تعد ولاية الأغواط من الولايات الأكثر كرها للاستعمار الفرنسي وقد ظلت إلى حد الآن مقبرة المقاومة أكبر شاهد على جرائم الاستعمار، ولتذكر تلك الجرائم وتوريث كراهية وبغض الاستعمار الفرنسي للأجيال، حيث تتنقل العائلات لزيارة المقبرة الواقعة على سفح الجبل المشرف على مدينة الأغواط من الجهة الشمالية على محور الطريق المؤدي إلى بلدية العسافية، وتعود هذه المقبرة لسنة 1852 عند دخول الاحتلال الفرنسي المدينة ليقوم بإعدام ثلثي السكان حرقا بالنار، فلما أعلنت الثورة سنة 1954 كان سكان الأغواط في أتم الاستعداد للمشاركة في الثورة ودعمها بالنفس والنفيس، ولاستطلاع هذه المجريات تقربنا من عضو الجمعية الوطنية لكبار معطوبي حرب التحريرالسيد الحاج علي سوفاري، والمجاهد الحاج قدور ريان، ورئيس جمعية أول نوفمبر لحماية وتخليد ثورة التحرير الوطني بولاية الأغواط الحاج بلقاسم خميلة. في مستهل حديثنا عن ثورة التحرير وأجواء استقبالها في ولاية الأغواط أشار الحاج علي سوفاري إلى أن الثورة في ولاية الأغواط كان قد هيء لها منذ سنة 1953 حيث كانت التشكيلات السياسية المتمثلة في الأحزاب الناشطة في ذلك على غرار (ليدما) و(البيبيا) وجمعية العلماء المسلمين، خلالها قاد محمد بن سالم تشكيلة سياسية من شأنها الترويج للمرحلة القادمة في محاربة الاستعمار وكانت البداية بجمع الأسلحة والذخيرة في مخبأ لدي المدعو بن عمر الذي اكتشف أمره في أواخر 1953. ******خلية سرية لتوحيد الصفوف بمجرد وصول بيان نوفمبر على الرغم من أن الأغواط كانت خاضعة كليا للحكم العسكري الفرنسي ومنطقة عسكرية بامتياز، إلا أنها ظلت إلى سنة 1956 تركز في نشاطها على العمل السياسي والدعائي بالترويج للثورة، ما ضاعف من حقد الشعب على الاحتلال، فبمجرد وصول بيان أول نوفمبر تم مع بداية 1955 تشكيل خلية سرية تنشط تحت لواء جبهة التحرير الوطني التي عكفت على توحيد الصفوف، حينها كان علي السوفاري شابا في 18 من عمره، حين سافر إلى مدينة العين الصفراء لمواصلة تكوينه في مجال الكهرباء ما أهله لصنع القنابل التقليدية وكانت أول مشاركة له في عملية بالحدود المغربية، وفي 1956 عاد إلى الأغواط حينها وجد أن جيش التحرير يجند الشباب لصفوفه وجيش "بلونيس" يجند لصفوفه أيضا هذان الجيشان اللذان تناحرا سنة 1956 ومن ثمة تم تشكيل اللجان الثورية بالجنوب تتشكل كل منها من شقين شق سياسي وآخر مسلح فكانت معركة سطافة في 17 أكتوبر 1956 ليقوم بعدها الفوج الذي تمكن من إسقاط طائرة للعدو الفرنسي وكبده خسائر معتبرة في الأرواح والعتاد، إلى منطقة القعدة ذلك الحصن الطبيعي المنيع لينضموا إلى كتائب العقيد لطفي الذي مكن لهم بالمنطقة، ومنها إلى معركة "شوابير" التي نفذها الجيش العائد من الحدود المغربية. شهدت الثورة اختلافات كبيرة بين القادة السياسيين نجم عنها تناحر بين التشكيلات السياسية وكلها كانت عن "الزعامة" إلى أن قناعة الجميع ووطنيتهم حول الاستقلال وحرية الوطن ذللت تلك الاختلافات والاختلالات. ***بواسل ينتقلون إلى الولايات لتوزيع المنشورات وقال الحاج قدور ريان أنه في ليلة أول نوفمبر كان قد وصل إلى العين الصفراء رفقة خليل عبد القادر ورزوق البشير ليزاولوا تكوينهم في مجال الكهرباء وتركوا الأغواط في جوها العادي حقد وكره للاستعمار الكل يحلم بالحرية و الاستقلال لم يكن هناك معمرين إلا من بعض اليهود الذين طاب لهم المقام في الأغواط ليشتغلوا في التجارة والصناعة والفلاحة وبعد عودته مع نهاية 1955 كان قد بلغ 18 سنة من عمره فانشغل بالدعاية والترويج للثورة بالكتابة على الجدران وتوزيع المطويات و المنشورات ، وانتقل رفقة رزوق البشير لمواصلة تكوينهم بالمدية واتصل بهم محمود بن عمر الذي دعاهم للمشاركة في إضراب الطلبة سنة 1956 وبعد الرجوع إلى الأغواط وسعوا نشاطهم في توزيع المناشير لبلوغ منطقة غرداية وفيها نزلوا عند القاضي عبد الرحمن التاوتي وأقاموا عنده 05 أيام تمكنوا فيها من توزيع أكبر عدد من المناشير، وكان يعمل بشكل وهمي عند عمر بن موسى، وشارك في إضراب السبعة أيام سنة 1957 واقترح عليه بن موسى الذهاب إلى المغرب للعمل في مجال الاتصالات وكان الأمر كذلك فنزل بمطار الرباط وكان في انتظاره مداني قورين والدورو عبد الله لقضي عندهم ليلة كاملة وفيها اتصل بهم الرائد علال الثليجي المدعو عمار وضمه إلى فريق المخابرات الجزائرية وساعده في الحصول على عمل بإذاعة الرباط في ماي 1957 تلقى تدريبا لمدة نصف شهر ليصبح تقني بالإذاعة التي عمل بها نصف سنة ومن ثمة انتقل إلى القصر الملكي ليقوم بنفس العمل في المصلحة المختصة بالإعلام والاتصال و الصحافة إلى أواخر سنة 1958 ... إلى أن اقترح عليه رئيس الخلية بوتارين عبد القادر العمل في إذاعة الجزائر المستحدثة فوجد حينها الصغير إحدادن وعلى عسول والتجاني الهاشمي والضابط محمد السوفي وكان على اتصال واسع بوجدة وفي 12 جويلية 1959 كان الافتتاح الرسمي لإذاعة الجزائر التي عين على رأسها محمد السوفي وانضم إليهم بعدها عيسى مسعودي بصوته ومداني حواس بكتاباته ومحمد السوفي مديرا وكان حينها قدور ريان قد اكتسب خبرة واسعة في كل ما يتعلق بالتركيب و الإخراج والإنتاج وكافة الجوانب التقنية، ****مركز إشعاع و روح وطنية عالية كما التحق بهم صحافيون فرنسيون وزار الإذاعة فوج روسي سنة 1960 فاستغرب من إذاعة تعمل بوسائل بسيطة وإمكانيات متواضعة تبلغ صداعا العالم لتزعزع كيان الاستعمار وتهيج عليه الثوار، واقترح عليهم قائد الفوج الروسي تزويدهم بالوسائل والمعدات بشروط لكن وزير الإعلام والاتصال الجزائري حينها محمد اليزيد ونظيره المغربي توصلا إلى اتفاق بانتقال الاذاعة إلى المغرب وانتقل حينها عيسى مسعودي إلى تونس للاشراف على برامج متعددة وفي 05 جويلية 1962 قام بتسجيل مؤتمر الدار البضاء بالمغرب سنة 1960 وكذا الجلسات السرية التي تخللت المؤتمر حيث كان ضمن الوفد الإعلامي الرسمي إلى جانب خالد سافر ومداني حواس ومحمد السوفي وعيسى مسعودي... حصر الحاج بلقاسم خميلة حديثة عن الوقائع التي جرت في منطقة الأغواط مشيرا إلى أنه عند اندلاع ثورة التحرير المظفرة كانت الأغواط منطقة إشعاع علمي وفكري بفضل مجهودات جمعية العلماء المسلمين والكشافة الإسلامية التي نورت العقول بتكثيف اللقاءات بين الشباب والملتقيات التي تستقطب شبابا من مختلف الجهات، مما زاد من وعي المواطنين وشبعهم بالروح الوطنية وزادهم كرها للاستعمار لاسيما حين تذكرهم لمجريات عام "الخلية" الذي أبادت فيه الجيوش الفرنسية المستعمرة كافة الرجال الذين يتوسم فيهم الشجاعة والقدرة على الكفاح حيث قتلت في ليلة واحدة ثلثي الأغواطيين حرقا وتركت الجثث مترامية في كل مكان. *** أول عملية فدائية تفجّر دار الكهرباء قال بلقاسم خميلة أن الثورة وصلت الأغواط سنة 1955 وكانت أول عملية فدائية تمثلت في تفجير دار الكهرباء في 14 جويلية 1957، وأول مجند في جيش التحرير من الأغواط هو عطاء الله مبتوت الذي التحق بالثورة عند اندلاعها بمنطقة الأوراس وإن كان هناك من سبقه في التجنيد سرا لكن مبتوت وقف في وضح النهار بمقهى سعد دني برحبة الزيتون معلنا عداءه للاستعمار وانضمامه لجيش التحرير، كما قاد عبد الرحمن بلهادي بأمر من زيان عاشور المتمركز بجيشه في منطقة جبل بوكحيل، للقضاء على الخونة. أما بلقاسم خميلة فكان عند اندلاع الثورة تلميذا بمدرسة أحمد شطة صاحب القبر المجهول الذي شجع بلقاسم وبعض تلاميذه على الانخراط في صفوف الثورة ومكن لهم من الانضمام لخلية الصيقع لحبيب الذي اتخذ من بلقاسم الذي لم يتجاوز حينها سن 16 سنة، كاتبا خاصا باللغة العربية. شهد الشارع الأغواطي غليانا كبيرا عند اندلاع الثورة وتهافت الشباب للانضمام إليها. وكانت حينها جريدتا "المنار والبصائر" تنقل أخبار الثورة والثوار، كما يرافق قدور دوة ومسعود باباغيو في الكتابة على الجدران منذ 1952 بتوجيه من حزب انتصار الحريات الديمقراطية سلك طريقه إلى الثورة سنة 1957 بتشجيع من الحبيب صيقع ليصبح مسبلا... في القيام بنقل تقارير مؤتمر الصومام رفقة الطاهر محجوب عبر الصحراء إلى حد برج باجي مختار... كما كان يشتري الملابس "للفلاقة" وينقل السلاح أيضا. أشير على الاستعمار الفرنسي بفتح نوادي تستقطب الشباب وشغلهم بمغريات متعددة للتخلي عن التفكير في الثورة إلا أن شباب ذلك العصر قلب السحر على الساحر في تحويل تلك النوادي المراقبة بشدة إلى مكان يلتقي فيه الشباب للتبادل الأخبار والأفكار... كما سهلت تلك النوادي المنتشرة عبر الأحياء على بوجلال النوار وفشكار محمد توزيع المناشير... وعلى آخرين عقد صفقات مع بعض الجنود في شراء الذخيرة وقطع سلاح.