عرض المخرج جعفر أول أمس فيلمه الروائي "هليوبوليس" أمام الصحافة بقاعة ابن زيدون بالجزائر العاصمة والذي يتناول حيثيات مجازر 8 ماي 1945 الدامية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري، وهي المرة الأولى التي تعالج فيها هذه المرحلة دراميا. واعتمد المخرج في فيلم "هليوبوليس" الذي أنتج بمساهمة المركز الجزائري لتطوير السينما ،وبدعم من وزارة الثقافة ، مُقاربة جديدة في تناول الموضوع بطريقة إنسانية، تعطي نظرة مغايرة لبعض الأمور، حيث تدور الأحداث حول عائلة " زناتي" أحد أعيان وأغنياء المنطقة، و يفتتح الفيلم بمشهد رهيب يعكس دهشة و رعب شيخ وطفل في الريف من خطر قادم من السماء لتقترب طائرات حربية تشرع في القصف...تتوقف الكاميرا لتعود فجأة إلى حوالي 5 سنوات مضت ، مرحلة الحرب العالمية الثانية مع بداية الأربعينات من القرن الماضي..وهذه هي المرحلة الأطول في الفيلم ، لأنها تذكر بالحيثيات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث المؤلمة، وقد ركز المخرج على التغيرات التي طرأت على حياة مقداد زناتي (عزيز بوكروني) الأب بعد عودة ابنه محفوظ من الجزائر العاصمة بشهادة البكالوريا التي تؤهله لأحسن الجامعات..لكن أمنية الأب و الابن لن تتحقق لأن المدارس العليا لا تقبل ب "الاندجانة "، كما سمى المستعمر الجزائريين آنذاك، و يصور الفيلم كيف أن الابن انضم إلى صفوف حزب الشعب الجزائري...وتتطور الأحداث ويكشف المستعمر عن وجهه الحقيقي من خلال تصرفات وحشية واحتقار للسكان الذين يجندوا أبناءهم عنوة للمشاركة في الحرب ضد ألمانيا و حلفائها، و بعد انتهاء الحرب يحتفل المعمرون ب«الانتصار" و يرفضون الوفاء بوعودهم بخصوص مصير الجزائر، ويزيد هذا الموقف من عزم الجزائريين في انتزاع استقلالهم و يخرجون للتظاهر سلميا، لكن سلطات الاحتلال تقابلهم بعنف دموي أسفر عن مقتل أكثر من 45 ألف جزائري. ترشيح الفيلم ضمن مسابقة الأوسكار .. يحاول المخرج إضافة إلى الصور البشعة للجرائم ضد السكان العزل و حرق الجثث في الأفران التي تظهر لأول مرة في السينما ، تحليل تطور موقف " مقداد " من تلك الأحداث، خاصة بعدما فشل في إنقاذ ابنه من الموت ، وينتهي الفيلم باقتناع مقداد لأن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالمثل ، لينتهي الفيلم بنهاية مفتوحة و إشارة رمزية لقرب حرب التحرير. وهكذا فقد نجح المخرج جعفر قاسم في رفع التحدي وتقديم عمل محترم ومتكامل من الناحية التقنية وأداء الممثلين، حيث أن أداء الممثل عزيز بوكروني كان مقنعا رغم صعوبة الدور ، أما الممثلة سهيلة معلم فقد تألقت في شخصية "نجمة"، حيث ظهرت بوجه غير مألوف في دور فتاة قوية الشخصية رغم إعاقة جعلتها تتنقل بصعوبة ، و كان لها دور حاسم في تغيير موقف أبيها و قبول حماية القروين الهاربين من بطش المستعمر. وقد سمح اللقاء الصحفي بمعرفة ظروف تصوير الفيلم الذي تم بعدة مناطق بغرب البلاد مثل سيدي بلعباس وتلمسان بينما صورت أغلب الأحداث ببلدية المالح بعين تيموشنت، وأرجع جعفر قاسم ذلك لعدم وجود مناظر تشبه ما كانت عليه " هليوبوليس" في تلك الفترة ، و بخصوص ترشيح الفيلم ضمن مسابقة الأوسكار كأحسن فيلم روائي أجنبي، والتي تنظمها الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم الصور المتحركة ، فقد أكد جعفر قاسم أن الأمر مربوط بوجود موزع كبير لأن الأفلام التي رشحت كانت كما قال إنتاجا مشتركا مع منتجين كبار ومعروفين.