"أصارعُ الحروف لكي أنالَ مكانًا بين أسطر مذكرتي يدفعني إلى أوجِ النشوةِ و يسافرُ بي إلى عالمِ المُثل، و اعتباري أصغر روائية على مستوى الوطن قد فاجأني، خاصة و أنَّ أصغرَ روائية على مستوى الوطن العربي في مثلِّ سنِّي". في بيت عائلتها المتواضع الكائن بقرية عامرة ببلدية عين الإبل جنوب ولاية الجلفة، استقبلتنا الشابة "مزهود منال" التي تُعتبر أصغر روائية على المستوى الوطني، إذ تكون أطفأت شمعتها ال16 في اليوم السادس والعشرين من شهر أفريل الفارط. الروائية الصغيرة والتي احتفت بصدور أول نسخة من كتابها الذي يحمّل في طياته أحرف روايتها البِكر "زنوبيا"، أصرّت أن تخص" الحوار" بأول لقاء إعلامي، وكان لنا معها هذا الحوار .
* نريد أن نعرف من هي "منال مزهود"؟
مزهود منال صاحبة 17 ربيعًا حالمةٌ كغيرها من الشباب في مثل سنِّها، أعتبرُ نفسي طموحةً إلى حدِّ المبالغة في الطموح، أحبُّ كلَّ منافٍ للاعتيادية وكلَّ خارجٍ عن المألوفُ، أعشقُ الكتابةَ بشكلٍ خاص و أتنفسُ الأحرف، فمن بدونِ الكتابةِ لا هويَّةَ لي حيثُ أنَّ ملاذي بينَ الأسطرِ و وطني الآمنُ خلفَ أحرفِ الكلماتِ و أسفل نقاطها، أحبُّ تذوق شتَّى أنواع الفنون خاصةً تلكَ الكلاسيكيةَ التي تأسرني.
*كيف كانت بداية دخولك عالم الأدب، ومن أين بدأت حكايتك مع "الرواية" و "زنوبيا" بالتحديد؟
منذ طفولتي عُرفت بفصاحتي بينَ أقراني، و ذلكَ راجعٌ إلى اهتمامِ الأبوين الكريمين بتلقيني الحرف، فقد غرسَ فيَّ الوالدُ حبَّ الأدب لكونه هاويًا لهُ وذا موهبةٍ في نظم الشعر، أمّا الوالدةُ العزيزة فقد واصلت دعمي وحثَّي على إمساكِ القلمِ والتلويحِ به في أفقِ الإبداع، أولُ خاطرةٍ كانت في الابتدائي حينها اكتشفت المعلمةُ قدرتي على صياغةَ الجمل، ابتعدت عن الكتابة نظرًا لانشغالي بألعابِ الطفولةِ ثمَّ عدتُ ولكن من باب مختلف فقد توجهت لنظمِ الشعر، ومن ثمَّ توجهتُ لكتابةَ القصةَ القصيرةَ، شرعتُ لكتابة قصَّة موشَّمةٍ تحتَ عنوان "اللعنة "فإذا بها روايةٌ تحملُ اسمَ "زنوبيا".
*حدثيناَ قليلاً عن تجربتك قبل الصدور وبعده؟ بما أنني شرعتُ في كتابةِ الروايةِ على أنها قصةٌ لم أطمح لإخراجها للعلن بل اكتفيتُ بأن تكونَ إنجازًا أضمّه إلى سابقيه بينَ صفحاتِ مذكرتي، و حينَ اكتملت بصيغتها الحاليةَ واجهتُ الكثيرَ من المصاعبِ لأضم اسمي إلى الساحة الأدبية، وبدلَ أن تكونَ الروايةُ افتخارًا صارت لي ألمًا، لكنّ الضبابَ سرعانَ ما انقشعَ حالمَا ووجدتُ نفسي أسيرُ على سجادِ فرشهُ لي الأستاذ الطاهر يحياوي صاحب دار الأوطان وصاحبُ الفضل الأكبر عليَّ .
*كيفَ كانت ردّة فعل الأهل والمعارف حالَ علمهم بصدور الرواية؟
كان خبرُ كتابتي للروايةِ الحدثَ الأبرزَ الذي تتناقله الألسنةُ في قريتي وبلديتي و بينَ أهلي، فنظرًا لكوني الطفلةُ المشاغبة ولتكتمي على حبِّ الكتابةِ، صدمهم أن يكونَ لي إنجازٌ تطلبَ مني التزامًا يفرضه النضج الفكري الذي لطالمَا دثرتهُ تحتَ المزاحِ الكثير و المبالغ فيه.
*لنعد قليلاً إلى وقتٍ مضى، كيفَ ترينَ "الروائية" في هذا السن المُبكّر؟
لم أسمع يومًا بروايةٍ لمن في مثل سني، لكنني أعرفُ الكثيرَ من الموهوبين و أصحاب الأقلام الراقية و للأسف منبوذين، و لأنَّ الدعم لا يتوفرُ لهم لا زالوا مجهولين ..أُصدِّق بأن جزائرنا زاخرة بالمواهب و السنُ ليسَ مقياسًا للموهبة ولا للنضج الفكري الذي تتطلبه كتابة رواية.
*كونَكِ أنثى وفي هذا السن، قد صادفتك معوّقات أكثر من تلك التي يعرفها كُل روائي؟
ما صادفي من العوائق لا يزيد ولا ينقص عن ما يصادف غيري من السائرين في مجال الأدب، أزيدُ عنهم بأنَّ كلَّ من حاولتُ تقديمَ روايتي له قابلني بالسخرية و جعلِ سنيِّ و أنوثتي مقياسًا لجودة روايتي.
*كم من الوقت أستهلَكت روايتك لتخرج لنا في حلّتها الكامَة، وكيف استقريت على التسمية؟
لازمتني فكرةُ أن أكتبَ روايةً لأشهر، لكنني لم أبادر للتنفيذ لأنَّ كلَّ من أعرفه أخبرني أنَّه لكتابةِ روايةٍ يجبُ أن تتوفرَ الخبرةُ الحياتيةُ، لكنني حالمَا وضعت القلمَ على الورقةِ لأكتبَ تلكَ "القصة القصيرة" تسربت الكلماتُ إلى الورق لتكونَ على شكلِ روايةٍ تطلبَ اكتمالها 3 أيام، حينَ بادرت لطبعها كانت لاتزال بعنوان "اللعنة"، لكنني عزمتُ على تغييره في الطبعة الثانية ليكونَ "زنوبيا" ..أعتقد أنَّ ميلادَ "زنوبيا" قد تطلبَ 6 أشهر منذ اللحظةِ الأولى.
لمن تقرئين، وأي كاتب تأثرتِ به؟
نشأتُ في بيتٍ تعجُّ أركانهُ بالكتبِ، ولكن تكونت فكرةٌ خاطئةٌ في ذهني مفادها أنني لو قرأتُ كتابًا لا علاقةَ لهَ بالدراسة سأعاقب، لذلكَ دفعني فضولي لأن أختلسَ الكتبَ من مكتبةِ المنزل، و حالمَا اكتشفَ والدايَ أنني أبادر لأخذ الكتبِّ خلسةً بادرَا لتزويدي بالكتبِ المنوعة، مما برهنَ لي عكسَ ما كنتُ أفكر، و لهذا لا أعتقدُ أنني أميلُ لكاتبٍ محدد، فكلَّ الكتب تستهويني لكنني أفضل المنفلوطي على جميعِ الكتّاب، فأسلوبه يغويني لأن أقرأ لهُ بنهم ودونما ملل، فقدَ صارَ كاتبي المفضل.
*إلى أي أفق تحلقين بروايتك، وماذا طبعت فيك ك"قارئة "؟
"نفسُ المؤمن طماعةٌ"، لا أنكرُ أنني أطمحُ للكثير والأهم أن يسلط الضوء على القضية التي تتناولها روايتي و محاولةِ تحرير الفكر المعتقل الذي يفرض على الكاتب أن يكون ذا عمرٍ محدد. لا أستطيعُ الحكم على ما كتبته، فلن يكونَ منصفا أن أنتقدَ نفسي لذلكَ أستطيعُ أن أقولَ ك"كاتبة" أنَّني فخورةٌ بما وضعته بين أيدي القارئ و بيده الحكم عليها.
*"زنوبيا"، ياتُرى ماذا بعد؟
لا أحدَ يدري ماذا سيكونُ بعدَ "زنوبيا"، لكنني على يقين من أنني لن أتوقف "مازال مازال واقفين و على الدرب مكملين".
*كون المحيط شيء مُهم بالنسبة للروائي، ماذا قدمّ لك وهل أثّر في كتاباتك؟
للأسف محيطي يسوده فكرٌ معتقل، والأدهى أنه حينما يبادرُ أحدٌ لتسليط الضوء على النقاط السوداء في المجتمع يهاجمه المحيطونَ بالسخرية والتكذيب و يلقونهُ في أحضان الأيادي الخارجيةِ، و يعملونَ على ترفيلِ الوقائعِ بالكذباتِ الوردية.
*هل هناكَ وقت محدد تفضلينَ فيه الكتابةَ ؟
حينما تطرقُ الأفكارُ ذهني لا تسألُ الأناملُ في أيّْ وقتٍ تريد عزفَ الأحرف، لكنَّ الشطرَ الأخيرَ من الليل هوَ أنسبُ وقتٍ لاستحضار الأحرف و الرقص على وقعها.
*عادةً لكلِّ كاتبٍ طقوسهُ الخاصة أثناء الكتابة، فهل لكِ أنتِ مثلها؟
لا أعتقد أنَّ توفُّر القهوة أثناء الكتابة طقس خاص يميِّزني عن غيري، لذلك لا أستطيع القولَ بأنني أملكُ طقسًا خاصًا.
*هل ستشاركينَ في معرض الكتاب الدولي؟
أجل سأشارك بروايتي عن دار الأوطان، وسأكون حاضرة يوم الجمعة، إن شاء الله.
*كلمَة أخيرَة أتقدم بالشكر لسيادتكم و لجريدتكم المحترمة، و أشكركم على زيارتكم، كما أتوجه بالكلمة لكلّ من يقولُ إنَّ الرواية يجبُ أن يكونَ كاتبها ذا خبرة حياتية ناتجة عن الخوض ضمن تيار العمر والتقدم فيه، أسفي لكَ فضنّكَ قد خابَ .