تنفرد ولاية ادرار بتقاليد خاصة بالزواج ، فأجواء الصيف بولاية أدرار هي الوقت المفضل لإقامة الاعراس والولائم الجماعية وقراءة " السلكه " . فلا يمر يوم في نهاية الاسبوع الا وتسمع طلقات البارود ، والأغاني تنبعث بعد منتصف الليل من هنا وهناك ترافقها زغاريد النساء عبر السيارات التي تجوب الشوارع الرئيسية للمدينة . موسم الاعراس والزواج يدوم طويلا في هذه الولاية الصحراوية ، حيث يدشن مع نهاية فصل الربيع ، ويستمر حتى منتصف فصل الخريف ، ولكن يكثر بصفة ملحوظة في فصل الصيف الذي يعتبر اكثر ملاءمة رغم ارتفاع درجة الحرارة ، وهي الفترة التي تصادف العطل . على خطى الأجداد ولسكان ولاية ادرار تقاليد خاصة للفرح ، تقاليد تبدو غريبة ومعقدة نوعا ما ومكلفة كذلك . سكان هذه المنطقة لازالوا محافظين الى حد ما على العادات والتقاليد الموروثة عن الاجداد التي تطبع حفل الزفاف ، ولا يمكن الاستهانة بها ، بل يجب عدم التفريط فيها . ومن هذه العادات ان الرجل لا يحق له ان يرى او يتحدث مع خطيبته منذ لحظة خطوبتها ، حيث يكتفي الاهل فقط بزيارة مفاجئة لأهل العروسة لجس النبض وتحديد الشروط والاتفاق على يوم " الدفوع " اي اعطاء المهر لعائلة الخطيبة ، ويوم الخطبة يتشكل الوفد الرسمي الذي له الكلمة الاخيرة والقرار النهائي من رجال اهل العريس ، وعندما يعلن رسميا عن الخطوبة بعد تناول التمر والشاي ، وهذه اصحب مرحلة في المفاوضات لابد لكل عريس ان يجتازها ومن العادات التي طغت على مجتمع ادرار ، التباهي في دفع المهر ، حيث وصل في بعض الاحيان الى اكثر من 25 مليون سنتيم ، دون حساب المصاريف اللاحقة ، مثل المصوغات والمجوهرات وكمية معتبرة من المواد الغذائية ، مثل الدقيق والزيت وحليب لحظه والشاي ، وكل ما هو مهم من المواد الاخرى ، وهذا لإقامة عشاء فاخر يوم الخطوبة . هذه العادات جعلت الكثير من شباب المنطقة يعزفون عن الزواج ، والبعض الاخر يلجا الى الولايات المجاورة لإتمام نصف دينهم بسبب نزعة التفاخر التي تسود مجتمع توات ، وكذا الافراط والتبذير وكثرة المصاريف ، لكن هذه العادات اصبحت تمس الى حد كبير استقرار البيت الزوجي وتؤثر على سعادته . والواقع القائم اليوم ان كل حفل زفاف بأدرار لابد ان ينتهي بتحمل الديون في معظم الحالات ، وبالتالي ينتهي بخلق وضعية صعبة للغاية يتعسر تحملها وتكون انعكاساتها غير متوقعة تؤدي في كثير من الحالات للطلاق ، ومع ذلك . تكاليف و تقاليد ما زالت كثير من العائلات الميسورة الحال تواصل الاحتفال بالزواج بالطرق التقليدية ، حيث تطالب بمصاريف ضخمة تأخذ طابع التحدي الذي ينبغي رفعه خوفا من القيل والقال ، ولازال الكثير يتعايشون مع العادات والتقاليد مرغمين على ذلك وخوفا من الحقره وكلام الناس ، فالزواج الذي لا يخضع لهذه الشروط القاسية ليس له طعم ولا رائحة ويفتح على صاحبه باب الانتقادات اللاذعة في كل اماكن اللقاءات سواء عند الرجال او النساء . يكلف تحضير حفل الزفاف ما يقارب ال 45 مليون سنتيم ، دون الاخذ بعين الاعتبار مصاريف الحفل الذي يحضره المدعوون يوم وجبة العشاء ، والتي تسمى بليلة الاصدقاء ، حيث يقوم العريس بدعوة اصدقائه يحضرها ما يقارب 500 شخص من مختلف الاعمار ، ويقوم والد العريس بليلة مماثلة تقام خصيصا من اجل فاتحة الطالب واللباس ، ويحضر هذه الفاتحة اهل العريس والعروسة ومعارفهم ، وقد يفوق عددهم الاجمالي في هذه الليلة 800 شخص ، وعندما ينتهي الجميع من تناول وجبة العشاء ، يبدا الامام في قراءة فاتحة الكتاب ، بحضور وكلي العريسين ، ويبدا اهل العروسة في توزيع التمر والحليب ولابد ان يشرب الجميع من نفس الاناء وتسمى هذه العادة بتمر القبول . اما ليلة الزفاف فمازالت تتميز بارتداء العريس البرنوس والعباءة البيضاء ، ويرافقه الى باب بيته اعز اصدقائه ، واحد عن يمينه والاخر عن شماله وهم يرددون نهج البرده ، وكما جرت العادة في المنطقة ، فان العريس لابد ان يحمل معه سيفا ولابد له ان يختار " وزير " يكلف بخدمته على مدى سبعة ايام كاملة يقضيها في " الحجبة " اي في البيت الزوجية الذي لايبرحه مدة اسبوع كامل ، وتنحصر مهمة الوزير في تقديم النصائح والارشادات ، ونفس الشيء بالنسبة للعروسة وتسمى ب " الوزيره " ، ويتم اختيار هؤلاء الوزراء من اناس كبار في السن يتجاوز عمرهم الخمسين سنة . وفي اليوم الموالي لليلة الدخلة ، تجتمع النسوة لاقامة ما يعرف في المنطقة ب " الحزام " وهي مرحلة تقييم جمال العروسة ، حيث لابد لها ان ترقص امام كل المدعوات لهذا الحفل ، وتقوم النسوة بتقديم هدايا لام العروسة في نهاية الحفل ، وهذا ، بعد تناول وجبة الغذاء واستعراض العروسة لفساتينها امام الجميع ، وهي الطقوس التي تشبه الى حد كبير عرض الازياء . اما عند بعض العائلات ، فان العروسة تتصدر الحاضرات يوم الزفاف ، وهو يوم الحزام بمختلف الفساتين ، والبعض الاخر يضع العروسة في زاوية بعيدة عن الانظار ، وهي مستورة الوجه ، بحيث لايستطيع احد رؤية وجهها . ومن العادات التي لازالت قائمة في بعض القصور النائية ، ان العروسة تاتي محملة على الاكتاف مربوطة اليدين والرجلين ويتم اخفائها في احدى المزارع غير البعيدة ، لينطلق العريس في رحلة البحث عن عروسته بمساعدة اصدقائه ، وله مهلة سبعة ايام كاملة لالقاء القبض على العروسة ، واذا لم يتمكن العريس من الوصول الى عروسته ، فيكون مصيره السب والشتم والعار من اقرب المقربين منه ومن اهل القصر ، وتبقى هذه الهزيمة تلازم العريس طول حياته ، وهكذا فان الزواج في ادرار رغم متاعبه وتكاليفه المعقدة والباهظة التي اثقلت كاهل الجميع ، تبقى طقوسه ضرورة لابد منها ولابد من احترامها حتى ولو كانت على حساب الجوهر .