صناعة صيدلانية: تنظيم ورشة عمل للتقييم الذاتي في إنتاج وتسويق الأدوية واللقاحات    دراجات /طواف الكاميرون-2025 : الجزائري إسلام منصوري يفوز بالقميص الأصفر للنسخة 21    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 55362 شهيدا و 128741 مصابا    الرئيس الصحراوي يثمن مجهود الحركة التضامنية مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    وزير الصحة يلتقي بتونس المدير الإقليمي للبنك الدولي لدائرة المغرب العربي ومالطا    تخيل.. عام واحد بلا كهرباء ولا آلات!    "واللَّه يعصمك من الناس"    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    بشارات ربانية عظيمة    كيف تسوق إسرائيل مظلوميتها؟    الإنتاج الوطني المرتقب من القمح الصلب سيضمن الاكتفاء الذاتي لسنة 2026    كرة القدم/الدورة الدولية الودية لأقل من 17 سنة: المنتخب التونسي يتعادل مع نظيره الموريتاني ب(0-0)    بسكرة : تخرج 12 دفعة جديدة بالمدرسة العليا للقوات الخاصة    شايب و واضح يشاركان في لقاء من تنظيم قنصلية الجزائر بنيس حول المقاولاتية    المرصد الوطني للمجتمع المدني يعقد دورته العادية السابعة    سعداوي: الإعلان عن نتائج عملية إصلاح مناهج وبرامج الطور الابتدائي قريبا    وزارة العدل تشرع في دورات تكوينية لفائدة القضاة والموظفين    سايحي يلتقي وزير الصحة العماني بتونس    وزير التربية الوطنية يعطي إشارة انطلاق امتحان شهادة البكالوريا من ثانوية الإدريسي بالجزائر العاصمة    باتنة: عودة أول فوج من الحجاج عبر مطار الشهيد مصطفى بن بولعيد الدولي    حجز 85 كلغ من الكوكايين بأدرار    انهيار المحور المقاوم وصعود إسرائيل الكبرى"    مخيمات صيفية لفائدة 2000 طفل من أدرار وتمنراست    بن جامع : الكيان "يتصرف وكأنّ القانون غير موجود، أو لا ينطبق عليه"    تتويج الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"    بعد تسجيل خروقات في استغلال المصنفات المحمية، الوصاية:    ارتفاع أسعار النّفط بسبب التوترات في الشرق الأوسط    شهادة عدم تقاضي معاش عسكري إلزامية لتثبيت فترة الخدمة الوطنية    كهربة وسائل النّقل العمومي والفردي.. والتحوّل الطاقوي واقع    تحذيرات ودعوات دولية للتعقّل والتهدئة    نشوب حرب شبه اقليمية بالمنطقة غير مستبعد    المواجهة العسكرية العلنية تستمر    الباك.. تجنّد أمني    العرباوي يشرف على إحياء يوم الفنان    مشاريع تجريبية لإنتاج وقود الطيران    نحو جمع 90 ألف قنطار من الحبوب بالبليدة    نورة علي طلحة تبدع في بانوراما الجمال والهوية    "عائد إلى حيفا" في قالمة    الطاووس يتجول بكبرياء بين ضفتي الألوان والأكوان    منع مواقد الشواء في الغابات لقلة الوعي البيئي    طقوس وولائم تصل درجة البذخ    عمراني يتحسّس نوايا الإدارة قبل التحضير للموسم القادم    لو كنت في إسبانيا لأقالوني منذ أكتوبر    ''الفاف" توسّع مهمة اكتشاف المواهب محليا وأوروبيا    نصائح للمقبلين على البكالوريا    نشر القائمة المؤقتة للوكالات المرخّص لها تنظيم العمرة    الإنتاج الوطني المرتقب من القمح الصلب سيضمن الاكتفاء الذاتي لسنة 2026    الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين تطلق حملة وطنية للتبرع بالدم    أزيد من 400 أخصائي في المؤتمر الدولي ال38 لجراحة المخ والأعصاب بالعاصمة    حوادث المرور: وفاة 10 أشخاص وإصابة 507 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    جنوب افريقيا: المؤتمر الوطني الإفريقي يجدد دعمه الثابت للشعب الصحراوي ويفند مزاعم المغرب    تسليم وثائق التوطين ل 230 مستوردا    الكسكسي في مسابقة دولية    مونديال الأندية ينطلق اليوم    تحيين 12 ألف بطاقة "شفاء" منذ بدء العملية    اختبار مفيد رغم الخسارة    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجلس الأمن وإشكالية حق الوجود ودواعي التنمية
نشر في الحياة العربية يوم 13 - 07 - 2021

ثنائيات كثيرة تحكم حياتنا الإنسانية؛ حرب وسلام، وتنمية وتخلف، وإدارة رشيدة وأخرى فاشلة، ودولة متقدمة وأخرى متراجعة، وحقوق إنسان وانتهاكات ضد الإنسانية. وثنائيات أخرى لا سقف لها تطرحها تجاربنا الإنسانية بشكل عام. آخر تلك الثنائيات التي يبدو أنها ستفرض نفسها في مجال العلاقات الدولية، ثنائية الحق في الوجود مقابل دواعي التنمية.
تلك الثنائية فرضت نفسها في جلسة مجلس الأمن التي عُقدت الخميس الماضي وشهدت مداخلات الدول الأعضاء، إضافة إلى مداخلات الدول الثلاث المعنية بالسد الإثيوبي؛ وهي مصر وإثيوبيا والسودان. وفي المداخلات تبين الكثير من الأمور التي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الحث على المفاوضات بين الدول المعنية وصولاً إلى تسوية برعاية أفريقية.
التحليل النصي لمجمل المداخلات لأعضاء المجلس، الدائمين والمؤقتين، بغض النظر عن المصطلحات والأمثلة والإيحاءات التي استخدمها كل طرف، فإنه يكشف عن اتفاق ضمني بأن مجلس الأمن ليس من اختصاصاته أن يعالج أموراً فنية يمكن حلها بالتفاهمات بين الأطراف ذات الصلة، انطلاقاً من قناعة ضمنية أيضاً بأن اختصاصات المجلس تتعلق بقضايا كبرى تتعلق بالنظام الدولي ككل وأمنه واستقراره. ولما كان بناء سد لأغراض تنموية يمثل قضية فنية لا علاقة لها بأمن العالم أو أحد أقاليمه الحيوية، فمن غير المقبول أن يرهق المجلس الموقر نفسه وجهوده في أمر فني فرعي لا يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. وأحد المندوبين الأفارقة عبر عن تلك القناعة بوضوح كامل.
في المقابل، فإن اتجاهات التفكير والطرح لدى الأطراف الثلاثة المعنية بقضية السد وتأثيراته، تضمنت اتجاهين رئيسيين؛ أولهما اتجاه كل من مصر والسودان، ويرى أن المشكلة ليست في بناء السد وما يحمله من تنمية مفترضة لأصحابه، بل فيما يحمله السلوك الإثيوبي المنفرد في إدارة السد وما يتسم به من عدم شفافية مفرطة، واتجاه لا لبس فيه في التحكم الكامل في مياه النيل، برغم كونه نهراً دولياً عابراً للحدود تحكمه اتفاقات ومعاهدات وأعراف دولية مستقرة تتعلق بالاستخدام المنصف، وعدم إلحاق ضرر جسيم بأحد الأطراف، والتعاون المشترك في إدارته من خلال الإخطار المسبق بالتدابير التي ينوي أحد الأطراف اتخاذها. وفي السياق ذاته حمل الخطابان المصري والسوداني تأكيد التعرض لمخاطر وجودية لدولتي المصب وحدوث تداعيات جسيمة على نمط الحياة في كلا البلدين، بما في ذلك انخفاض المساحات المزروعة والتسبب في العطش لملايين من المصريين والسودانيين، مما يسبب لهما مشكلات أمنية واجتماعية جسيمة قد يكون لها صداها في الإقليم ككل.
الجانب الآخر لمفهوم الخطر الوجودي يتضمن أمرين متكاملين؛ أولهما أن من حق الطرف المُعرض للخطر الوجودي أن يدافع عن نفسه وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والثاني طلب التحرك الجماعي الاستباقي، ذلك أن مهمة مجلس الأمن في هذه الحالات التي تنبئ عن مخاطر متعددة المستويات، أن يتحرك استباقياً ويحول دون تدهور الموقف، وأن يساعد على احتواء أسباب المخاطر، ومن ثم حفظ الأمن والسلم الدولي والإقليمي على السواء.
الخطاب الإثيوبي عبر عن الاتجاه الثاني المناقض تماماً لمفهوم الخطر الوجودي والتداعيات الجسيمة، معتبراً أن القضية تتعلق بحق التنمية لشعب يعاني من قلة الكهرباء، وأن من حقه الاستفادة بموارده دون قيود، وأن كافة قضايا التنمية الذاتية لدولة أو لعدة دول لا علاقة لها باختصاصات مجلس الأمن، والذي عليه ألا يستنفد جهوده فيما لا يعلمه ولا يعرف عنه الكثير، وإن حدث هذا الاشتباك فسيفتح المجلس على نفسه سيلاً من القضايا المماثلة، والتي ربما أن عدداً معتبراً من أعضاء المجلس لديهم مصالح متباينة تجاهها، وقد يتضررون لاحقاً من التدخل في شأن السد الإثيوبي.
امتداد الطرح الإثيوبي على النحو السابق مع دولتي المصب تم حصره في أمور فنية بامتياز، وأنه يمكن حلها عبر التفاوض، متهماً دولتي المصب بأنهما غير جادتين في هذا التفاوض برعاية أفريقية دون غيرها.
الخطابات الثلاثة؛ الدولية والمصرية السودانية، ثم الإثيوبية، تشكل ثنائية فريدة أمام الدور المفترض أن يقوم به مجلس الأمن الدولي في فك الاشتباك بين حق يطالب بالتنمية، لكنه يسبب أضراراً مؤكدة لآخرين، يقابله حق يطالب بحماية الوجود ومحاصرة الأضرار المؤكدة والبعيدة المدى إلى حد كبير للغاية.
والواضح أن أعضاء المجلس سواء لاشتباك البعض منهم مع قضايا مماثلة مع دول مجاورة جغرافياً، أو لعدم تقدير الأضرار الإنسانية الجسمية التي ستصيب دولتي المصب، أو لدواعٍ استراتيجية واقتصادية خاصة بالعلاقة مع إثيوبيا أو دولتي المصب، أو رابعاً انتفاء الرغبة في التحرك الاستباقي وتفضيل التحرك اللاحق للأزمة حين وقوعها، فكل هذه الأسباب تجعل مجلس الأمن جهازاً دولياً متراجعاً عن أداء دوره المحدد في ميثاق الأمم المتحدة المتعلق تحديداً بمنع النزاعات والمساهمة في تسويتها بفعالية واقتدار بحكم كونه المجلس الذي يضم أكبر القوى الدولية المتربعة على قمة النظام الدولي.
لا ينكر أحد أن للسد الإثيوبي بُعداً تنموياً يتطلع إليه الإثيوبيون، ولكنه يتضمن إشكاليات فنية تتعلق بإدارته وتشغيله، ولدى الدول الثلاث الخبراء المتخصصون والقادرون على حلها بكفاءة، شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية، خاصة لدى أديس أبابا للوصول إلى اتفاقات منصفة وترضي الأطراف الثلاثة، وقبل ذلك أن تتخلى إثيوبيا عن مفهوم السيادة الكاملة على نهر النيل، وتعترف بكونه نهراً يخص الدول الثلاث كمصير واحد، كما عليها أن تعترف بأن السد وفق مفهوم السيادة الكاملة على النهر يتضمن أيضاً إشكاليات إنسانية ووجودية لأكثر من مائة وخمسين مليون إنسان عاشوا هم وأجدادهم على مياه النهر منذ بدء الخليقة، ومن المستحيل أن يتخلوا عن حقهم في الحياة والوجود والبقاء مقابل أن يتمتع طرف واحد بالتنمية.
المثير في خطابات أعضاء مجلس الأمن الدولي ليس فقط التعالي عن ممارسة الدور الواجب لمنع نزاع مرجح بقوة، بل في الانحياز وإن بدرجات مختلفة للمفهوم الإثيوبي. الأكثر من ذلك تجاهلهم العلاقة بين شيوع مفهوم السيادة المطلقة على الموارد المائية وما يترتب عليه من مخاطر وجودية لآخرين قد لا يجدون مفراً من التورط في مواجهات عنيفة، يترتب عليها أضرار تمس أقاليم مختلفة من العالم مهما كانت متباعدة جغرافياً.
في العقود الثلاثة الماضية طُرحت مطالب تتعلق بضرورة إصلاح المنظمة الدولية بما يتناسب مع التغيرات الحادثة في النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ووُضعت أفكار عالجت بحكمة الكثير من أسباب تراجع دور مجلس الأمن في منع الصراعات الإقليمية، ويبدو أن المجلس، وخاصة القوى الخمس الدائمة بدلاً من أن تطور آلياتها وتفاعلها الناضج مع الأسباب الناشئة وغير التقليدية المثيرة للصراعات، إذا بها تترفع عن أداء دورها، مما يجعل اللجوء إليه أمراً غير مُجدٍ كثيراً.

الشرق الأوسط اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.