نُشر قبل فترة على صفحات بعض الجرائد خبر مفاده إقبال بعض الأفراد في الغرب الجزائري على حجز أماكن لهم وسط الموتى قبل أن يأخذ الله أمانته، يختارون فيها الصحبة والرفقة، والمكان المعرض للشمس أكبر فترة ممكنة من اليوم، لاسيما في أيام الشتاء القاسية ريحها البارد طقسها. وقد نتج عن هذا التصرف في تلك المناطق تنافس محموم على ''الشبر'' الذي سيضم رفاتهم، والمكان الجميل لمن يدفع أكثر بطبيعة الحال وفقا لما جاء في تلك التقارير الصحفية، وما على ''الزوالي'' إلا البحث عن ما تبقى من تركة المقابر، والتنافس على ما عافه أصحاب ذلك الإبداع العبقري، ونزهوا أنفسهم على أن يتخذوه مستقرا إلى حين النفخة في الصور. والحال هذه دليل على سوء تصرف البعض زمن الرخاء والترفه، وهو مذكر بما قام به أحد وجهاء بلاد قريبة منا قبل أكثر من عشرين سنة، حين بنى لنفسه قبرا أو بالأحرى قصرا تحفة، فيه كل ضروريات الحياة قبل الموت، من تلفاز وفيديو، وثلاجات، ولوحات زيتية، وقاعة استقبال تليق بمقامه ومقام الضيوف، حتى يخيل لك أن الرجل قد جعل من قبره روضة من رياض الجنة، بل جعل منه معلما سياحيا يجلب الكثير من عشاق الغرائب في العالم، وهو ما حدث بالفعل. والخلاصة أن الرجل مات بعد ذلك، ودفن كغيره من البشر في قبر حث فوقه التراب بعد أن تغيرت الموازين، وأمّم قصره عفوا قبره، وانتهى به المطاف بسيطا مع البسطاء، وهو الحال الذي سينتهي إليه هؤلاء الذين لا ينقصهم إلا استحداث وكالات عقارية لحجز القبور وفقا للمعايير الدولية، والفخامة لمن يدفع أكثر، ولن يبقى أمام هؤلاء إلا التفاوض مع ''عزريل'' لتمرير بعض متطلبات الرفاهية تحت الأرض، ولله في خلقه شؤون.!!!