جبهة المستقبل تثمن خطاب الرئيس تبون وتؤكد دعمها لمسار الدولة    الجزائر تنهي عهدتها بمجلس الأمن وتؤكد التزامها بالدفاع عن السلم وحقوق الشعوب    إعادة افتتاح فندق سيرتا بقسنطينة بعد إعادة تأهيل واسعة    وزير الطاقة يبحث مع اللجنة الإفريقية للطاقة آفاق الشراكة القارية وتعزيز الانتقال الطاقوي    استحداث شباك وحيد بالجامعات لدعم حاملي المشاريع وتعزيز المقاولاتية الجامعية    سويسرا تحذر من تدهور غير مسبوق للوضع الإنساني في غزة وتدعو إلى رفع القيود عن المساعدات    تنصيب لجنة وطنية لمتابعة ملفات التراث الثقافي غير المادي تكريسا لحمايته وتثمينه    تقدم ملموس في مشاريع إعادة تأهيل البنايات والتهيئة الحضرية بالعاصمة    اختتام الطبعة الثامنة لمهرجان الأغنية والموسيقى العروبي بالبليدة وتكريم الفائزين    الحكومة تدرس الخريطة الاجتماعية والتحول الرقمي وتعزيز متابعة المشاريع الكبرى    صراعات ممتدة وجغرافيا سياسية متغيّرة    سلام أوكرانيا المعلق على جنزير دبابة    ماجر يُثني على محرز    الخضر يطمحون لتحقيق الفوز الثالث    للحفاظ على السلسلة الايجابية    نسبة تقدّم معتبرة للمشاريع بالعاصمة    حملات إلكترونية تناهض الاحتفال بالسنة الميلادية    ضرورة التوعية المستمرة لفلذّات أكبادنا    ركّاش يؤكّد أهمية تنسيق الجهود لتشجيع ودعم الاستثمار المنتج    مقترح قانون تجريم الاستعمار إنجاز تاريخي    صهاينة يدنّسون الأقصى    هذه مضامين الدعاء في السنة النبوية    "باس بلو" الأمريكية تتوج السفير عمار بن جامع "دبلوماسي سنة 2025"    (يونيسيف): الأطفال "يدفعون الثمن الأكبر رغم أنهم أبرياء"    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات    وفاة 37 شخصا وإصابة 1294 آخرين    القبض على مبحوث عنه محكوم عليه بالسجن المؤبد    " ضرورة جعل الوطن وعزته وازدهاره في صلب اهتماماتهم "    رئيس الجمهورية يوجه خطابا للأمة    قطاع البحث العلمي تمكن من مواكبة التحولات الوطنية والدولية    نص قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر "مطلبا شعبيا"    على المجتمع الدولي في مواجهة بؤر التوتر ومنع اتساعها    فرض حالة الطوارئ في اليمن    الجزائر ممون موثوق برؤية استشرافية للطاقات المتجددة    عصرنة الفلاحة والأمن الغذائي على الأبواب    مكاسب اجتماعية كبرى    قرارات جريئة ومكاسب غير مسبوقة    قطاع التضامن الوطني.. حصيلة ترفع الرأس    مشاريع وبرامج عزّزت مكانة العاصمة في 2025    صون التراث المادي وغير المادي والسينما بحضور خاص    عودة "الخضر" إلى المونديال وتألق الرياضات الجماعية والفردية    مباراة ثأرية بأهداف فنية لبيتكوفيتش    المنتخب الوطني قادر على بلوغ النهائي    تنصيب فوج عمل متعدّد القطاعات    إعلان تخفيضات على تذاكر الرحلات لشهر رمضان    الإعلان عن الشروع في إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد    11 عرضا من 10 دول في المنافسة    اكتشاف قراء جدد ومواهب متميزة    انطلاق إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد ببوفاريك في خطوة نوعية لتعزيز الأمن الصحي الوطني    ملتقى وطني للأدب الشعبي الجزائري بالجلفة    الاستعمال العقلاني للمضادات الحيوية أولوية وطنية في إطار الأمن الصحي    "الخضر" بالعلامة الكاملة في الدو الثمن النهائي    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايتي مع "مائة عام من العزلة"
نشر في الخبر يوم 24 - 04 - 2014

ما من روائي شغلني وأدهشني وجعلني لصيقا بعوالمه الأدبية، مثل غابرييل غارسيا ماركيز. اكتشفته صدفة في عز صيف سنة 1986، وأنا دون العشرين من العمر. مر بحينا سائح فرنسي، تعطلت دراجته النارية، فساعدناه على إصلاحها. في الأخير، أخذ كتابا، وخاطبنا قائلا: ”ليس لدي ما أهديه لكم مقابل مساعدتكم لي، سوى هذا الكتاب”. أعطاه لأحد رفاقي الذي منحني إياه بدوره. أخذت الكتاب سعيدا وقرأت عنوانه ”مائة عام من العزلة” لروائي أجهله تماما، هو الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. وعلى الغلاف صورة بيت صغير داخل أدغال استوائية.
كنت حينها مرتبطا حد الهوس بارنست همنغواي وأونوريه دو بلزاك. دخلت غرفتي، وكنا عند غروب الشمس، وقرأت إلى ساعة متأخرة دون توقف. قرأت بحمى، وأنا أكتشف عوالم قرية تدعى ”ماكوندو”. قرأت مصابا بالدهشة، فترسخت في ذاكرتي هذه الجملة الشهيرة: ”بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام، سيتذكر الكولونيل اوريليانو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرف على الجليد. كانت ماكوندو آنذاك قرية من عشرين بيتاً من الطين والقصب، مشيدة على ضفة نهر ذي مياه صافية، تنساب فوق فرشة من حجارة مصقولة، بيضاء وكبيرة، مثل بيوض خرافية”. (الترجمة لصالح علماني)
وجدت نفسي أمام عوالم غريبة. رجل يدعى خوسيه أركاديو بوينديا، يغادر مسقط رأسه رفقة زوجته أورسولا ايغوران، فرارا من شبح صديق قتله إثر مبارزة شرف، فيؤسس قرية تدعى ”ماكوندو” وسط الأدغال الكولومبية النائية والممطرة.
قرأت الرواية وأنا أمام حالة من التدهور البطيء لعائلة بوينديا التي أنهكتها الحروب الأهلية وأصابتها اللعنة، وانتهى بها الأمر إلى العزلة، واختفاء قرية ”ماكوندو” برمتها إثر عاصفة مدمرة. لقد عثرت على رواية مليئة بالتفاصيل العجيبة والسحرية. طفل يكتشف الثلج لأول مرة. فصيل الإعدام. غجري (ملكيادس) يتنبأ بزوال أسرة بوينديا وبلدة ماكوندو. أطفال يولدون ونصفهم حيوان. وفتاة (هي ربيكا) تسير حاملة معها حقيبة قماش تحتوي على عظام والدها، وعادة غريبة هي أكل التراب. حرب أهلية على مدى سنوات طويلة طويلة، بين المحافظين والليبراليين. شركة الموز الأمريكية. شخصية ”بيلار تيرينا” التي كانت عشيقة في نفس الوقت للأخوين ”أوريليانو” و”خوزيه أركاديو”، وأنجبت ولداً من كليهما حملا ذات الاسمين ”أوريليانو” و”خوزيه أركاديو”، وكانت قارئة كفّ ممتازة، وعاشت مائة وخمسة وأربعين عاماً، وكانت قريبة من معظم أفراد الأسرة على مدى الرواية، تساعدهم في نبوءاتها من خلال الكفّ ولاحقاً من خلال أوراق اللعب.. وغيرها من اللحظات التي وضعت الرواية ضمن تيار الواقعية السحرية، والتي تجعل القارئ يسبح بين الواقعية والخيال.
لقد خلقت الرواية لدي شعورا بالانتماء إلى شخصوها، من حيث تكرار أخطاء عائلة بوينديا، ومسألة ”العود الأبدي”. كما وجدت في الرواية تطابقا مع ما كنا نعيشه، بالأخص ما تعلق بمحاولات ”أورسولا ” تخليص حياة أفراد عائلتها من القلاقل السياسية التي راحت تهز ”ماكوندو”. كنت بصدد قراءة رواية خالية من الطمأنينة. ولما غرقنا في مأساة العشرية السوداء عدت إليها بحثا عن وسيلة للبقاء في عالم لا يقل عنفا ووحشية من عالم ”ماكوندو”، كثيرا ما كنت أعود لقراءتها.
استوقفتني كثيرا شخصية العقيد أوريليانو بوينديا (كاتب الشعر، قبل أن يفقد ذاكرته ويحرق جميع قصائده، وقد توصل إلى أن عجلة الوقت تدور وليس لشخص مثله فاقد الذاكرة سوى الحاضر الذي يحياه)، حيث كنت أجد في حينا عشرات الشخصيات التي تشبهه، من المجاهدين الذين شاركوا في الثورة، لكنهم انضموا إلى زمرة معارضة، فوجدوا أنفسهم عند الهامش، يجترعون طعم الوحدة، ويعيشون على وقع العزلة واليأس والإحباط. لهذا كان عالم ماركيز، عالما روائيا فاق حدود كولومبيا، وأصبح عالما إنسانيا.
«قليلة هي الروايات التي تغيّر حياة الناس، ورواية ”مائة عام من العزلة”، تعد واحدة من تلك الروايات”. يشعر قارئها أنه يصحو من حلم، وأنه عائد للتو من عالم بعيد، أسطوري وواقعي في الوقت ذاته، وبمجرد أن يفرغ منها يكتسب نظرة مغايرة للأدب وللحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.