إن كل دولة تخرج من قبضة الاستعمار يتحتم عليها دائما بناء السلطة قبل بناء الدولة، و في هذه المرحلة غالبا ما يكون التغني بالاستقلال و الفخر و المجد بالأبطال الأحياء و نسيان الموتى. و من ثم تبدأ رؤية الأبطال تأخذ قدسيتها على حساب كل ما تحمله الكلمة من تسيير وتنمية علمية و تكنلوجية للبلاد. ومن تغنى بالبطل فهو بطل و من لم يتغنى فمشكوك في أمره، و من تعنت فسبيله الخروج من الملة و الخيانة للوطن و للحاكم. . يكون استمرار هذا الوضع حسب ما يقدمه هذا الحاكم من جرعة لشعبه و ما تمليه الظروف و المعطيات الميدانية و الموروث الاجتماعي و الثقافي و العقائدي و المحيط الخارجي. فيصبح بذلك الكل يغني و يرقص على وتره لا غير، فالفئة التي خرجت عن طاعته تبقى حتى حين في طي النسيان بالنسبة للشعب و لو كانت رؤيتها هي الصائبة، لأن كل الوسائل التي من شأنها إعطاء و لو جزء من الحقيقة للراي العام متحكم فيها. فباسم هذه الشرعية تسير البلاد، فيكون القائد فيها هو الأعظم و المقدس و في بعض الأحيان الأب الروحي في كل ما يتعلق بشؤون البلاد و العباد ، فتحتها ينطوي الشعار الديني و الثقافي و التكنلوجي فكل ما لا يصب في هذا الاتجاه من وجهة نظر او عمل هو مرفوض و غير مقبول و حتى مطرود من الملة. و كل ما ينتهج و ينجز في ذلك المجتمع يصبح تسيير مقدس لا سواه سواء كانت النظرة شيوعية او اشتراكية او رأسمالية، و يطبق هذا الوضع على جميع الدول التي تخلصت من الاستعمار وكانت ثورتها بقيادة زعيم واحد. لأن في حقيقة الأمر، طبيعة الإنسان لما يتقلد المسؤولية في هذه الحالة بالذات و بدون حنكة ولا تجربة في القيادة، يغزوه المحيط المغني بالعاطفة و المجد و الفخر و الزعامة و من ثم تجعل القوانين على المقياس و تولد بذلك مع مرور الزمن نوع من دكتاتورية الرأي و ديمقراطية الأزمة. يتخذر الشعب منها في هذه المدة و تصعب الصحوة و تصبح غير موثوق فيها احيانا. هناك استثناء نسبي في حالة ما تكون الثورة بقيادة جماعية يقودها الشعب برمته ويحتضنها، يريد أن يتخلص من البطش و الحرمان و الجوع و البؤس و لو بثمن حياة افراده حتى يعيش الأخرون، هناك مقولة سأسأل عنها التاريخ انه من بين العوامل التي من أجلها هب الشعب الجزائري لاحتضان ثورته التي خلدها التاريخ، هو بطش القياد و الباشاقات الذي زاد الطين بلة زيادة على العوامل الأخرى. و هنا أيضا نستثنى بعض الحالات في الدول التي لم تعرف الاستعمار و عرفت حروب داخلية فقط.