سعداوي يجتمع مع إطارات الوزارة ومديري التربية..تعليمات للتواجد الميداني وضمان دخول مدرسي ناجح    المجلس الشعبي الوطني : الجزائر تشارك في أشغال جمعية برلمانية لرابطة "آسيان" وإجتماعات البرلمان الإفريقي    أشغال عمومية: اجتماع عمل لضبط البرنامج المقترح في مشروع قانون المالية 2026    رشيد بلادهان من جنيف.. اعتداء الكيان الصهيوني على الدوحة "جريمة نكراء" يسجلها التاريخ    ندوة دولية غدا الأربعاء بأوسلو حول واقع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية    زيد الخير يستقبل السفير فايز أبو عيطة.. بحث سبل تعزيز التعاون الفكري والديني والثقافي بين الجزائر وفلسطين    حضور جزائري في سفينة النيل    جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي : "جلسة الجزائر" المحطة الأولى يومي 18 و19 سبتمبر    المجلس الأعلى للغة العربية: اجتماع لتنصيب لجنة مشروع "الأطلس اللساني الجزائري"    ضرورة تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    محرز يتألق    ألعاب القوى مونديال- 2025: تأهل الجزائريان جمال سجاتي و سليمان مولى الى نصف نهائي سباق ال800 متر    الجزائر العاصمة : تنظيم معرض جهوي للمستلزمات المدرسية بقصرالمعارض    دخول مدرسي 2025-2026 : إطلاق قافلة تضامنية لتوزيع المحافظ المدرسية على الأطفال بالمناطق النائية    العدوان الصهيوني على غزة: 16 دولة تعلن عن دعم "أسطول الصمود العالمي" وتحذر من أي اعتداء عليه    تجارة: إقبال واسع على جناح الجزائر بالصالون الدولي للصناعات الغذائية والمشروبات بموسكو    منصب جديد لصادي    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    وزير الشؤون الدينية يعطي إشارة انطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    الأمم المتحدة تؤكد أن العدوان الصهيوني على قطر "انتهاك صادم" للقانون الدولي    معسكر: انطلاق الحفريات العاشرة بموقع "رجل تيغنيف القديم"    الجزائر تشارك في اجتماعات البرلمان الإفريقي بجنوب إفريقيا    تنصيب سويسي بولرباح مديرا للمدرسة الوطنية العليا لتكنولوجيات الإعلام والاتصال والبريد    قرابة 29 ألف تدخل خلال السداسي الأول    اختتام مخيّم ذوي الاحتياجات الخاصة    مجوهرات ثمينة.. سبيل ثراء نسوة    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعاً    العُدوان على قطر اعتداء على الأمّة    الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا    شراكات جديدة لشركة الحديد    تقديم كتاب سفينة المالوف    دعوة إلى تكثيف الأبحاث والحفريات بالأوراس    إطلاق الأسماء على الأولاد ذكورا وإناثا ..    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    التجارة الداخلية رافعة للاستقرار    القديم في قلب النظام الدولي الجديد    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    الحكومة بنفس جديد لبلوغ الرهانات الاقتصادية    التزام بتنفيذ سياسات رئيس الجمهورية    دعم التعاون العسكري الجزائري الروسي    تنظيم صالون الواجهات والنّوافذ والأبواب الأسبوع القادم    بلمهدي يهنّئ الأئمّة وموظفي القطاع    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    بن طالب يتألق مع ليل الفرنسي ويحدد أهدافه    37 مكتبة متعاقدة لتسهيل اقتناء الكتب المدرسية    188 عملية تخريب تطول المنشآت الكهربائية    وجه جديد لمداخل عاصمة الأمير عبد القادر    85794 تلميذ مستفيد من المنحة المدرسية    العدوان الإسرائيلي على الدوحة : اجتماع طارئ مجلس حقوق الإنسان اليوم    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج الحذر عند النبي صلى الله عليه وسلم ورفض أسلوب المغامرات
نشر في الحوار يوم 01 - 06 - 2018

مع أنّ الله سبحانه تكفّل بحفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم من أيّ استهداف محتمل، أو أي اغتيال متوقّع، فأمره أن يبلّغ رسالته دون أن يخشى الناس، فقد تكفل الله بحفظه: " يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " مع ذلك، ومع اليقين أنّه مسنود بجبريل وميكائيل، والملائكة بعد ذلك ظهير، إلا أنّ المنهج الذي سيسلكه النبي صلى الله عليه وسلم في التمكين لدعوته، سيكون منهج الحذ، وفتح العيون على العدو، ومعرفة ما عنده من القوة والقدرات والإمكانات، وقراءة تضاريس الواقع السياسي والاجتماعي بمهارة، قبل الإقدام على أي خطوة فيها جرأة وتحدّ، هكذا كانت مفردات مدرسته صلى الله عليه وسلم، عدم إغفال الواقع المحلي ولا الواقع الإقليمي ولا الواقع الدولي، ومنهج الاستكفاء بقوة الإيمان وممارسة شعائر التعالي به من غير أهبة واستعداد هو منهج للخوارج، ولكل الفرق المنحرفة قديما وحديثا " لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة ".
لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكل تدابير الحيطة والاحتراز في مكة، ولم يعرّض جماعته الأولى لخطر الاستئصال والاستحصاد أبدا، فمن الصبر إلى السرية إلى الهجرة واللجوء إلى دولة مسيحية نظامها عادل، إلى البحث عن مناطق آمنة، إلى الهجرة المباركة، كل هذه المرحلة تمت من غير أن تسجّل أيّ مغامرة في التحرّك، ماعدا ما سجّل من أحداث بسيطة ومعدودة يسمح بها المنهج للتنفس، أو إظهار عزة الإسلام، كجهر أبي ذر بكلمة التوحيد بمكة وما ناله من أجل ذلك من الأذى، وجهر ابن مسعود بالقرآن في مكة، وجهر عمر بن الخطاب بإسلامه، وتحدي سمية لجهاز الشرك والضلال ورفض الرخصة حتى ماتت تحت التعذيب.
وفي المدينة ومع البدايات الأولى لنشأة الدولة، سيتصرف النبي صلى الله عليه وسلم بحكمة عالية، بعد أن عرف مكونات سكان المدينة، وتعرّف على التركيبة اليهودية التي كانت تسيطر ماليا واقتصاديا، ولها بعض النفوذ في التفسير الديني، فهم أهل كتاب، وكان سكان المدينة يتأثرون ببعض تفسيراتهم الدينية، في الرقية والجن، وبعض العادات الاجتماعية، فقد كلّف النبي زيدا بدراسة السريانية والتعرف على الديانة اليهودية، ووضع وثيقة معاهدة ينظم فيها حركة الأمن داخل المدينة، ويلزم جميع السكان مسلمين ويهود وغيرهم، بواجب الدفاع ضد أي تهديد أمني يمس المدينة، وهذا من الفقه الإستراتيجي القائم على فن التوقع.
تجنّب النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلوب فتح المعارك مع الجميع، وقلّل من المواجهة إلا عند الضرورة، ومارس حقّ الردّ بقدر محدود دون أن يوسع الرد لجميع الكفار أو لجميع اليهود، فعندما أخطأ بنو قينقاع وخانوا الاتفاق، واجههم لوحدهم دون أن يورط قبائل اليهود الأخرى في المعركة، ومثل ذلك عندما واجه بني النضير بعد رفض دفع دية العامريين ومحاولة قتله، واجههم وأخرجهم من ديارهم، دون أن يتعرّض لقبيلة بني قريظة ولا خيبر بأي أذى، وهذا من الفقه الدقيق، والمهارة في التحرك، ومن العدل الذي جاء بها الإسلام.
أما المنافقون فمع علمه الذي علّمه الله بحالهم، بل وبكفرهم وبمؤامراتهم، ظل يعاملهم كمسلمين، لا يستهدف أشخاصهم، ولا يحرّض ضدهم، بل يلاينهم، ويغدق عليهم ويعفو عنهم رجاء استئلاف قلوبهم، ومنعا لهم من أي تحالف قد يعقد مع قريش التي كانت تريد استهداف المدينة.
وفي معاركه التي خاضها، وهي 94 تحركا عسكريا، منها 27 غزوة، مارس فنون المهارة والحذر، وتجنّب ثقافة الاندفاع والهيجان، كما كانت عادة العرب في القتال، مارس فنون التنظيم في المعركة " تبويء المؤمنين مقاعد للقتال"، ولأول مرة عرف العرب معه فكرة الميمنة والمسيرة، والوسط والمقدمة، والمؤخرة في القتال، وسيمارس فنون التخطيط قبل الدخول في أي مواجهة، فلا يدخل المعركة حتى يعرف عدد العدو وعدته كما فعل في بدر وفي أحد وفي سائر المعارك، وكان دائما يسأل: "كم عددهم ؟"، وأرسل العيون (الجواسيس)، وكان يوظف قبيلة خزاعة كعين له على قريش لقربها وللعداوة التاريخية التي كانت بينها وبين قريش، ويمارس فنون التدريب وتأهيل المقاتلين، ويجتهد في الوصول إلى منطقة المواجهة قبل العدو، وغالبا ما يختار الاحتماء إلى ظهر جبل، كما فعل في أحد، ويجعل الشمس في ظهر مقاتليه لا في وجوههم، واستوى عنده الإقدام والإحجام إذا كان الهدف حماية الجيش من الاستئصال، فقد سمّى الهاربين من مواجهة خاسرة حتما بالكرار، فقال: "هم الكرار وليسوا بالفرار"، ومدح خالد بن الوليد الذي فرّ بجيش مؤتة في حركة انسحابية حربية إبداعية، ونجّى الجيش من محرقة مؤكدة، فسماه سيف الله، فلقد كان يأخذ بتوجيهات القرآن: " وخذوا حذركم " وتعلم فقه صلاة الخوف، وكيف يجمع بين الصلاة وبين الحراسة والاستعداد للمواجهة في أي لحظة، وعلمه ربه العدد الواقعي في المواجهة، فقال: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين"، وهذه الآية تضبط قوله تعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة"، فتمنع خيال الوعاظ من الاسترسال في الوهم، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرك بواقعية، ويدرس العدو، والظروف والفرص المتاحة، ويقدم متى كان القدوم مفيدا، ويتريث متى كان التريث هو الأنفع، ويحجم عن المواجهة متى كان ذلك أفضل، هندسة للفقه الدقيق في التحرك دون تعريض الأمة للخطر ولا الأوطان إلى المهالك والمحرقات، ويختار مساحات السلم والعافية متى أتيحت، ويفضلها، فهو صاحب دعوة يبحث عن إيصال فكرته للناس جميعا، وأن يخلّى بينه وبين الناس، أما المغامرة استكفاء بالإيمان ولغة التعالي به، فهو منهج بدعي مخالف للمنهج الأصل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.