وزير الاتصال: الانتهاء من إعداد النصوص التطبيقية المنظمة للقطاع    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحفيون الفلسطينيون قدموا مئات الشهداء وهزموا رواية الاحتلال الصهيوني الكاذبة    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    اليوم العالمي لحرية الصحافة: قفزة نوعية وانطلاقة جديدة للإعلام الوطني    قسنطينة: صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    أكثر من مليون ونصف مترشح لامتحاني شهادة البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط دورة يونيو 2024    العدوان الصهيوني على غزة : أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض    منظمة العمل العربية: العدوان الصهيوني دمر ما بناه عمال غزة على مر السنين    رسائل قوية وجريئة من " دار الشعب"    منتدى الدوحة يدعو لبناء تكتل اقتصادي وسياسي عربي آسيوي: إشادة واسعة بجهود الجزائر لنصرة القضية الفلسطينية    المصلحة الجهوية لمكافحة الجريمة المنظمة بقسنطينة: استرجاع أزيد من 543 مليار سنتيم من عائدات تبييض الأموال    الوالي أكد بأن قسنطينة تحضّر لزيارة رئاسية كبيرة: تدشين طريقين وملعبين و وضع حجر الأساس لمشاريع تربوية وصحية    رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل: مقاربات الجزائر تجاه قضايا الاستعمار قطعية وشاملة    مدربة كبريات النادي الرياضي القسنطيني فرتول للنصر    الرئيس تبون يؤكد بمناسبة عيد الشغل: الجزائر في مأمن والجانب الاجتماعي للدولة لن يزول    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    تدعيم الولايات الجديدة بكل الإمكانيات    رئيس الجمهورية يحظى بلقب "النقابي الأول"    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي شهد إقبالا كبيرا للجمهور    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بخصوص شكوى الفاف    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    الجزائر في القلب ومشاركتنا لإبراز الموروث الثقافي الفلسطيني    اجتياح رفح سيكون مأساة تفوق الوصف    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    العلاقات بين البلدين جيدة ونأمل في تطوير السياحة الدينية مع الجزائر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    حملة وطنية للوقاية من أخطار موسم الاصطياف    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تتويج إسباني فلسطيني وإيطالي في الدورة الرابعة    الزّوايا.. عناصر استقرار ووحدة وصروح للتّنوير    المجلس الشّعبي الوطني يشارك في الاجتماع الموسّع    تكريم مستخدمي قطاع التربية المحالين على التقاعد    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    الخطوط الجوية الجزائرية تعلن عن فتح باب الحجز عبر الإنترنت لعرض "أسرة"    افتتاح المهرجان الدولي ال6 للضحك بالجزائر العاصمة    قطاعا التجارة والمؤسسات الناشئة يعملان على رقمنة عملية إنشاء الشركات    خنشلة: الوالي محيوت يشرف على إحياء اليوم العالمي للشغل    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إخصاء الرسمي و إخصاب الإثني في رواية ''نادي الصنوبر'' لربيعة جلطي
جمالية التموقع
نشر في الخبر يوم 04 - 01 - 2013

تتعانق الرواية في شكل حواري جذّاب يعكس سلطة الأنثى التي أن تخترق المذكّر الذي دجن الخطاب نظير تلك المركزية التي استلبها فقهيا، تلك المركزية التي أعلت من قيمة الفحولة المدجنة المغشوشة في مجتمع العبيد وبأخلاق العبيد هذه المركزية راقصتها المتلفظة /الساردة في شكل تحرير للأنثى من سلطة مفرغة خاوية، إنها عودة فجائية للصوت الهامشي الذي يأتي من بعيد ليدمر وحدة النص المتناهية في الشكل.
الرواية تمارس إغرابا تيمياتيا للعالم وللفضاء، في زمن عجّت النصوص بالدماء وازدحمت بالأصوات الغربية، وصارت الأصوات أشبه بفيلم بوليسي معروف النهاية، لكن رواية ''نادي الصنوبر'' حملت معها بشارة سردية للمخلّص الذي سيزرع الأمل ويجدّد الوهن في نص التسعينيات الدموي، مع ما لهذا النص من مكامن للقوة في جوانب أخرى. إنها سردية تتحدّث عن الآخر المنسي فينا، الآخر الذي يسكن جغرافيتنا، ويضخ جيناتنا، إنه الأنا التي لم نفهمنا ولم نحسن تقدير تصوّر ''أناها'' في بعد واحد جعلناه قالبا وأحلناه على سرير بروكست، كل من خرج عنه قطعنا رجليه أو وسطه، هذه الأنا المتورمة من جهات ومنظورات مختلفة، فالرواية هنا وضعتنا أمام أسئلة غاية في الخطورة والدقة تنم عن وعي عميق بمسألة الكينونة، وذلك السؤال الذي ظننا الإجابة عنه سهلة وبسيطة.. من الجزائري؟
هل هو ذلك التصدير الأوحد أم إنه المتعدد الذي لا صورة له، حين يكثر المتعدد تضيع الواجهة الرسمية وتصبح أوجها، وتضمحل الثقافة الرسمية التي رسمت لها سياجا طويلا من الكرنفاليات والشعبويات، وروجت لبعد واحد للإنسان /الرسمي صورة بسيطة وتقعيدية لنموذج الاشتراكي الوطني المؤمن /ثالوث نحت له شخصية فائضة عن الحاجة، هذه الأحادية في الشكل والمرجع ما فتأت ترسخه دولة ما بعد الاستقلال لكن رواية ''نادي الصنوبر'' في تصوري قوّضت الأساسات الهشة لذلك البناء، حيث حاولت تحرير ''الجزائرانية'' من معجمية السلطان ومن استخداماته الفضّة التي صارت أقرب إلى اللعب المرسوم لأغراض سياسية تطمس كل الحقائق التاريخية. هذه الوحدة لا تعبر عن المتعدد الإثني والصوتي في الحكاية، هنا فقط يقف الخطاب المؤسساتي /السلطاني على إفلاسه، بل نلفيه خطابا مجوفا من الداخل مهزوزا ومناقضا لأشكال التراكب التاريخي، الطوارق، القبائل، بني ميزاب، والشاوية.. تلك المسكوتات عنها التي كلما توحدت في الخطاب الرسمي أفقدته أنظمته السيميائية المختلفة، لأنها لا متوائمة، حيث يريد الخطاب الرسمي أن يجعلها صوتا واحدا وممثلا واحدا عن الثقافة. وحدها الرواية من خلّصت التمثيلات المختلفة لمدلول جزائري لنجد أنفسنا في فضاء أعمق /متلاحق / على حالات اللاتجانس في التظهير السيميائي للشخصية الجزائرية من جهة الثقافة، فالتنميط أقصى المتعدد الثقافي وجعله يقف برجل واحد، لكنها رجل مصطنعة فاقدة لسمة التداعي والحركة، فهي ثقافة منقوصة من الحب ثقافة موجهة ومأمورة، ثقافة من فوق وليست متحركة بمنطق التشارك، القوة ليست في الواحد بل في المتعدد، فهذه اللفظة ''جزائري'' تعكس الأبعاد والمنظورات المختلفة للدلالة الرمزية للصوت في الرواية والدلالة الإثنية في الواقع. الكينونة هنا أو هناك ليس سؤالا مباشرا، فتلك تشكيلات الدزاين المتزمن أو المتزامن.
فالرواية تحيلك على حالة التمثيل القوي العائم للتأنيث العائم على حساب إخصاء المذكر، حيث تستل الأنثى الحكاية غصبا، نتيجة مركزية نابعة من مجتمع أموسى/ مجتمع الطوارق، فالتذكير هنا يعدّ تظهيرا تأثيثي فقط للفضاء تشتغل الأنثى على طول الخطاب، انطلاقا من من مفصلين أساسيين:
-مفصل استباقي ؛ وهو واجهة أولية للرواية، حيث توجه الحاجة ''عذرا'' التارقية حكايتها لمجموعة من البنات، في شكل استباق للدخول في القصة.
-مفصل استذكاري وهو الحكاية ذاتها، السيرة الذاتية وتعتمد الرواية على تيمة غاية في الدقة هي تيمة ''التموقع''، حيث تتخذ الشخصية الفاعلة جملة من الوضعيات السردية، ينطلق من الحكاية في اتجاه مختلف، وهو توليد للضرورة الحكواتية نتيجة التحريك الذي تتخذ الفاعلة /الحاجة عذرا كل مرة، وهي وضعيات تتموقع فيها الحاجة عذرا لتمفصل الرواية، وفق ثلاثة تخارجات سردية مهمة:
- الخرجة السردية الأولى طلاق الحاجة عذرا وإعداد حفلة الطلاق.
-الخرجة السردية الثانية ذهاب الحاجة عذرا مع أميرها للخليج.
-الخرجة السردية الثالثة عودة الحاجة عذرا إلى العاصمة.
هذه الخرجات تعطينا مؤشرا سرديا مهما عن التمفصلات العامة للرواية، التي لخصناها في ثلاث وحدات سردية كبرى، وكل وحدة تنطلق من خلال عناصر سميمية صغيرة تشكل توالد الذروة وسقوطها، لتبدأ ذروة أخرى إلى النقطة النووية للسرد التي تحكي حكاية الحاجة عذرا، حيث تتزوج الحاجة عذرا من الشاب الخليجي الوسيم والثري، الذي وقع في غرامها، ولكنها لم تستطع البقاء معه تحت سقف واحد فرجعت بعد مدة للجزائر، وهناك ورثت الحاجة غدرا فيلا بمنطقة نادي الصنوبر، ومن داخل الفيلا ينطق صوت الشاب ''مسعود''، وهو سرد نقيض ضد فعل الحكاية الإطار /حكاية الحاجة عذرا، إنها إحالة إلى كل أصوات الهامش القابعة في قلب المركز، فالهامش لا يعني البيوت القصيديرية في كل الأحوال، وإنما الهامش المتمظهر في شخص مسعود. هامش من نوع خاص، هامش مركب ومعقد في آن، هامش فوق هامش، أو هامش دون هامش. هامش متعلق بالشخص محمول فيه لا يتعلق بالفضاء، لأن فيلا الحاجة عذرا تقع في عمق المركز /السلطة /المؤسسة الرسمية. إن هذا الأمر يعرض أمرا أوسع وأرسخ، لا يعرض لهامشية مسعود الآنية واللحظوية، بقدر ما تحمل داخلها امتدادا ثقافيا للإهدار التاريخي الذي تعرّض له الرجل في المجتمع التارقي. هو نوع من الاستبعاد المجدد، حيث الفيلا فارغة من السكان إلا من الزيارات الظرفية التي تقود الحاجة عذرا، في حين أن الحاجة عذرا تفضّل الإقامة داخل تناقضات الحياة لتمارس وظيفة الأمومية الموكلة إليها في تاريخ نوع من تحيين التاريخي في اللحظة السلطانية المتكلسة.
تعكس الرواية بعدا إناسيا لطالما أهمل في المتخيل الروائي الجزائري، أو إن صح التعبير لا نجد له حضورا قويا في الرواية الجزائرية، وهو البعد الإثني للأطراف المتعددة في الجزائر، فتقريبا النص الروائي الجزائري منمط في بعد واحد يحكي صورة وحيدة، وهي حكاية تابعة لنسق سياسي /حكاية السلطة، أو نصوص المؤسسة الرسمية التي كانت ترى في الجزائري صورة ''العاصمي'' فقط أو الريفي القادم من جهة واحدة.
ما تزال الرواية عندنا تخفي الكثير من الشقوق والبياضات التي لم تكتب بعد، فجاءت رواية ''نادي الصنوبر'' لتعيد كتابة المنسي من تاريخنا المجهول. فحاولت الرواية أن تلعب على تيمة تموقع الإثني ضمن فضاء سلطاني يتسم بالإقصاء واللاتسامح ، فتماوجت الرواية بين أربعة تراكبات للفضاء:
- موقع صحراء التوارق /فضاء الأصل /مسرود إثني مسكوت عنه.
- موقع صحراء العرب/فضاء الانتقال /مسرود هووي ؛ ثقافة مرجعية من جهة البناء السياسي.
- موقع فيلا نادي الصنوبر /فضاء المؤسسة أو السلطة والمركز.
- موقع الشقة/ فضاء الحكي.
تحمل الرواية همّا أنطولوجيا، حيث تعمل على تحليل علقة حضور الثقافة الاثنية في أسِّ الثقافة العروبية فتتحاور الثقافات من خلال علاقة المصاهرة/الزواج، من كونها بيت الحوار الاكثر فعالية بين الأجناس، فيعمل التسريد على فك تلك العلاقة الملتبسة في مشهد الثقافة السلطانية تلك الثقافة العروبية التي صنعت سماء الواجهة المشهدية لتسبعد التراكب التحتي للثقافات الاثنية الحقيقية للجزائر، حيث حصل جذب خارجي بين الثقافة الذكورية /الرسمية والهامشية /التارقية، من خلال تكريس ثقافي مهم للشعر باعتباره ممثل سيميائي دقيق لثقافة المؤسسة /السلطان العربي، حيث مثّل الشعر قيمة الالتقاء الجمالي، وكيف تمكّن الإثني من الانخراط في ثقافة المؤسسة التي استعاضت نماذجها التاريخية بأخرى، نتيجة انتشار آلية الاكتساح التي تفرزها الثقافة الامبراطورية عادة، ولأن الثقافة العروبية بأنظمتها المختلفة تشكل فضاء أمبراطوريا مهيمنا، عملت على استبعاد الثقافات الأصيلة في الجزائر، فالرواية ورغم أنها تجاهد في تبيين القيمة الجمالية للصحراء بالمفهوم العروبي من خلال الشعر، إلا أن اللاتجانس الرمزي بين ثقافة الجسد الإثنية وثقافة الغياب المؤسساتية انتهت إلى فك الارتباط بين الثقافتين، والتي عبّرت عنه صورة الطلاق، فالحكي يعبر عن عودة المكبوت وحضوره القوي في نقد المركز بأشكاله الثقافة والمؤسساتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.