''لا أريد الانتظار كثيرا، أريد العودة إلى الجزائر فورا''..كانت هذه آخر أمنية تمنتها أميرة الطرب العربي، وهي تودّع الدنيا، تاركة حزنا عميقا في قلوب الجزائريين والمصريين والعرب جميعا، الذين تربى جيل كامل منهم على صوتها الطربي واللؤلؤي الأصيل، الذي صدح للحب والوطن، فقالت للجزائر ''بلادي أحبك'' و''عدنا إليك يا جزائرنا الحبيبة'' وللحبيب ''لولا الملامة''. بمنتهى الرقة والحب والجمال عودتنا على طلتها الملائكية، وفي لحظة صمت رهيب ودعتنا قبل أن تشارك حبيبتها البيضاء، وهي تحتفل بمرور خمسين سنة على الاستقلال، فقد كانت و بلا منازع أيقونة الاحتفالات الوطنية بالبلاد، لكن الموت باغت فجأة وردة الجزائر، يوم الخميس 17 ماي الماضي عن عمر يناهز 73 عاما، إثر إصابتها بأزمة قلبية، ألمت بها أثناء نومها في منزلها بالقاهرة..لتنتقل إلى الرفيق الأعلى ويلتحف الجزائريون السواد حزنا لا سبيل للفكاك عنه على شريكة الثورة الجزائرية، حيث كانت تحظى الراحلة بترحيب كبير على المستويين الشعبي والرسمي.. وكأنها شعرت بأن الموت كان قد اقترب منها .. فسارعت لعمل فيديو كليب لأغنية ''مازال واقفين''، بمناسبة خمسينية الاستقلال، فلا طعم ولا نكهة لاحتفالية عيد الاستقلال بدون وردتنا التي أمتعتنا وأطربتنا بحنجرتها الذهبية طوال السنوات الماضية..لتعود إلى أحضان حبيبتها الجزائر ليحضنها ترابها التي أبدعت وقالت أرقى وأجمل الكلام من أجله. ولدت وردة فتوكي في فرنسا عام 1939 لأب جزائري وأم لبنانية، وبدأت الغناء من فرنسا، حيث كانت تؤدي أغاني أم كلثوم واسمهان وعبد الحليم حافظ، وعادت مع والدتها إلى لبنان، وهناك قدمت مجموعة من الأغاني الخاصة بها، وكان موعدها مع الشهرة في فيلم ''ألمظ وعبد الحامولي'' سنة 1960، الذي قدمت فيه دور البطولة، وأدت فيه أغاني نالت شهرة واسعة على غرار: ''يا نخلتين في العلالي'' و''روحي وروحك حبايب''. واشتغلت أميرة الطرب العربي مع أبرز وأهم ملحّني وشعراء العالم العربي، من بينهم محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، فريد الأطرش وسيد مكاوي.. وكم تشتاق الأذن العربية إلى سماع حنين صوتك في ''بتونّس بيك'' وثقتك من نفسك وأنت تغردين ''حرّمت أحبك''، ومداعبتك لبراءة الأطفال ب''عندي بغبغان''. رحيل وردة الجزائر التي أزهرت على مختلف مسارح المعمورة، جاء كالصاعقة على الشارع العربي بل أشد وقعا، فكل من عرفها وعاشرها أحبها كإنسانة قبل أن يحبها كفنانة، فقد كانت تبسط يديها لمساعدة المحتاجين، وتفتح أبوابها أمام كل من يقصدها، فرحلت عنا في لحظة مهيبة، لكنها ستظل بداخلنا وسنظل نردد ونعيش على أوتار إرثها الطربي الأصيل..الوداع الوداع يا وردة.