انتقد مجلس المحاسبة ما اعتبرته قصورا من العديد من الوزارات في مجال التجهيز وتجسيد المشاريع الهيكلية بسبب عدم نضجها، وقد ترتب عن ذلك تسجيل إعادة تقييم دورية للمئات من المشاريع، فضلا عن تأخر إنجاز أخرى وعدم تجسيد مشاريع متصلة بالهياكل والمنشآت، وهو ما ينجرّ عنه خسائر على العديد من المستويات. وأشار تقرير مجلس المحاسبة إلى جملة النقائص المتعلقة بتسجيل عمليات التجهيز والنقص في نضج الدراسات المسبقة المفصلة للمشاريع والتي تساهم في إبراز عدة اختلالات من بينها تسجيل عدد كبير من العمليات التي لم تخضع للتقييم بما فيه الكفاية وتأخير في إطلاق المشاريع والتأجيلات المتكررة في آجال الإنجاز، وإعادة تقييم لعدد كبير من رخص البرامج، إضافة إلى تجميد والتخلي عن عدة مشاريع استثمارية. وأكّد التقرير أن نقص نضج عمليات التجهيز ارتفع على مستوى وزارات الصناعة والمناجم والشباب والرياضة والموارد المائية والسكن والعمران والمدينة والفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، وكذلك على مستوى المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج التابعة لوزارة العدل مع تجسيد بعض العمليات في عجلة في غياب دراسات مسبقة ومسودات الدراسات المفصلة التي يمكن الاعتماد عليها والتي تتيح تحديد الاحتياجات والمواصفات التقنية للأشغال وعمليات التجهيز المقررة. وذكر التقرير من بين الأمثلة الواقعية مشروع تهيئة وتجهيز مخبر الرقابة ضد المنشطات المسجل في سنة 2006 برخصة برنامج 410 مليون دينار، والذي لم يكتمل بعد في 2018، مما أدى إلى الاستعانة بالمخابر الأجنبية لاسيما أثناء المناسبات الرياضية مثل الألعاب الإفريقية التاسعة التي بلغت تكلفة كشف المنشطات 49 ألف أورو لفائدة مخبر أجنبي. كما أحصى المجلس 74 عملية متوقفة عن الإنجاز بعد الانطلاق لأسباب متنوعة وتقدر رخصة البرنامج 13.8 مليار دينار منها 71 عملية مسجلة، كما أن قطاع الأشغال العمومية ورغم توفره على مخطط توجيهي قطاعي يمتد إلى سنة 2025 وعلى استراتيجية السياسة الحكومية الذي يتوقف عليه تنفيذ المخططات الاستراتيجية، حيث يحدد الأهداف المزمع تحقيقها مع تحديد المسؤوليات والجدول الزمني لتنفيذ كل جزء منه ومع ذلك لم يسلم من نفس الظاهرة. فيما لاحظ التقرير أن عددا معتبرا من عمليات التجهيز لم يشرع فيها، على الرغم من أهميتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للقطاعات المعنية، كما تم تسجيل تأخر كبير في الانطلاق مقارنة بالآجال، حيث ذكر التقرير مشروع إعادة تهيئة مبنى "موريطانيا" بالنسبة للمديرية العامة للضرائب والمسجلة منذ 7 جوان 2005 بمبلغ 501 مليون دينار والتي سجلت تعثرا في انطلاق أشغال التهيئة، في وقت بلغ عدد المشاريع غير المنطلقة بالنسبة لوزارة الشباب والرياضة 1145 مشروع برخص إجمالية قدرها 131.450 مليار دينار، والتي تشمل 222 مشروع خاص بالفضاءات الرياضية الجوارية ومشاريع تجهيز الملاعب، فيما يقدر عدد العمليات غير المنطلقة في وزارة الثقافة إلى نهاية 2016 نحو 295 عملية قطاعية، بينما تم إحصاء ثلاث عمليات لوزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يعود تاريخ تسجيلها إلى سنوات 2006 و2009 لم يشرع في تنفيذها وهي مجمدة حاليا ويضاف إلى ذلك، الديون المقيدة على الوزارات بعنوان ميزانية التجهيز التي لا تزال على عاتق الوزارات.
تأخر في تجسيد مشاريع بالجملة على صعيد متصل، سجّل مجلس المحاسبة عددا معتبرا من التأخيرات في إنجاز واستكمال المشاريع الاستثمارية مع ما يترتب من عواقب على تكاليف عمليات التجهيز، إضافة إلى آجال تسليم المشاريع والتجهيزات العمومية على غرار التأخر المعتبر المسجل على مستوى المديرية العامة للمحاسبة بوزارة المالية فيما يتعلق بانجاز المدرسة الوطنية للخزينة والتي تهدف إلى تكوين ورسكلة مستخدمي المديرية العامة للمحاسبة، وأدى التأخر إلى اللجوء للمدرسة الوطنية للضرائب، كما سجل أيضا التأخير في إنهاء النظام المعلوماتي المحاسبي لتسيير المؤسسات الاستشفائية وقد كان من المقرر تعميمه على 300 مؤسسة، إلا أنه ما زال عالقا. كما بلغ عدد المشاريع قيد الإنجاز المسجلة في إطار جميع برامج التجهيز إلى نهاية ديسمبر 2016، نحو 1846 مشروع برخص برامج نهائية قدرت ب227.720 مليار دينار، بينما بلغت الإنجازات أقل من الثلث أو نسبة 27.13 في المائة.
قيمة المشاريع تتضاعف بفعل إعادة التقييم ومن بين الجوانب الأخرى المتصلة باختلالات عمليات التجهيز والاستثمار تلك المتعلقة بإعادة تقييم المشاريع، حيث اعتبر التقرير أن عدم كفاية نضج عمليات التجهيز العمومي والتأخيرات في وضع حيز التنفيذ انعكس على هيكلة تكاليف عمليات التجهيز ومواصفات المشاريع المتوقعة من طرف الوزارات، حيث أشار مجلس المحاسبة إلى أن غالبية رخص البرامج تعرضت لتعديلات مهمة ومتكررة خلال مراحل إنجاز المشروع وأحيانا قبل الانطلاق في التنفيذ، هذه التعديلات مست تكاليف، الهيكلة المادية للأشغال، آجال الإنجاز وحتى بنية المشاريع، وساهم التأخير في إنجاز المشاريع الاستثمارية والتجهيزات العمومية ذات الصلة في إعادة تقييم سنتي 2003 و2010، وعرف البرنامج التكميلي لدعم النمو أربع عمليات إعادة هيكلة مالية بالنسبة لوزارة الخارجية، وبالنسبة لوزارة العدل، عرفت رخص البرامج الأولية بالنسبة لإدارة السجون زيادة معتبرة قدرت بخمس مرات، حيث ارتفعت من 37.228 مليار دينار إلى 196.740 مليار دينار، فيما سجلت وزارة الأشغال العمومية إعادة تقييم ست 06 عمليات، كلفت ميزانية الدولة 12.093 مليار دينار إضافية، حيث تم إعادة بعض المشاريع إلى ثلاثة أضعاف بل هناك من العمليات من أعيد تقييمها بعد إتمام الأشغال، مع تسجيل أن بعض العمليات مسجلة منذ 23 سنة، بينما سجلت وزارة التعليم العالمي إعادة تقييم بالزيادة ل13 عملية تجهيز، حيث ارتفعت رخص البرامج من 6.284 مليار دينار إلى 6.464 مليار دينار بزيادة 2.86 في المائة وتم إعادة هيكلة 81 عملية تجهيز منها 50 عملية في إطار برنامج دعم النمو الاقتصادي و29 عملية في إطار البرنامج التكميلي لدعم الإنعاش.