الدخول الجامعي2026/2025: بداري يجتمع بإطارات من الوزارة والديوان الوطني للخدمات الجامعية    العدوان الصهيوني: مسؤولة أوروبية تطالب الاحتلال بإيقاف تجويع غزة    أستراليا تقدم مساعدات إنسانية إضافية لغزة    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/: التجذيف وألعاب القوى يهديان الجزائر 14 ميدالية منها 7 ذهبيات    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/اليوم الاخير: ثلاث اختصاصات رياضية من أجل انتزاع المزيد من الميداليات    الجزائر" المحروسة" تحتفي باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي    ضرورة تفعيل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)    أكثر من 3000 مستوطن صهيوني يقتحمون باحات المسجد    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60839 شهيدا    معرض للصور يوثق نضال النساء الصحراويات بألمانيا    التزام ثابت بتقوية قدراته المالية من أجل خدمة الاقتصاد الوطني    الجزائر وسبع دول أخرى تقرر زيادة في إنتاج النفط    المنتخب الوطني يعود الى أرض الوطن    وفاة 9 أشخاص وإصابة 283 آخرين    أمواج عالية على عدة سواحل    "سوناطراك" تتمدّد بالخارج عبر استثمارات جديدة    حذف المنصّة الإلكترونية "الإشارة للمغرب"انتصار للشرعية الدولية    الإعلام الإسباني يفضح زيف الادعاءات المغربية    الجزائر قوة دبلوماسية وعسكرية تتمتع بالمصداقية    السوق الموازية في مرمى نيران الحكومة    الدخول المدرسي يوم 10 سبتمبر المقبل    استحداث منصب مندوب "حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي"    محليو "الخضر" بنية التتويج القاري    مشاركة مشرفة للجزائر وإشادة بالمستوى الفني والتنظيمي    شاركنا رغم ظروف الحرب لدعم الجزائر في هذه الألعاب    الانضمام إلى نظام "بابس" خطوة هامة للسيادة التكنولوجية    25 مجمعا مدرسيا و14 مطعما جديدا    تسليم مشاريع التربية في الآجال المحددة    لأول مرة دوريات مراقبة جوية لرصد حرائق الغابات    جهود لمحاصرة عدوى التهاب الجلد العقدي    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    موجة حر وأمطار وزوابع رملية يومي الاحد والاثنين على عدة ولايات من الوطن    شايب سفيان يشيد بمساهمة كفاءات الجالية في الجامعة الصيفية بعين تموشنت    وزير النقل يكشف عن قرب تدعيم الرحلات الجوية الداخلية وإنشاء شركة وطنية جديدة    مشاريع تنموية جديدة تعيد الأمل لسكان بلدية مروانة بباتنة    ورشة إفريقية عبر التحاضر المرئي لتعزيز ملفات ترشيح التراث العالمي    طلبة جزائريون يتألقون في المسابقة الجامعية العالمية للرياضيات ببلغاريا    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/ : الجزائر حاضرة في أربعة اختصاصات في اليوم الثامن للدورة    اليوم الوطني للجيش : رابطة مقدسة مع الشعب وعقيدة دفاعية راسخة    الجزائر تنضم إلى شبكة نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد    معاينة مكثفة لمدى التزام التجار بمعايير النظافة والصحة    وزارة الثقافة والفنون تنظم ورشة تكوينية دولية حول التراث العالمي بالاشتراك مع صندوق التراث العالمي الإفريقي    اختتام التظاهرة الثقافية بانوراما مسرح بومرداس..تقديم 55 عرضًا مسرحيًا على مدار أسبوع كامل    كأس افريقيا للمحليين : أشبال بوقرة بأوغندا للمنافسة على اللقب القاري    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    سؤال واحد أعادني إلى رسم تراث منطقة القبائل    الجلفة تنزل بزخمها ضيفة على عروس الشرق عنابة    أمواج دوّاس تعرض "الفتنة القرمزية"    إبداعات تشكيلية تضيء جدران المتحف الوطني للفنون الجميلة    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    تمديد أجل إيداع وثائق استيراد وسائل التجهيز والتسيير إلى غاية 15 أغسطس الجاري    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربيعيات
بختي بن عودة ودموع جاك دريدا. !
نشر في الجمهورية يوم 23 - 05 - 2016

وأنا أقف على منصة الشعر في أواسط التسعينات في مدينة "كآين" الواقعة غير بعيد من ضفة بحر المانش، أقرأ قصيدتي (نوح) التي ترجمت بكثير من العناية والحب إلى الفرنسية، ونُشرت في مجلة البرلمان العالمي للكتاب، كنت آنذاك أحمل سماء بلادي الحزينة التي تركتُها إلى حين، بعد ثلاث محاولات اغتيال وأوجاع لا تطاق.
سماء شارفت على الظلام. في قصيدة( نوح )كنت أسترجع نجومها المضيئة واحدة واحدة ( عبد القادر علولة، بختي بن عودة،الطاهر جاووت، عز الدين مجوبي، جمال الدين زعيتر،الشاب حسني،رشيد بابا أحمد ...(، كانت أمسيتي الشعرية ضمن برنامج مسطر بإتقان لملتقى دولي، حضرته وجوهٌ من الأدب العالمي، أقيم في قاعات القصر التاريخي العريق الذي تزهو به المدينة . بين الحضور كان يجلس "ويللي سوينكا" صاحب جائزة نوبل، والكاتب المناضل "كريستيان صالمون"، وغير بعيد عنهما يجلس رجل نحيف، يلبس سترة بنية، إلا أنه في بساطته يشع وكأنه كونٌ كاملٌ ، يضم محفظته الجلدية السوداء بحنان إنه: "جاك دريدا" .
في المساء ومن باب الصّدف الجميلة، دعيتُ إلى جانب جاك دريدا وكاتبتين فرنسيتين وكاتب آخر إلى ندوة تبث على تلفزيون فرانس تروا القناة الثالثة، عن موضوع و إشكالية الكتابة و المنفى، كانت ندوة حارة ذهب الحوار الثري فيها إلى أبعاد أبعاده، واستمر النقاش حتى بعد انتهاء التصوير، وامتد أثناء طريق العودة إلى قاعات القصر حيث فعاليات الملتقى. كانت الفكرة الأساسية السائدة والتي شددتُ عليها أنا أيضا بإيمان عميق، هي أن في المرأة الواعية يكمن الخلاص الأكبر للمجتمعات المتأزمة، التي تعيش القمع، و الحجر على حرية التعبير، وحرية المعتقد. منذ سماع قصيدتي (نوح)، وورود اسم المرحوم بختي بن عودة في القصيدة، لمحت في عيني جاك دريدا لألأةٓ نجم، يشبه إحساس ذاك الذي وجد أخيرا من يخلصه من قيد ثقيل. كنت أعلم أن الكاتب والمفكر بختي بن عودة الذي قربه إليه الدكتور الأديب أمين الزاوي المدير العام لقصر الثقافة بوهران آنذاك وصار مساعدا له، وبينهما صداقة قديمة وعميقة. كان المرحوم بختي على تواصل بالهاتف والرسائل بالمفكر جاك دريدا ذي الأصول الجزائرية، وذلك لغرض إقامة ملتقى بقصر الثقافة بوهران حول منجزه الفكري وبمناسبة عيد ميلاده. المشروع كان على أهبة الحدوث لو لم تشنّ بعض الصحف المعربة هجوما نعتت فيه المنظمين بالخونة الداعين لعودة الأقدام السود و اليهود، ولو لم تُقدِم اليدُ القبيحة لاحقا على اغتيال بختي بن عودة في ذلك اليوم الأسود من العشرية السوداء.
. - السيدة ربيعة.. هل تسمحين.. سأدعوك على فنجان قهوة؟! ،قال جاك دريدا جملته تلك، فشعرت ُبوجع في صوته، وكأنه يدعوني لزيارة قبر. جلس دريدا قبالتي في مقهى القصر Café Mancel ذي الأرائك الكلاسيكية الداكنة . بدا لي متعبا وكأن الهرم أدركه بغتة.سألني عن أجواء قصيدتي ( نوح ) عن مدينة الجزائر التي يعشقها، عن وهران، عن ملابسات اغتيال بختي بن عودة الذي كان يهاتفه يوميا تقريبا ويراسله بكثافة . لعله كان يتساءل في قرارة نفسه إن كان هو السبب الرئيسي في اغتياله. كان عليّ أن أخبره عن حال أسرته ، وابنته الصغيرة (اسمهان) التي تحمل اسم فنانة درزية، ودمغة في تاريخ الغناء الشرقي، بأجمل صوت وصورة وقدر حزين. ثم شعرتُ في قرارة نفسي أن دريدا يريد الإفضاء، فتركت له الكلام. حدثني في البداية عن مشروع كتابه القادم، ثم لم يلبث أن عاد إلى طفولته في حي الأبيار بالعاصمة.لم أقاطعه، اكتفيتُ بالإنصات إليه، الأمر الذي فجر على لسانه انهار الكلام بلكنة حزينة، فغاص عميقا في ذكريات طفولته بالجزائر، ثم عن شبابه، عن تمزقه، كان غائبا. في تلعثمه اكتظاظٌ رهيبٌ للكلمات المتدافعة على لسانه. ثم عاد إلى موضوعه بختي بن عودة/الجرح، الجرح البليغ العميق، ليرفع الضمادة تماما من فوق جرح غائر، يعود ليحدثني عن صوت بختي المليء بالأمل في مكالماته له من الجزائر عبر الهاتف، عن مراسلاته، عن مشروع الملتقى الذي كان مزمعا إقامته بقصر الثقافة والفنون بوهران . كنت أشاهد هذا المفكر الكبير الذي أدهشت نظرياتُه وأفكارُه عالم البحث في العالم، يتضاءل من الألم، ويتوارى صوته خلف وجع دفين . مدّ جاك دريدا يده نحو محفظته الجلدية السوداء، فتحها وأمام عينيّ المندهشتين أخرج رسائل المرحوم بختي بن عودة الموجهة إليه وبخط يده. قال لي بابتسامة حزينة إنه لم يفهم فحوى بعضها لحد الآن على الرغم من قراءته المتكررة لها وأنها لا تفارقه أبدا في جميع تنقلاته. نثر صفحات رسائل بختي بن عودة فوق الطاولة الواسعة بهدوء، فغطت مساحتَها كلها، كنت أنظر إليه بصمتٍ يُضمِر نشيجا جريحا. أدركتُ أن الوجع وصل منه الحد الذي لا يُطاق. بعد برهة من البياض، وضع المفكر الكبير جاك دريدا الإنسان كفيه على عينيه، ليخفي - دون جدوى - دموعا حارقة، لكن صدره النحيف كان ينتفض بقوة وهو يجهش بالبكاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.