لم تنته الحرب    تحسبا لكأس أفريقيا 2025.. 3 منتخبات إفريقية ترغب في إقامة معسكرها الإعدادي بالجزائر    عمورة ثالث هدافي العالم في تصفيات مونديال 2026    حذر من الضغوط..آيت نوري يرسم طريق الجزائر في كأس أفريقيا    حوارية مع سقراط    مدينة لايبزيغ الألمانية تحتضن تظاهرة ثقافية    استقلال فلسطين حق تاريخي ثابت يدعمه البرلمان العربي حتى يتحقق على أرض الواقع    البرلمان العربي يدعو لترسيخ قيم التسامح وتفعيل التشريعات التي تجرم التطرف وخطاب الكراهية    الجزائر أثبتت أنها شريك موثوق في بناء مستقبل إفريقي موحّد :    وزير المحروقات يستقبل رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية    عرقاب .. توقيع عقد لإنجاز وحدة المعالجة التحفيزية للنافتا الثقيلة    هو تجسيد فعلي لالتزامات رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية    اختبار قوي للخضر قبل كأس إفريقيا    العائلات تعود إلى منازلها    بوزقزة يثمّن قرار الرئيس    40 حافلة جديدة لعنابة في جانفي المقبل    تحدّيات المعطيات ذات الطابع الشخصي في عصر التحوّل الرقمي    قالت إنها تستجيب لتطلعات شريحة واسعة من المواطنين..منظمات نقابية تثمن قرار رفع الحد الأدنى للأجور ومنحة البطالة    هندسة الميكانيكا وطاقة المواد محور ملتقى بجامعة بسكرة    متربصو الدرك الوطني في زيارة للمجلس الشعبي الوطني    ممثلو الفصائل الفلسطينية في ضيافة جبهة المستقبل..إشادة بالدور التاريخي والثابت للجزائر في دعم القضية الفلسطينية    أمين غويري مرتاح لسير علاج إصابته    بلايلي موجود في قطر لإجراء عملية جراحية    دورات تأهيلية ل 734 حرفي بغليزان    من طعام البسطاء الى رمزية التقاليد الجزائرية    مصادرة قنطارين من اللحوم البيضاء الفاسدة    سعادتي كبيرة بالعودة إلى الملاعب    نفكّر في توأمة بين أذرار الموريتانية وأدرار الجزائرية وجعلهما منطقة إنتاج سينمائي    المهرجانات الإفريقية في بحث دائم عن رؤية دولية    اقتراب من الذاكرة والهوية والانخراط الاجتماعي    الجزائر ملتزمة بالمضي بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أوسع    مؤسّسات ناشئة تبرز ابتكاراتها وحلولها    بوغرارة: الجزائر لم تتأخر يوماً عن دعم فلسطين    سايحي يستقبل سفير قطر بالجزائر    الرئيس يأمر بالتحقيق    4756 وقفا في الجزائر    وفد برلماني جزائري يشارك في الدورة ال47 للاتحاد البرلماني الإفريقي بكينشاسا    الوزارة بصدد تعديل القانون المحدد لقواعد منح السكن    خنشلة : توقيف شقيقين وحجز 5200 وحدة كحول    توقيف شخص تورط في قضية سرقة    ارتفاع نسبة اكتشاف حالات السرطان    ها هي الحرب الباردة تندلع على جبهة الذكاء الاصطناعي    عميد جامع الجزائر من بسكرة:رقمنة العربية مدخلٌ لصون الهوية وإرساخ السيادة الثقافيّة    اللغةُ العربية… إنقاذٌ أمِ انغلاق    آية الكرسي .. أعظم آيات القرآن وأكثرها فضلا    فتاوى : أعمال يسيرة لدخول الجنة أو دخول النار    أبو موسى الأشعري .. صوت من الجنة في رحاب المدينة    شهر للعربية في الجزائر    الخضر يستعدون..    ممتنون للجزائر دعمها القوي والحاسم.. ومهتمون بتجربتها التنموية    ورقلة.. يوم دراسي لتعزيز ثقافة الاتصال داخل المرافق الصحية العمومية    مشاركة جزائرية في الأبطال الخمسون    وزير الصحة يبرز جهود القطاع    دعوة إلى تعزيز حملات التوعية والكشف المبكر    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش على مقال د.إبراهيم بن ميمون
تياترو ياسين/ عن النقد وأشياء أخرى
نشر في الجمهورية يوم 25 - 06 - 2019


د .إبراهيم..
قد لا يعرف قارئ الجمهورية أنني كنت طالبا لسنوات عدة في قسم الفنون الذي كنتَ رئيسه، وما أكثر ما جمعتنا مناقشات في المحاضرات وربما ما يوازيها في مسرح علولة وفي كافتريا الجامعة ومرة وحيدة أظنّها بالقرب من لاباستي. هل تذكر الأخيرة؟، ما أجمل أن تَذْكُرَ الناسَ إذ تَذْكُرَهم فلا تكون صورتهم إلاّ متعلقة بالمسرح والفن، ثمّ ما أجمل أن يكون اللقاء الجديد هنا حيث نتصافح في هذه الروضة النديّة من فضاء المسرح ، وكم يسعد القلب بالكتابة الحميمة إليك كتابةً لا هي بالردود ولا التعقيب بقدر ما تحاول أن تكون تنويعة على الموسيقى نفسها التي عزفتها إذ كتبتَ الأسبوع الماضي «المسرح والنقد الصحفي» والذي لمحاسن المصادفات كان مجاورا لتياترو ياسين». هذه التنويعة ستخص بعضا من إشاراتك البهية عن النقد الصحافي كما سميته وعن الانطباع وعن الصحف والمجلات وعن النقاد.
ابتداءً علينا أن نفرّق بوضوح دكتور إبراهيم بين النقد الصحافي والنقد المسرحي في الصحافة. الأول يكتبه إعلاميون، عملهم الأساسي هو الصحافة وخبزهم اليومي يأتي منها، وهذا يكاد ينعدم في الجزائر، فإذا لم ينعدم فإنّ شكوكا كثيرة في جدواه، وهنا أتفق مع الكبير عبد الملك مرتاض الذي قال قبل فترة في حوار مطوّل لصحيفة النصر العزيزة (عدد الثلاثاء 17 أفريل 2018) «لا أعترف بالنقد الصحفيّ، في الجزائر خِصِّيصَا (...) وذلك لأنّ غير المتخصّص في معرفة شيء لا يمكن أن يكتب عنه. وذلك لأنّ النصّ الأدبيّ (وأي عمل فني بالضرورة وما بين قوسين مني لا من مرتاض) هو غير النصّ الإعلامي، لأنّه يقوم على انزياح اللّغة، وعلى انتهاك نظامها، وعلى الاغتراف من الاستعارات والكنايات والمجازات، والإعلاميّون يدرُسون شيئاً آخرَ غير هذه القيم الفنّيّة في تكوينهم الجامعيّ. وإذا رأيت بعض الصّحفيّين يخوض في بعض الأمر، بشيء من الكفاءة المعرفيّة، فإنّ ذلك كان لأنّه كوّن نفسه بنفسه، ولكنْ ليس كلّ الإعلاميّين ذاك»، أمّا النقد المسرحي المنشور في الصحافة فهذا لون من ألوان النقد يحتكم أساسا للمعرفة الجيدة بالمسرح وشروطه النقدية وأصحابه من أكاديميين وباحثين انفتحوا على التجربة الإعلامية. والاختلاف واضح بين الشكلين والنوعين وما تكتبه أنت دكتور إبراهيم وطائفة من الفاعلين المسرحيين يأتي في النوع الثاني بما لا يدعو مجالا للشك.
فإذا ما اتفقنا على هذا الابتداء فإننا يمكن أن نتفق أيضا على أنّ النقد المسرحي نقد وكفى في الصحف والمجلات أو في الكتب والملتقيات. تختلف مستويات الصرامة المنهجية والمصطلحية بين كتاب متخصص موجه للباحثين في المسرح لهم درايتهم الواسعة بالصنعة المسرحية (مثل مجلة فضاءات المسرح الصادرة عن مخبر أرشفة المسرح الجزائري بقسم الفنون بجامعة وهران، أو مجلة الحياة المسرحية في سورية أو مجلة jeu أو مجلة Théâtre الفرنسيتين العريقتين) وبين قارئ (ملول ومتعجل ربما) يقتني الصحيفة اليومية للكثير من الأسباب ليس أولها قراءة صفحات الثقافة وأنت تعرف أننا عندما نكتب في صحيفة فإنّنا نحاول أن نحافظ على قيمة الفكرة وجودة العبارة دون أن ننسى أن نتخفف قليلا من الضوابط الصارمة التي تحكم الكتابة البحثية كالاقتباسات والهوامش وما من شأنه أن يضبط الفكرة ويعطيها وجاهتها العلمية فنبسّط العبارة ونسهّل المعنى درءا لأي عقبة أو التباس عند قارئ لا نعرف تحديدا مستواه الفكري ولا خلفيته المعرفية ولا ذائقته على عكس قارئ الكتب المتخصصة فلمّا خصّصت الجمهورية فضاء رحبا للمسرح –كما قلت أنت صائبا غير خاطئ في مقالك-وجدتُ الفرصة سانحة لأن يتحقق جزء كبير من الأمل الذي كان يحدو أغلبنا: «أن ينفتح الأكاديميون على الصحافة». وهذا يحسب للصحيفة بينما لا نجد من فعل هذا من غيرها بهذه الكيفية الرصينة المتوالية والممنهجة.
وهذا ما يجعلني أصل إلى نقطة موالية استخدمتَها وأراني أقف عندها وقفة لازمة: «الانطباع». ما الذي يعنيه أحدنا عندما يقول أنه يكتب «نقدا انطباعيا»؟ هل يمكن أن تجتمع اللفظتان معا دون ارتباك منهجي أو خلل مفاهيمي؟ أؤكد من جهتي أنّ الانطباع مضر بالنقد ولا يقاربه ولا يمكن أن يساويه. صحيح أنك قلتَ بأنك تكتب انطباعات في مقالاتك الجميلة في الجمهورية، ولكني لم أفهم هذا إلا من قبيل التواضع لا الحقيقة. ولا ريب أيها الصديق الكبير أن الفرق بين النقد والانطباع بيّن جليّ. فالانطباع رأي لا تبرير له كالقول بأنّي أحب اللون الأزرق في القمصان على اختلاف تموجاته لكني لا أعطي أسبابا لذلك وغالبا ما يكون الرد عن السبب بهز الكتف وكلمة واحدة: «هكذا» يشترك فيها الصغار والكبار. أما النقد فهو رأي وحكم متبوع بتبرير عقلي وتطبيقي والتبرير وحده ما يفرّق بين الهاوي والناقد المتحكم بأدواته المعرفية. فأنا عندما أقول بأن ذلك الممثل جيد أو تلك المسرحية ضعيفة لا يمكن والحال أنني أكتب مقالا أتوجه به لقارئ يحترم عقله أن أقول أنها ضعيفة وكفى.
حدث قبل فترة أن كتبتُ مقالا عن عرض مسرحيّ شاهدته لمرتين من إنتاج أحد المسارح الجهوية في شرق البلاد، ثم وجدتُ هاتفي يرنّ ووجدتُ مدير الثقافة في تلك الولاية يقول بأن المقال لم يعجبه أبدا فلما سألته عن السبب قال كما يقول الصغار «هكذا». في المكالمة نفسها لمته لوما شديدا باعتباره مثقفا (نوعيا على ما يزعم الزاعمون) لأنه لم تكن له القدرة على أن يقول سبب ثورته على ما كتبتُ (والحقيقة أنّ المقال المذكور فيه تشريح لضعف شديد في المسرحية التي كان هو مشرفا على إنتاجها في غياب مدير المسرح ففهم أنّ النقد يسيء له وهذا فهم يَعتوره الخطأ والوهن بشدة) ،وفي المقابل أيضا لا أستحي من إبداء التعجب من الذين يمتدحون مقالاتي في «الجمهورية» دون أن يعلنوا سببا واضحا للمدح. التبرير وإبداء الأسباب وراء الأحكام التي يطلقها الناقد أهم ما يجعل النقد نقدا أما غيره فلا قيمة له.
عندما أقرأُ لوفيغارو أو لوباريزيان أو عندما أقرأ القدس العربي أو الأخبار اللبنانية أو المصري اليوم (وأنا أطالعها صباحا بشكل يومي) وأجد مقالات محكمة الصنعة، غزيرة المعنى جيدة المبنى كنت أخالُ في البداية أن الصحيفتين الفرنسيتين تستكتب أساتذة المسرح من الأكاديميين للكتابة عن العروض، ولكني اكتشفتُ بعد تقصٍّ معقول بأنّ أغلب من يكتب تلك المواد (اليومية وليس الأسبوعية أو الدورية كالتي عندنا) هم صحافيون متخرجون من أقسام الصحافة التي تكوَّنَ طلبتُها ضمن ما تكوّنوا فيه: النقد الفني مسرحا وسينما وتشكيلا وموسيقى وغيرها. ولا شكّ أن البون شاسع بين كوكب النقد عندهم وكوكب النقد عندنا، ما يُنشر في الأخبار اللبنانية صنو الجريدتين الفرنسيتين، صحافيون فنيون تعلموا جيدا النقد الفني. أما ما يُنشر في القدس العربي والمصري اليوم فصنو ما تفعله «الجمهورية» عندنا: متخصصون يكتبون في المسرح وهو ما يجعل من تجربة الجمهورية محطة في غاية الأهمية ويجب علينا نحن الذين نزعم بأننا محبون لهذا الفن الجميل أن نحافظ على وجود هذا الفضاء قراءً وكتّابا وأن ندعم بقاءه تماما كما قلتَ «لعضد الحركة المسرحية بالأفكار التي تحتاجها لضبط توجهاتها وسيرها نحو مبتغاها الجمالي المنشود الذي يحتكم إلى الفكر ويتأسس تجريبا وإبداعا على مرتكزات معرفية»
كان طه حسين مرة يناقش بحماسة مسألة من مسائل النقد في بيروت التي ذهب خصيصا لها من أجل ندوة في هذا الباب. لكنه بعد سنوات في حديث لصديق صحافي اعترف بأنّه لم يكن يهتم في الحقيقة بمناقشة الموضوع ولكن الذهاب إلى لبنان كان السبب الأساسي. هل أعترف لك دكتور إبراهيم كما اعترف الدكتور طه بأنّ الدردشة إليك أنت بالذات هي التي شجعتني على كتابة هذا وليس موضوع المقال في حد ذاته؟ أخشى أن يقول قارئ متعجّل قولا غير حميد لكن هذا رأيي و«كفى». محبتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.