كان التلميذ مصطفى بن بادة يؤمن بأن البكالوريا جسر يعبر من خلاله الى الوظيفة أو المنصب المضمون، لكنه لم يكن يعلم بأنه سيصير، بعد عشرين عاما، وزيرا. يقول بن بادة متذكرا ذكريات ''الباك'': ''كنا نداوم على المراجعة الجماعية، أذكر أننا كنا خمسة تلاميذ، وكانت أفضل الأوقات للمراجعة مساء وتحديدا بعد المغرب، ويساعدنا في ذلك طلبة جامعيون يشرحون لنا دروس الرياضيات والفيزياء، على اعتبار أنها أساسية بالنسبة للفرع العلمي''. ولأن الظروف الاجتماعية كانت مغايرة تماما لواقع هذه الأيام، فإن الطريقة الوحيدة التي كان يتم بها الاطلاع على النتائج هي المذياع. وهنا يتذكر بن بادة تلك اللحظات بشيء من الحنين ''كنا جالسين حول جهاز المذياع نستمع الى الأسماء الناجحة، تتخللها مقتطفات من أغنية رابح درياسة (جابوا البكالوريا).. الحياة كانت بسيطة والشعور الوحيد الذي تملّكني وقتئذ هو المزيد من الثقة بأن الطريق نحو المستقبل بدأ بالفعل بنجاحي الذي كان في .''1981 وعن الملاحظة التي تحصل عليها والمعدل، كشف بن بادة أنها كانت مقبول على الأرجح، وبخصوص المعدل فيتذكر رقم 12 من دون الفواصل العشرية الأخرى. ولأن لكل جيل أحلامه وأهدافه، فإن النصحية التي يقدمها وزير التجارة للمقبلين على امتحان ''الباك'' لهذا العام، لا تخرج عن نطاق رسالة الأب لابنه أو لابنته.. إذ يقول: ''النجاح ثمرة عمل وجهد وهو تتويج لمسيرة تبدأ من السنة أولى ثانوي''. وعلى غرار بن بادة، فإن لقصة زميله السابق في الحكومة، أبو جرة سلطاني، شيء من الطرافة، على اعتبار أنه نجح مرتين في ''الباك''، وبطريقة الترشح الحر.. طريق سلطاني كان مليئا بالمفاجآت السارة، حسب ما يرويه ل''الخبر''. كانت أول بكالوريا ينجح فيها سلطاني في دورة 1976 بثانوية يوغرطة بولاية قسنطينة، لانعدام ثانوية في مسقط رأسه بولاية تبسة. يعترف سلطاني بأنه لم يكن مهتما بالنقاط أو المعدل بقدر الاهتمام بالنتيجة التي تمكّنه من دخول المعهد التكنولوجي للأساتذة بقسنطينة الذي يوفر منصب الشغل بعد التخرج بعد سنة واحدة فقط من التكوين. يقول سلطاني: ''كان همي البحث عن مصدر رزق أعيل به الأسرة التي تركتها في تبسة، تعيش على ما تخرج الأرض من طعام. لم يكن لوالدي، رحمه الله، مصدر رزق آخر باستثناء خدمة الأرض''. ومن حسن حظ سلطاني، مثلما يروي، أن احتلاله المرتبة الثانية في دفعته بالمعهد التكنولوجي، جعله يتابع تكوينا جامعيا بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة في العاصمة، ليتخرج برتبة أستاذ من فرع المدرسة في قسنطينة، بعدما أمضى أسبوعين فقط بالعاصمة. وعن الطريقة التي اعتمدها لمراجعة الدروس تحسبا لامتحانات ''الباك''، أكد سلطاني بأن أفضل طريقة كانت المراجعة الجماعية. وسألت ''الخبر'' سلطاني عن كيفية علمه بنتائج البكالوريا، فأجاب أنه كان رفقة والده في حقل القمح يساعده على الحصاد والدرس، مشيرا الى أن أحد أصدقاء العائلة هو الذي أبلغه بنجاحه لما قرأ اسمه في الجريدة. وبماذا ينصح المترشحين ل''الباك'' هذا العام، يلخص وزير الدولة السابق الأمر في جملة واحدة وهي الاستعداد للامتحان على أنه امتحان عادي وتفادي السقوط في فخ الخوف من المادة التي يخيل له أنها عقبة صعب تجاوزها. والبكالوريا محطة مفصلية في المسار التعليمي لأي تلميذ، حسب وزيرة التضامن الوطني والأسرة السابقة، نوارة جعفر، فهي تفتح له الأبواب لتخصصات مختلفة، وتعد مفتاح الدخول في الحياة العملية بعد الحصول على شهادات عليا. وقد لعبت الأسرة دورا مهما في المرحلة الدراسية للناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي، حيث قالت: ''كان للوالدين دور في تهيئة الأجواء والظروف المواتية لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا دون قلق أو خوف''، غير أن الظروف التي يجتاز فيها المترشح البكالوريا اليوم تغيرت، تواصل محدثتنا، وذلك بسبب الإضرابات التي تؤثر عليه نفسيا. ولذلك، دعت نوارة جعفر الأولياء إلى مرافقة ومتابعة أبنائهم، لأن الإخفاق ليس نهاية العالم، وإنما لابد من إعادة البكالوريا مرة واثنتين وثلاثة إن لزم الأمر. البكالوريا بالنسبة للمحامية فاطمة الزهراء بن براهم نقطة عبور إلى مرحلة النضج السياسي، ولبناء الشخصية وإثبات الذات. وعن تجربتها مع ''الباك''، قالت إنها تحصلت على شهادتين للبكالوريا باللغتين العربية والفرنسية سنة 1970، حيث تحصلت على شهادة البكالوريا بالعربية بثانوية الفتح بولاية البليدة، وأخرى باللغة الفرنسية بثانوية ديكارت في المرادية، بتقدير حسن. ولأن المحامية بن براهم كانت ابنة شهيد، فقد تولت والدتها متابعة جميع مراحل دراستها، وكانت متشددة جدا معها تقول محدثتنا ''بحكم دراستي بالنظام الداخلي، كانت والدتي تصطحبني كل نهاية أسبوع إلى إحدى أكبر المكتبات في ولاية البليدة، لاقتناء أربعة كتب لقراءتها جميعا، كما كنت أزور المتحف الوطني والحدائق العمومية، مع متابعة مشاهد مسرحية، إضافة إلى زيارة معارض الألواح الزيتية والاستماع للموسيقى الكلاسيكية''. أما مراجعة الدروس، تواصل بن براهم، ''فكانت لا تتجاوز ثلاث ساعات يوميا، ساعتان قبل وجبة العشاء وساعة فقط بعدها، لأن وقت النوم محدد بالساعة التاسعة ليلا. ولأنني أحب كثيرا المطالعة بحكم تخصصي، فقد كنت أقرأ الكتب التي تشتريها لي والدتي أسبوعيا تحت غطاء الفراش وعلى ضوء مصباح ضوئي يعتبر صديق جميع التلاميذ آنذاك، كما كانت والدتي تتباعني جيدا، وتسألني عن الفكرة العامة للكتب التي أقرأها، وكل كلمة جديدة بالفرنسية كنت أدونها في كناش وأبحث عن معناها في قاموس، وهو ما جعلني أتفوق في افتكاك شهادة البكالوريا باللغة الفرنسية''. ولا يمثل حارس المنتخب الوطني لكرة القدم محمد لمين زماموش الاستثناء في هذه المحطة المصيرية، حيث يحكي ل''الخبر'' أنه كان يداوم على الاستعداد للبكالوريا في الثانوية الرياضية، حيث كان يدرس في الفترة الصباحية، وفي المساء يتدرب مع فريق اتحاد العاصمة. ويتذكر زماموش أن ترتيبه في صنف الحراس بالاتحاد العاصمي كان الثالث، وهو ما ساعده كثيرا على الإعداد الجيد للبكالوريا. وعن أفضل الأوقات التي كان يراجع فيها، يقول زماموش الذي صار فيما بعد الحارس الأول في فريقه، إنه كان يفضل المذاكرة بين صلاة الفجر والصبح، وفي الفترة المسائية، كان يحرص زماموش، مثلما يقول، على المراجعة بعد صلاة العشاء. ويتذكر محمد لمين زماموش أنه كان يتلقى دعم شقيقته التي كان ترعى شؤونه وتتابع تفاصيل يومياته وخاصة برنامج المراجعة وترتيب الدروس، من أجل التفرغ لتوفير أفضل الظروف للنجاح. وبطبيعة الحال، كانت شقيقته هي أول من يعلم بنجاحه بمعدل 90,11/20، حيث يضيف أنه بعد نجاحه سجل مباشرة في كلية الحقوق.