الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالناحية العسكرية الثالثة    دراسة مشاريع نصوص قانونية والاستماع الى عروض عدة قطاعات    أشرف عليه عبد الرشيد طبي: تدشين مجلس قضائي جديد في تبسة    الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    سفير كوبا الجديد يشيد بعمق العلاقات التاريخية بين بلاده والجزائر    نقل جثامين الجزائريين المتوفين بالخارج.. توضيح وزارة الشؤون الخارجية    قسنطينة: تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية للطاقة    البنك الوطني الجزائري: أكثر من 12 مليار دج كتمويلات و35 مليار دج ودائع الصيرفة الإسلامية    فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل إصرار الجزائر    29 جريا خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة للسرعة والتهور    وهران.. ترحيل أزيد من 880 عائلة برأس العين    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    شركة طاسيلي للعمل الجوي: تسخير 12 طائرة تحسبا لحملة مكافحة الحرائق لسنة 2024    "عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تعكس الإرادة الجزائرية لبعث وتطوير السينما"    الصّهاينة يواصلون جرائمهم بالقطاع وعمليات إخلاء بالشمال    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    البوليساريو تدعو مجلس الامن مجددا الى اتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    فلسطين: ترحيب بقرار حكومتي جامايكا وباربادوس الاعتراف بالدولة الفلسطينية    إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب خلال أسبوع    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    عطاف يستقبل رئيس مجلس العموم الكندي    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    غائب دون مُبرر: إدارة لاصام مستاءة من بلحضري    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    فيما وضع حجز الأساس لإنجاز أخرى: وزير الطاقة يدشن مشاريع ببسكرة    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    برنامج استثماري لتفادي انقطاع الكهرباء خلال الصيف    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الإشارة العمومية يعطي إشارة الانطلاق: الشروع في توسعة ميناء عنابة و رصيف لتصدير الفوسفات    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر بإسطنبول    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    تأسيس جائزة وطنية في علوم اللغة العربية    اختتام ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    اجتماع حول استراتيجية المركز الوطني للسجل التجاري    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    تكتل ثلاثي لاستقرار المنطقة ورفاه شعوبها    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    تمنطيط حاضرة للعلم والأعلام    الوقاية خير من العلاج ومخططات تسيير في القريب العاجل    رجل الإصلاح وأيقونة الأدب المحلي    بلومي هداف مجددا في الدوري البرتغالي    ماندريا يُعلّق على موسمه مع كون ويعترف بتراجع مستواه    إشادة ألمانية بأول تجربة لشايبي في "البوندسليغا"    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الحوار يوم 19 - 12 - 2017


18 ديسمبر 1832م:
تاريخ تحويل مسجد كتشاوة إلى كاتدرائية "سان فيليب"
الطيب بن ابراهيم
لا يمكن أن ننظر إلى التنصير بمعزل عن الاستعمار وحبائله وأدواته وأهدافه، فالتنصير أحد أدوات الاستعمار التي سبقته، والتي تحالفت معه، والتي بقيت بعده، فالجواسيس المنصرون أفرادا كانوا أو إرساليات سبقوا الاستعمار ودلّوه على مواطن القوة والضعف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، ليس في الجزائرفقط، بل في العالم الإسلامي من أندونيسيا شرقا إلى السنغال غربا، فكانوا أول من أفاد واستفاد.
يعتبر النشاط التنصيري أكثر الأنشطة الفرنسية التي مورست في الجزائر قبل الاحتلال وبعده، فهو لم يبدأ مع بداية الاحتلال ولم يتوقف مع نهايته، لكنه في عهد الاحتلال وتحت مظلته، استغل المنصرون مآسي الشعب الجزائري من فقر وجوع وأمراض وجهل وتشريد وبؤس وحرمان، وأصبح التنصير يسير على قدم وساق في وضح النهار، على مرأى ومسمع من الجميع، بقوة قانون القوة، ترغيبا وترهيبا. بهذا الأسلوب عم التنصير كل ربوع الوطن، وأصبحت عشرات الإرساليات التنصيرية تصول وتجول، تبتزُّ الجياع والمرضى والفقراء والجرحى، وتستبدل الإنجيل برغيف الخبز أوجرعة الدواء.
كان جيش الاحتلال الفرنسي وضباطه أكثر تنصيرية من المنصرين الرسميين، بقدر ما كان المنصرون أكثر حرصا على مصالح الاستعمار، فعندما احتل الفرنسيون الجزائر، أول ما قدّمه العسكريون كهدية للمنصرين في مدينة الجزائر وحدها عقب احتلالها مباشرة، هو غلق ثلاثة عشر مسجدا كبيرا، ومائة وثمانية مساجد صغيرة، واثنين وثلاثين جامعا، واثنتا عشرة زاوية، وحُوّل مسجد "علي بتشيني" إلى كنيسة "سيدة الانتصار"، وفي وهران حُوّل مسجد "سيدي محمد الهواري" إلى مخزن عام للعسكريين، وفي قسنطينة حوّل مسجد "صالح باي" إلى كنيسة، وفي تلمسان حوّل مسجد "أبي الحسن" إلى متحف، وفي معسكر حوّل مسجد "العين البيضاء" الذي أعلن من على منبره الأمير عبد القادر الجهاد إلى مخزن للحبوب للجيش الفرنسي. هكذا كان حال المساجد المحظوظة حُوِّلت لكنائس أومخازن، وغيرها دُنِّس وحُوِّل لإسطبلات.
لكن يبقى الحدث الأبرز في مساجد الجزائر كلها هو مسجد كتشاوة الذي تم الاعتداء عليه، وارتكبت به أبشع مجزرة في تاريخ مساجد الجزائر إن لم تكن في العالم، إنه المسجد التاريخي الذي بناه العثمانيون سنة 1022ه الموافق 1613، وتم توسيعه في عهد حسن باشا سنة 1794، والموجود بمدينة الجزائر، وكان من أجمل المساجد بطابعه الهندسي والفني، وشكله العمراني، فتم اختيار التحفة المعمارية من طرف الجيش الفرنسي، وحُوِّل لكنيسة للفرنسيين، وعندما سمع سكان مدينة الجزائر بما يُبَيَّتُ لمسجدهم هرعوا له بالآلاف لمنع تحويله لكنيسة، واعتصموا بداخله وخارجه لضيق مساحته التي لم تتسع للجميع، واستماتوا في منع تحويله لكنيسة، وكان ذلك الاعتصام فرصة للجيش الفرنسي بقيادة الجنرال "دو بونياك" المتعصب، الذي هاجم جموع المعتصمين العزل بتاريخ 18 ديسمبر سنة 1832م، فقتل منهم أكثر من أربعة آلاف معتصم، وجرح مثل ذلك، وأُخْرِجت المصاحف الموجودة بداخل المسجد، وتم حرقها في الساحة الملاصقة له، التي غصت بجثث الشهداء المدافعين عن مقدساتهم، وأصبحت منذ ذلك تعرف ب"ساحة الشهداء"، وحُوّل مسجد كتشاوة إلى كاتدرائية، أطلق عليها اسم "سان فيليب"، وأقيمت به أول صلاة عيد الميلاد ليلة 24 ديسمبر سنة 1832م بزعامة القس "كولان"، قبل أن يهنئهم البابا غريغوار السادس عشر على الإنجاز، ويرسل لهم تماثيل القديسين.
ما يلاحظ عندنا في الجزائر ذلك التلاحم والانسجام اتجاه التنصير، الذي كان قائما بين جميع مؤسسات الدولة الفرنسية الدينية والمدنية، وأجهزتها الاستعمارية، فمُوِّن التنصير بالكفاءات العلمية الكبيرة، وأنفقت عليه الأموال الطائلة، وعقدت له الملتقيات الدولية "ملتقى قسنطينة"، وبذلت لرعايته جهودا مضنية، وكان التنسيق قائما على أعلى المستويات بين جنرالات الجيش الفرنسي و"جنرالات" التنصير الكبار، أمثال شارل لافيجري في الشمال، وشارل دي فوكو في الصحراء، وكيف كان الجيش يسقط المدن ويسلم مساجدها لرجال الكنيسة لتحويلها لكنائس، وكيف تم الاحتفال العسكري الضخم أثناء تحويل مسجد كتشاوة لكنيسة، تم تحضيره من طرف العسكريين قبل المدنيين، فالفرنسيون الذين كان من مبادئ ثورتهم شعار: "أخنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"، أثناء الثورة الفرنسية سنة 1789، أصبحوا في الجزائر كلهم رجال دين مع الكنيسة يجتهدون لتنصير الجزائريين.
بعد استقلال الجزائر، وبعد أكثر من مائة عام مرت على تحويل الاحتلال الفرنسي المسجد إلى كنيسة، استرجع جامع كتشاوة هُويته الإسلامية، وأقيمت به أول صلاة جمعة في عهد الاستقلال، بإمامة رئيس جمعية العلماء المسلمين، الشيخ البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه، بتاريخ 4 جمادي الثانية سنة 1382ه، الموافق ل2 نوفمبر سنة 1962م، وهي الخطبة التي نقلت مباشرة على أمواج أثير الإذاعة الوطنية الجزائرية، وحضرها عدد من مسؤولي الدولة وبعض وفود البعثات الإسلامية وجمع غفير من المواطنين، وكان يوما تاريخيا مشهودا عبّر فيه الجزائريون عن فرحتهم وسعادتهم بعد تحرير مسجدهم، بعد أن حررت أرضهم.
لم يكن تحويل مسجد كتشاوة لكنيسة حادثا معزولا حدث في ظل الاحتلال بين الهلال والصليب، بل كان عنوانا لعهد صليبي لم تكتمل فصوله منذ عهد الحروب الصليبية، وحنين كنسي يعود لأيام القديس أغوستين قبل الفتح الإسلامي، وانتقام استعماري لدور الأسطول الجزائري، وتصفية حسابات قديمة جديدة مع الإسلام يعرفها قادة الجيش الفرنسي، وقد قال الجنرال الفرنسي غورو، عندما وقف عند قبر صلاح الدين الأيوبي: " ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"!!.
إن العلاقة القائمة بين الاستعمار والتنصير علاقة إستراتيجية قوية ومتكاملة، فالتنصير هو المكون للمناخ الذي ضمن التبعية للاستعمار حتى بعد رحيل الاستعمار، فالتنصير أبقى وأخطر من الاستعمار، وثبت تاريخيا أن الاستعمار زائل وراحل عاجلا أوآجلا، والتنصير أبقى وأعمق في النفوس والعقول والثقافات، ألم يرحل الاستعمار الاسباني عن أمريكا اللاتينية دون رجعة، لكن بقي التنصير إلى الأبد، وأصبحت أمريكا اللاتينية إسبانية اللسان والمعتقد!، فتحررت جغرافيتهم وفقد تاريخهم!.
هناك فرق بين من يحتل الجغرافيا وبين من يحتل التاريخ، فالجيش العسكري احتل الجغرافيا، والجيش الأبيض، كما قال أبو القاسم سعد الله، رحمه الله، احتل التاريخ، والاعتداء على الجغرافيا أهون من الاعتداء على التاريخ، فنحن اندملت جراحنا العسكرية بينما لا زلنا نعاني من جراح سموم رجال التنصير التي بُثَّت في تعليمنا وثقافتنا، وتقاليدنا، وشككت في تاريخنا، وخلقت النزاع بيننا، فاحتلال التاريخ معناه التحول من الهوية الأصلية إلى هوية أخرى دخيلة، بكل خصائصها الدينية واللغوية والثقافية والانتمائية والحضارية، واسترداد التاريخ أعقد من تحرير الجغرافيا!! .
إن الاستعمار زائل طال الزمن أوقصر، بينما التنصير لا يزول، بل يؤدي لضرب الوحدة الوطنية، ولإيجاد أقلية طائفية تطالب بالانفصال، وتوظف من قبل الإمبريالية، ألم تنفصل تيمور الشرقية المسيحية عن الدولة الأم أندونيسيا المسلمة سنة 2002 بحجة أنها أقلية مسيحية!؟، ألم ينجح الغرب في فصل جنوب السودان المسيحي عن السودان الأم المسلم بنفس الحجة سنة 2011!؟، أليس ما يحدث في جنوب نيجيريا المسيحي وشمالها المسلم قريب من هذا!؟، أليس هذا ما فشلت فرنسا في تحقيقه في مناطق محددة في الجزائر شمالا وجنوبا !!؟، لكنها لحد الساعة لم تمل ولم تكل، ولا زالت تحوم حول الحمى تحت عدة مسميات..!!. وإذا كان الاستعمار يؤدي لاستنزاف الثروات والموارد، فالتنصير يؤدي لانفصال الجغرافيا عن التاريخ!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.