بعد سنين عجاف استهدف فيها كل عقل و كل علم عراقي , يترقب العالم عن بعد فكرا مظلما تغذى على الحروب و على السياسة الداعمة لتمزق الهوية إلى أشلاء طائفية ,و لكن يظل العراق نقطة تلاقي الحضارات الثلاث يدهشنا دائما و إلى الأبد بنخبته الفكرية التي تقف فوق نيران الحرب حاملة أمالا و أحلاما و مشاريع محاولة إيصال أهم رسالة واعية , هي الرسالة الإنسانية و الفنية التي تسعى لإيجاد عالم أجمل يليق بالإنسان و برؤاه الإبداعية,ضيفنا لهذا العدد مخرج و كاتب عراقي , ناشط أنساني استطاع أن يصنع له اسما رغم كل المشقات التي جابهته منذ صباه, ليتحول من طفل حالم يحمل رؤى إلى صانع أحلام,ضيفنا هو المخرج العراقي : فايز كنعان. _ كيف كانت بدايتك في عالم الفن و الإخراج؟ ج:بالتأكيد أن هناك بداية تسبق البداية الحقيقية,البداية الأولى هي بداية التشكل عندما كنت طفلا صغيرا في بيت فقير, رب البيت عامل و ربة البيت امرأة طيبة شابة لا تقرأ و لا تكتب, في بيت فيه دفئ الفقراء و فيه أحلام و أمل كبيران, هنا تنشئتي, أعتقد أن الفطرة تأخذ طريقها, و الحلم الطفولي يأخذ طريقه و يشكل طريقه لكثير من الأدباء و الفنانين و المبدعين, في سن الطفولة كان هنالك لدينا في العراق مجلة و جريدة للأطفال ,نمت لدي عنصران, الأدب و الصورة, كنت طفلا مجنونا أقف أمام المرآة و أقوم بحركات يومية أمامها آملا في الظهور مساء في التلفزيون, كنت أتساءل كيف يظهر الناس فيه؟ لم نكن نملك تلفزيون فكنت أصعد على السطح و أتلصص على تلفزيون الجيران , كنت أنتظر متى سأظهر؟ و لا أظهر أبدا, ظل السؤال إلى أن كبرت و اكتشفت الكاميرا , نعم هي مرآة باتجاه الجمهور, درست في معهد الفنون الجميلة للمسرح آملا في إيجاد السينما, خلال سنوات المسرح بدأت تجريب مع مجموعة شباب صناعة الأفلام, و أنتجت أفلام سينمائية, ما أن تخرجت وجدت نفسي جنديا بسبب الحرب مثل الكثير من أبناء جيلي , في عالم لونه تراب حرب عمادها الموت و الجثث و أغاني الحروب, ثمان سنوات حرب مع إيران , و لكنني كنت و أنا جندي أضع كتابا بحجم جيبي حتى لا انس أنني حي, انتهت الحرب كانت قد أضافت لنا أيضا تجربة جديدة علينا أن نحولها إلى فن. _مما يميزك كشخصية انجاز الأعمال حتى في ظل نقص الامكانيات, هل ظروفك المعيشية و انت طفل كانت السر وراء امتلاك هذه القدرة؟ ج:نحن ننتمي إلى دول العالم الثالث و لكننا ربما نحن ننتمي إلى دول ما وراء هذه العوالم, و لكننا نعيش في دول تعاني من انقشاف الاقتصادي العام, ثانيا رأس المال لا يملكه المثقف في رأس الدولة , عكس الدول المتقدمة, لذلك نحن نعاني من اعوجاج , و لذلك جميعنا كفانين نبدأ امام واقع صفري و نحن نملك طموحات تملئ رؤوسنا,إما نقف عن الإبداع إما نعمل وفق الاية التي تقول لا يكلف الله نفسا الا وسعها, نشتغل بحدود إمكانيات, أنا تعلمت قاعدة إنتاجية بالأخير أن أؤسس كل ما املكه من مواقع مادية و مواقع , اعتقد أن الوسائل التقنية و كما علمت حتى من مدربين من هوليوود , التقنية لا تجلب لك قدرة إبداعية , وعيك من يجلب لك ذلك , وعندما تكون واعيا سوف تنتج منهجا و ربما تغزو الفضاءات السينمائية العالمية , نعم الفقر يصنع منا أبطالا لأنه يجعل من أبناء هذه الطبقة تنحت في الصخر و لا تقف, لذلك أنا سعيد عندما اعمل بإمكانيات بسيطة , لست مميزا في هذه النقطة انا اشترك مع أبناء جيلي في هذا , و في تنمية الحرفة بالوعي , الآلة ليس ما يعول عليه , اعتقد أن الفن بعمومه إذا كان بصناعة أو غير صناعة يعتمد على الوعي.
_ألاحظ دائما تركيزك علة المكان في أعمالك, هل هذا دليل على إيمانك بأن المكان بعد هام في كل حادثة أم لديك فلسفة أخرى؟ ج: فعلا هذه ملاحظة ذكية على أعمالي, فعليا أنا أحيانا أكتب في بعض الأحيان على المكان, مرة تعاقدت على مسلسل البديل الذي كتبته بعدما ذهبت وحيدا أتمشى على جسر حديدي يربط مدينتي البصرة بشط العرب تأسيسا لهذا المسلسل, وصلت لحافة النهر ثم قلت مع نفسي هنا جريمة قتل, التفت على اليسار لأجد فندق الشراطون و نافذة مفتوحة وقلت هنا من دفع لقتل المرأة ثم للدكيار, حيث سفينة قديمة حولها لمنزل و قلت هذا هو القاتل, و بالتالي كتبت على جميع المواقع و عندما جاء المخرج كنت الدليل ثم هناك تعريف آخر للسينما , السينما هي المكان , لذلك يبهرنا المكان و صور المكان و التعليق الذهني على المكان , و كأنه يقلب مكاننا , و الجغرافيا تؤسس فينا حتى أشكالنا . _ نعود بك إلى الساحة الفنية العربية و إلى برامج الكاميرا الخفية لرامز التي اختلفت الآراء عنها إن كانت مقالب مفبركة كما أن بعض المصادر تؤكدها فعلا, من وجهة نظر مخرج محترف, إلى أي الآراء تميل و لماذا؟ ج: هذا البرنامج ينتمي إلى البرامج الاستهلاكية و التجارية التي تسعى لجني الأرباح, لذلك أنا لا أستبعد الأمر أن تكون اتفاقية بين الادراة و الضيوف, أعتقد رأيي يدرس الضيف ,و أحيانا يخبأ الأمر على الضيف و مرات يكشف الأمر, فكما نعلم عنصر المفاجأة قد يكون صعب من الناحية النفسية,في حلقة الممثل شاروخان نلاحظ كيف تعامل الضيف مع الكاميرا و كيف تجاوب, أعتقد أنها ردود تمثيلية لأن النهاية في البرنامج أهم من عنصر البداية , حيث يجب أن يحتوي على إبهار, لذلك بشكل عام البرنامج عبارة عن لعبة و الضيف يدخل في لعبة قصدية , لأنه لا يأتي مجانا بل يتلقى مقابل ما أضاف لهذا البرنامج. _كنت حدثتني مرة عن نظرة جميلة للمثقفين العراقيين عن الجزائر, أخبرنا أكثر عنها و كيف تشكلت ؟ ج: نحن جميعا كعراقيين لا نختلف على أمر واحد , أن المغرب العربي أنه وجهة الثقافة , لأننا ننظر إلى اللغتين الفرنسية و الانجليزية , الفرنسية لغة الفكر و لغة السحر, تصلنا كثير من الترجمات من المغرب العربي, و حتى المصطلحات تشكلت لدينا بفضل المترجم في المغرب العربي, لذلك نحن لدينا لدينا تتم عملية الاستهلاك الثقافي تجيء لنا من أوربا عن طريقه, نحن أيضا عموما لا نختلف أن الجزائر بلد قوي يملك عمرا نضاليا طويل بمواجهة الاستعمار و السعي للاستقلال, كما أن الجزائريين دخلوا نضالا طويل حتى هذا الفصل من المعاناة من محولات الطمس الثقافي , لذلك نقدر ما يواجهه المواطن من تحديات , أعجبتنا السنيما الجزائرية حقيقة , عندما كنا صغار ننظر للفيلم الجزائري و لتزال في ذهننا مشاهد جزائرية ملحمية, لكننا نطمح إلى أن تكون التلفزة الجزائرية بمستوى السينما. ندعو إلى تشجيع المسرح و المهرجانات سينمائية, لماذا لا تكون الجزائر السباقة و هي الأكثر تنوعا و الأكبر مساحة؟ أعتقد أنه على الجزائر أن تسحب البساط من الكثير من الدول و أن تكون في الصدارة . _ تراجع الفن ذو الرسالة و تصدر الأعمال التجارية, هل المتلقي هو المسئول أم على الظرف الأول إعادة النظر في طريقة الطرح؟ لا يمكن للمتلقي أن يكون مسئولا على غذائه الثقافي, هناك عدم توازن , في بلدنا مثلا المسرح الجاد هامش, و المسرح المنحط متن, الدولة مسئولة عن ما يحصل, لذلك علينا كمثقفين أن نجعل توازنا بين ما هو جاد و تجاري, و أيضا أن نعيد تعريف التجاري, علينا تخليص المسرح التجاري من عناصر الهبوط من النص, من التمثيل و غيره. _العراق و رغم زخرها بالإمكانيات البشرية إلا و أنها لم تتصدر المشهد الفني , ما هي الأسباب بنظرك؟ نحن ضحية الوضع السياسي,عندما تكون هناك مشادات بين دول الخليج مثلا و العراق الفنان يقع ضحية, بالأمس مثلا الكويت تمنع من دخول الفنان كاظم الساهر لأنه غنى لرئيسه, أعمالنا كانت تعاني طيلة عشر سنين من الحصار, كنا نضطر لحذف اسم المنتج العراقي و نضع بدله اسم أردني, لتسوق بعدها بإنتاج أردني, و هذا أمر معيب, الحصار يضرب على الشعب بأكمله و بالتالي على طاقاته الإبداعية, لذلك علينا كعرب أن نكسر الطوق السياسي و أن نلتقي بعيدا عن أنظمتنا كناس جماليين.عملية الإعلام العربي أيضا يذهب مذهبا سياسيا و لا يذهب مذهبا حياديا . _ بعيدا عن الإخراج لديك أيضا اهتمامات إنسانية , على سبيل المثال مشروع التجسير الذي حاولتم من خلاله تقريب التلميذ العراقي من الأمريكي, حدثنا أكثر عن المشروع؟ أعتقد أن العراق بعد 2003 مع كل ما رافقه من مخاضات لازلنا نحملها إلى الآن من اقتتال طائفي جلبه السياسيين لنا , نحاول الآن أن نؤسس منظمات المجتمع المدني و هي ظاهرة جديدة عن مجتمعنا,أنا في الحقيقة أنتمي الى منظمة " ليفينج لايت أنترناشينال" هي منظمة أمريكية عراقية رئيستها فنانة اسمها فدوى القراقولي, و كانت دعوتنا أن لا نبكي و أن لا نلعن الضمان, و كان أملنا الطفل العراقي الذي نأمل في أن يكون معافى ليصنع الديمقراطية لشعب حر, كانت هنالك العديد من المنجزات منها التأسيس إلى مركز علاج " قلب الطفل" و الذي عالج الألوف من الأطفال العراقيين الذين يعانون من تشوهات خلقية و كذلك أطفال أجانب, و الغاية من ذلك تحقيق سمعة دولية , تحت تدريب طبيب أمريكي, و من ضمن منتوجات هذه المنظمة الفيلم "أنا الأمل" موجود حاليا باليوتيوب, أيضا مشروع التجسير بين العراق و عدد من دول العالم, و بدأناها مع مدن أمريكية , كان هنالك تجسير بين أحد مدارس العراقية و مدرسة أمريكية, واجهنا أولا مشكلة أن الأولياء يتهمون أطفالنا بالإرهاب الى أن وجدنا مدير هذه المدرسة, و المشكل الثاني أيضا أن عقلية الطالب الأمريكي متقدم جدا, اضطررنا إلى أخذ ثانوية عراقية مقابل ابتدائية عراقية و تناولنا درس البيئة عبر السكايب , و كان درسا مفيدا تعلم فيه كيف يقف و كيف يستنتج, و أيضا انبهر الطالب الأمريكي بعقلية العراقي يومها. _ بعد كل هذه التجارب, كيف تعرف الحياة و الفن؟ الحياة هي الوسط الذي يشكلنا و يشكل تجاربنا و يصنع رؤانا و طرق فهمنا, الحياة هي الوسط المغاير , نحن نتاج أوساطنا الحياتية نتاج بيئاتنا, أما الفن ذلك الكيان المنفصل عن الحياة, كل ما في الفن منظم و تنظيمي, و الفن عملية لها اشتراطات خاصة , الحوار في الحياة لا يشبه الحوار في الفن, المطر حتى الحب, جميع المفاهيم نراها في الفن مضخمة, و بفلاتر عديدة, هو عملية إعادة تدوير لذلك تمر بعمليات مرشحات كثيرة, لذلك الفن منتج لكننا نتاج ذلك الوسط الذي نسميه حياة. _ كلمة أخيرة للجمهور و للقارئ الجزائري؟ على الشعب الجزائري و خصوصا المثقفين أن يرسلوا رسائلهم إلينا, المصريون بواسطة فنهم علمنا حتى طريقة حياتهم في الحياة , لذلك نريد أن نعرف أيضا عن هذا الشعب الذي نعلم عن خلفيته و شجاعته و نضاله و تحديه , لكننا نعرف التفاصيل , نتمنى من هذا الشعب أن يوصل رسائله إلى المشرق العربي, أرى الشعب الجزائري شعب معزول مقارنة بالشعب التونسي , لذلك نتمنى أن يقوم بالتجسير مع شعوب المنطقة, نتمنى أن تكون الجزائر حاضرة في جميع المحافل الدولية, أن تؤسس لإيصال ثقافة هذا المجتمع , ربما حتى الجزائري لا يعرف عن العراقي, لذلك أنا أتمنى أن الشعوب العربية جميعها أن تلتقي عبر منظمات المجتمع الدولي بعيدا عن السياسيين, أنا عراقي اليوم متطلع و مثقف أتوق للحرية , أفاجئ بعد سقوط صدام حسين عندما يسألني الآخر سؤالا متخلفا و غبيا: هل أنت سني أم شيعي؟ أنا عراقي , الدين بيني و بين ربي ألتقي بك كانسان عربي محاولا إبرازا هويتي, لكن عندما تطلب مني هذا السؤال فأنت تريد أن نتقاطع فيما هو متخلف و هابط.كلمتي الأخيرة للجزائريين و التونسيين و المغاربة , أقول افهمونا نحن عراقيون , أبناء الحضارة الآشورية و السومارية و البابلية , لدينا السعي إلى أن نوصل أنفسنا للجميع كجماليين كأبرياء بعيدا عن الهوية الفرعية , نحاوركم بالثقافة و بالعلم, أرجوكم لا تسألونا عن مذهبنا . نحب الجزائر و المغرب و تونس , و لنبدأ في الجزائر عبر برامج معينة لكي نصل بعض, شكرا جزيلا لك سارة على هذا الحوار, و تحية لكل جزائرية و جزائري فيهم امتداد ثقافي. شكرا لكم. حاورته : سارة بانة.