعارك الأولى للمخاض الديمقراطي , بتنظيم انتخابات برلمانية و رئاسية و بلدية ضمن مسار انتخابي لقي ترحيبا واسعا من طرف العديد من الدول و المنظمات الدولية على غرار الجزائر ومصر والولايات المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي , غير أن الوضع الاقتصادي غير المريح ,و شبح التهديدات الإرهابية, و استمرار الحراك الاجتماعي المطلبي ,عمق الأزمة السياسية بين القوى المتنافسة على حكم البلاد . إن تفاعل كل هذه الأوضاع الداخلية والبينية في العالم العربي, وتظافرها مع عوامل خارجية وفي مقدمتها, تدخل الغرب والحلف الأطلسي في شؤون العالمين العربي و الإسلامي, ساعد على استقطاب كل "الإسلاماويين" من أصقاع العالم وتجميعهم في المنطقة العربية لضرب و تقويض الأنظمة "المارقة" كما تسميها الإدارة الإمريكية و إضعاف الجماعات الإسلامية المتشددة قبل القضاء عليها , و هو ما تم , ولكن تحت شعارات دعائية براقة كما يشير الخبير الدولي في العلوم السياسية الأستاذ بن شنان مصطفى في بعض محاضراته حول الموضوع , ,معتبرا تدخل الغرب و الحلف الأطلسي في شؤون العالمين العربي و الإسلامي عاملا معمقا لما يعرفه العالمين من مآسي و اضطرابات . وأوضح, أن جميع تدخلات الغرب و الحلف الأطلسي ,في الدول العربية و الإسلامية , تمت خارج أطر القانون الدولي و ميثاق الأممالمتحدة , متعللين بالدوافع الإنسانية و حماية المدنيين من حكام "دمويين" و لأغراض غير معلنة , بعد تهيئة الرأي العام لتأييد مثل هذه التدخلات باستعمال وسائل الإعلام المختلفة و الدعاية المكثفة الموقظة للعواطف الإنسانية . الباحث المتخصص في العلوم السياسية والخبير الدولي في شؤون الدفاع ومحاضر في العديد من المدارس المتخصصة في أوربا ومستشار لدى بعض الهيئات استعرض في إحدى محاضرته حول هذا الموضوع الذي يشغل الرأي العام الدولي بآثاره السلبية ومآسيه التي طالت على وجه الخصوص العالمين الإسلامي والعربي,استعرض مختلف المحطات التي تدخل فيها الغرب والولايات المتحدة الإمريكية خاصة, في شؤون المنطقة العربية الإسلامية بموافقة أو بدون موافقة المجتمع الدولي ,كافغانستان و العراق مرتين و ليبيا . فبعد عودته إلى تاريخ نشأة فكرة التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب لأسباب إنسانية التي تعود إلى القرن ال 17 واستعراضه محاولات استغلالها في الوقت الراهن لأغراض غير معلنة ، أوضح الخبير أن التدخل قد أصبح قاعدة لدى دول الحلف الأطلسي.