اعتبر الخبير في العلاقات الجيوسياسية، البروفيسور إدريس عطية، أن زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إلى جمهورية سلوفينيا تشكّل مؤشراً واضحاً على تبني الجزائر لسياسة خارجية براغماتية ونوعية، تتميز ببعد النظر وامتداد استراتيجي بعيد المدى. وأوضح أن الجزائر ترى في سلوفينيا منصة محورية في وسط وشرق أوروبا، فضلاً عن كونها طرفاً فاعلاً داخل الاتحاد الأوروبي. وفي مداخلته على برنامج "ضيف الصباح" بالقناة الإذاعية الأولى هذا الخميس، أشار عطية إلى أن الجزائر باتت تظهر كلاعب دبلوماسي ذكي، يسعى إلى تنويع شراكاته الدولية، وبناء شبكة توازنات جيوسياسية جديدة سواء داخل أوروبا أو في سياق العلاقات الدولية الأوسع. ولفت إلى أن الشراكة مع سلوفينيا تحمل أبعاداً استراتيجية تتصل بقضايا كالهجرة والطاقة، بحكم موقعها الجغرافي المهم كبوابة نحو وسط وشرق أوروبا. وأكد عطية أن زيارة الرئيس تبون جاءت في توقيت حرج يشهد فيه النظام الدولي تحولات متسارعة مع بروز قوى إقليمية جديدة. وأوضح أن الجزائر تدرك هذه التغيرات، وتتعامل معها من خلال الابتعاد عن الممارسات الدبلوماسية التقليدية، وتبني مقاربات جديدة تقوم على المصالح الواقعية والتوازنات المتغيرة. تقارب في الرؤى والمواقف الدولية وفيما يتعلق بمواقف البلدين على الساحة الدولية، أشار إدريس عطية إلى وجود تقارب جزائري-سلوفيني بشأن عدة قضايا دولية، أبرزها التمسك بالشرعية الدولية والدفع بالحلول الأممية، لا سيما في ما يتعلق بالقضية الصحراوية والقضية الفلسطينية. واعتبر أن سلوفينيا، باعتبارها طرفاً وازناً في الاتحاد الأوروبي، تمثل نافذة سياسية مهمة يمكن للجزائر أن تستثمر فيها لتعزيز مواقفها الدبلوماسية. وأضاف أن إشادة رئيسة سلوفينيا بمستوى العلاقات الثنائية تعكس اعترافاً حقيقياً بمكانة الجزائر، التي لم تعد تُرى كدولة عابرة، بل كقوة إقليمية ذات سيادة يمكنها أن تضطلع بدور قيادي في دفع التعاون الثنائي وبلورة شراكات استراتيجية بناءة. آفاق اقتصادية واعدة واتفاقيات نوعية وفي الجانب الاقتصادي، أشار عطية إلى رغبة الجزائر في إقامة مشاريع فعلية ونوعية مع سلوفينيا، التي تمتلك مقومات مهمة في مجالات دعم الشباب، الابتكار، المؤسسات الناشئة، والصناعات الخضراء. وأكد أن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين ترسخ العلاقات الثنائية وتضع أسساً لعلاقات استراتيجية تشمل التكنولوجيا المتقدمة، الزراعة الذكية، الصناعة الدوائية، والتعليم العالي. كما اعتبر توقيع العقد بين شركة سوناطراك الجزائرية وشركة جيو بلين السلوفينية لتمديد عقد توريد الغاز بأنه نقطة قوة للجزائر، ودليل على نجاح دبلوماسيتها الطاقوية. وأوضح أن الغاز يمثل ورقة ضغط إيجابية بيد الجزائر تُمكنها من بناء نموذج متكامل لعلاقات شمال–جنوب، قائم على تبادل المصالح: الطاقة مقابل التكنولوجيا، وهي معادلة واقعية وجريئة في سياق الشراكة مع سلوفينيا.