الرئيس تبّون يستقبل أسقف الجزائر    انطلاق تصفيات أولمبياد المهن    ناصري يُثمّن التبادل الأكاديمي والثقافي    مهمتنا خدمة المواطن..    ارتفاع مستمر للدفع عبر الأجهزة الإلكترونية    هذه الأهداف الاستراتيجية لقطاع المناجم..    مؤتمر حل الدولتين: عباس يشيد بدور الجزائر في نصرة القضية الفلسطينية    الشرطة ترافق التلاميذ    لدخول اجتماعي بلا حوادث..    فضاء تربوي رائد في التكفل بفئة الصم البكم    هذا جديد إذاعة القرآن    وزيرة الثقافة والفنون تشرف على اجتماعين لدراسة واقع السينما الجزائرية    سحر الموسيقى التركية يلقي بظلاله في ثالث سهرة للمهرجان الدولي للمالوف    الوزير الأول ينهي زيارة العمل إلى ولاية جيجل    الأمم المتحدة: الجزائر ترحب بالتئام مؤتمر حل الدولتين الناتج عن إجماع دولي أصيل    كأس العرب فيفا 2025 (تحضيرات): الجزائر- فلسطين وديا يومي 9 و 13 اكتوبر بعنابة    وزير الاتصال يقوم بزيارة عمل وتفقد إلى عدد من المؤسسات التابعة للقطاع    ترحيب فلسطيني بالخطوة التاريخية لدول غربية كبرى    غزة : ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    التأكيد على"أهمية المضي قدماً في مسار رقمنة القطاع    آلية للتبليغ عن المعلومة تجمع بين السرية والسرعة    ضرورة وضع المواطن في صميم اهتمامات القطاع    الرئيس يعرف جيّدا أن المواطن ينتظر الملموس    وفاة 3 أشخاص وإصابة 163 آخرين    ورقلة : حجز 1.225 كبسولة من المؤثرات العقلية    المشاريع المصادرة ستنطلق شاء من شاء وأبى من أبى    نموذج حيّ على استرجاع قيمة الأموال العمومية و تثمينها    إفريقيا عازمة على تصحيح الظلم التاريخي الذي طالها    إعداد خارطة تكوين جديدة تتماشى مع رؤى "جامعة الغد"    الرئيس تبون جعل من الجامعة رافدا للتنمية    نعمل على الانتقال من التضامن الاجتماعي إلى التضامن الاقتصادي    حماد يبرز أهمية التكوين المستمر لإطارات القطاع    سكان حواف الأودية يستعجلون تدخّل المصالح المختصة    الاحتلال يُكرّس سياسة التجويع في غزة    ناصري يثمّن الاعترافات الدولية المتتالية بدولة فلسطين الشقيقة    عاد للمشاركة في المباريات بعد غياب طويل.. بن ناصر يوجه رسالة قوية لبيتكوفيتش    اجتماع تقييمي ل"منصة رشد" للمكتبات المسجدية    الاحتفال باليوم الوطني للصحة المدرسية في 29 سبتمبر    المهرجان الدولي للمالوف للاستمتاع بألحان الموسيقى الأندلسية : أداء قوي وشحنة من الأحاسيس طبعت السهرة الثانية    ينظمه المجمع الجزائري للغة العربية..الترجمة إلى العربية ودورها في تعزيز البيئة العلمية محور ملتقى    المولودية تتعادل والشبيبة تفوز    هذه قائمة المرشّحين الثلاثين للتتويج..    لا بديل عن احترام إرادة الصحراويين    سجّاتي سعيد    بلمهدي يستقبل بلقايد    "الموب" يؤكد صحوته و ينفرد بالريادة    عادل بولبينة يستهدف لقب هداف البطولة القطرية    تحرير للعقل وتفصيل في مشروع الأمير عبد القادر النهضوي    الكونغو الديمقراطية : تفشي "إيبولا" عبء إضافي يُفاقم أزمة البلاد    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار وأهميته في حلّ المشكلات
نشر في الخبر يوم 25 - 02 - 2018

الخلاف واقع بين النّاس في مختلف الأعصار والأمصار، وهو سُنَّة الله في خلقه، فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومُدركاتهم ومعارفهم وعقولهم، وكلّ ذلك آية من آيات الله، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ}، وهذا الاختلاف الظاهريّ دالّ على الاختلاف في الآراء والاتجاهات والأعراض.
وكتاب الله العزيز يقرّر هذا في كثير من آياته؛ مثل قوله سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.
إنّ الأسلوب الحضاري لحلّ الخلافات والنّزاعات بين الأفراد والجماعات هو الحوار والجدال بالّتي هي أحسن، فالحوار لغة أصله من الحور وهو الرّجوع عن الشّيء وإلى الشّيء، وهم يتحاورون أي يتراجعون الكلام، والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة. أمّا اصطلاحًا، فهو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين، وعرّفه بعضهم بأنّه “نوع في الحديث بين شخصين، أو فريقين يتمّ فيه تداول الكلام بينهما بطريقة سلمية متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبُعد عن الخصومة والتعصّب، وهو ضرب من الأدب الرّفيع وأسلوب من أساليبه، وقيل هو التّناقش بطريقِ الكَلام المُباشر بين مجموعةٍ من الأشخاص الّذين يُمثّلون اتّجاهين متخالفين بطريقةٍ هادئة يحترم فيها كلّ طرفٍ الطرف المقابل له، دون التعصّب لرأيه أو جماعته، وتكون الغاية من الحوار الوصول إلى الحقيقة من خلال عرض الأفكار ووجهات النّظر المتعدّدة.
لقد أوْلَى الإسلامُ مَوضوعَ الحوار أهميّة فريدة، ولقد ثبتت مشروعيته بنصوص كثيرة في الكتاب والسُّنّة، وردّ فيها محاورة بين الحقّ سبحانه وبين ملائكته، إذ قال الله تعالى لهم: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وكانت المحاورة بينه سبحانه وبين أنبيائه ورسله وخلقه، من ذلك: محاورته موسى عليه السّلام، ومحاورته عيسى، بقوله: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنت قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ، قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ، تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.. ومحاورة بين الأنبياء والرّسل وبين مَن بعثوا أو أرسلوا إليهم، وهذا كثير وارد في سورة هود وغيرها.
ونظرًا لما للحوار من أهمية في التوصّل إلى حلّ المشاكل، فقد شرع في هذه الأمّة بحسبانه السّبيل الأمثل للوصول إلى الحقّ في الأمور الّتي تمثّل منعطفًا من منعطفات الأمم، والوسيلة السّلمية لإنهاء النّزاع والخلاف، وإيجاد مناخ صالح للتّعاون والتّآزر.. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَستخدم الحوار كوسيلة للتّواصل والتّراحم مع الآخرين. فتحاور صلّى الله عليه وسلّم مع المسلمين في قضايا عدّة كانت موضع خلاف بينه وبينهم، من ذلك تحاوره مع عمر في إخفاء الدّعوة إلى الإسلام بمكة، وكان لهذا الحوار أثره في إظهارها، إذ قال عمر: يا رسول الله، ألسنا على الحقّ إن مِتْنَا وإن حيينا؟ قال: بلى. قال عمر: ففيم الاختفاء؟
وتظهر أهميّة الحوار في عدّة أمور منها: أنّه الطّريق الوحيد الّذي من خلاله يتمّ الوصول إلى إقناع المُخالف بالفكرة الصّحيحة، ومن خلاله يصل المتحاوران إلى قَلبي بعضهما حتّى الوصول إلى الحقّ. وهو الأسلوب الأمثل للتّواصل والتّفاهم والتّخاطب بين النّاس، فلا ينبغي أن يتعامل النّاس بغير الحوار البنّاء كفرض ما يرونه من أفكار ومُعتقدات ومبادئ، وهو الوسيلة الأمثل الّتي من خلالها يتعارف النّاس ويتآلفون.
وأهم ما فيه أنّه المنهج الأصوب لتفادي الانزلاق نحو الحروب والتّقاتل والإفساد والتّخريب؛ فلولا التّحاور العقلاني لكثرت الحروب، واقتتل النّاس فيما بينهم، وخرّبَت البلاد، ولهاجت أفعالُ الجاهلية، وحرب البسوس خير شاهدٍ على ذلك، فبعد أن اقتتلت قبيلتا داحس والغبراء مدّة أربعين سنة كاملة لم ينتجْ عنها إلاّ الدّماء والقتل والتّنكيل، فلّما جلَسوا للتّحاور الهادئ أصلح الله بينهم، ولو جلسوا للحوار قبل بدء الحرب لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من القتال. وإنّ من أهمِّ ثمرات الحوار في الإسلام تضييق هوّة الخلاف بين المتحاورَين، وتقريب وجهات النّظر بينهما حتّى لا يبقى في صدورهما شيءٌ ضدّ بعضهما؛ حيث يُمكن من خلال الحوار الهادئ الوصول إلى حلِّ وسطٍ يرضي جميع المتحاورين ويُقنعهم إن كان الخلاف بين جماعتين أو شخصين في فكرة ما، وبالتّحاور يُستبدل التّباغض والتّناحر إلى تحاببٍ وتواد.
ويدعو الإسلام إلى الالتزام بالآداب المرعية على من يريد المشاركة في أيّ حوار؛ لينجح بحول الله تعالى في تحقيق الأهداف المطلوبة والقضاء من خلاله على بؤر الخلاف، ومن ذلك المحاورة بالحسنى، في القول والمجادلة، ففي محكم التّنزيل يقول تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ويقول سبحانه: {وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَن}. ويجب عليه أن يكون حسن الاستماع مُنصِفًا، وأن يكون حليمًا صبورًا، فلا يغضب لأتفه سبب، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وإنّ ما يعيشه قطاع التربية وقطاع الصحة في بلادنا، هذه الأيّام، من تأزّم وشدّ وجذب لهو أزمة آخذة في التّصعيد والتّعقيد، ولا نرى لها حلاً سوى بالحوار؛ الحوار الهادئ الإيجابي الموضوعي الصحي، حتّى لا يتعفّن الوضع ويصير إلى ما لا يُحمَد عُقباه.
* كلية الدراسات الإسلامية/ قطر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.