مما لا ريب فيه أن للثقافة دورا معتبرا في أنسنة بني آدم ، وتهذيب الطباع التي تنزع دوما إلى الحسد والغيرة والعنف، والأكيد أنه بالثقافة والتأهيل ينتقل الإنسان من الحالة الطبيعية الحيوانية إلى الحالة الإنسانية، مع الأخذ في الحسبان ماهو معروف أن كل مولود يولد على الفطرة، إذ المقصود هو سلامة الفطرة ابتداء ثم تأتي بعد في حياة المرء العوادي التي تؤثر على صفاء المرآة التي تحيط بهذه المضغة، التي إن صلحت صلح الجسد كله وبعد ذلك صلاح المجتمع، والتي إن فسدت فسد الجسد كله ، ومن بعد ذلك أيضا فساد العالم. لا يخلو أي مجتمع من العنف، لأنه جزء من الطبيعة، هذه الطبيعة التي تقوم على العنف، وقوامها أيضا على قانون البقاء للأقوى، والذي يعني في نهاية الأمر عدوان الكبار على الصغار، والسمك الكبير يأكل صغارها، والأشرس من الحيوانات يأكل الأضعف وهكذا دواليك، هذه سنة من سنن الكون، وربما قال أحدهم : نحسب أنك تنصر مذهب البقاء للأصلح، وأقول: الصلاح في حد ذاته قوة ، ولا يمكن للأصلح أن ينشر ثقافته وأفكاره إلا إذا حملت هذه الأفكار المبشر بها قوة في ذاتها ، تفيض عليها هالة من الاحترام ، تجعل متلقيها يقتنع ولا يماري في وضوحها وقوتها، هذه الثقافة التي تحول الإنسان المنطوي في ذاته على طاقة هائلة من العنف، وتروض المارد بداخل كل نفس بشرية لتتسامى به عبر الفكرة الصواب ، والكلمة الطيبة ، والعاطفة النبيلة الجياشة بالرحمة والخير المعنية بعد ذلك بتهذيب حتى فنون الشعوب وآدابها وقيمها.... لذلك فعندما يعود العنف فيتفجر في مجتمع من المجتمعات، فإنما يدل ذلك أكثر مايدل على وجود عطب ما أو اختلال في نظام الثقافة والتأهيل في المجتمع بمعنى تغليب بنود على بنود ، تدخل فيه معايير الخيرية الموهومة أو المزعومة، كما اعتقد اليهود قديما أنهم أبناء الله وأحباؤه، أو كما زعم الألمان حديثا أن جنسهم الآري أحسن الأجناس وأرقاها وأفهمها وأذكاها ، لذا فما عاد هذا النظام قادرا على ضبط القوة العنفية الكامنة في الأجساد كمون نيرانها في الأحجار. والأمر سيان عندما ينفجر هذا العنف على مستوى العلاقات بين المجتمعات والدول، فإنه يدل أيضا على هذا المذكور من الاختلال والاعتلال أو العطب في هذه المنظومة القيمية، التي قد تتجلى في ثقافة عالمية حضارية، أو في قانون دولي والذي لا نعرف إلا أنه قُنن أساسا ليضبط العلاقات بين الدول، فإذا به يستغل أسوء استغلال وإذا به من فوضى الاستخدام لقوانينه، والازدواجية في تطبيقه ، مايعلمه القاصي والداني، وطالما كان تمطيط هذه القوانين وفرضية تطبيقها في مصلحة الطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف. وإنك لتعجب من سكوت فاضح مريب من هذه الدول تجاه كيان قام على الإرهاب ، والتطهير العرقي لأبناء البلد الممتدة جذورهم آلاف السنين، لصالح الوافد الجديد ، الذي لم يعمر هذه المنطقة غير أويقات معدودة في ميزان التاريخ البشري، والسكوت عن جرائم كانت ملء سمع العالم وبصره تبجح بالقيام بها شواذ ومعتوهون ومرضى نفسيون قادوا هذا الكيان. وتتبع من قام بتهذيب فئام من البشر حاولوا التمرد على كيان الدولة القائم وخلخلة نظام سائد ، فيه مافيه من كثرة التساؤلات وعلامات الاستفهام، لصالح من يحسب هذا التمرد؟..... بالمختصر المفيد غياب ثقافة أصيلة وقواعد رصينة تقوم على التأليف بين البشر وتعمل على تواصلهم وتفاهمهم سيؤدي حتما إلى طغيان العنف الطبيعي. وللحديث بقية عن فلسفة الثقافة التي ندعو إليها ، ونعتبرها أصيلة، والتي تتجاوب مع أشواق وطموحات بني الإنسان .