يرى الأستاذ مهدي فتاك، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، أن الحكومة تسعى إلى تحقيق نتائج ملموسة تعيد الثقة للشعب وتساهم في استقرار البلد، وكذلك تدفع إلى خلق حركية سياسية تشكل من خلالها أرضية للنقاش حول الدستور والتحضير للانتخابات التشريعية والمحلية. وأوضح فتاك ل "الخبر" أن "السلوك الخارجي للدولة سيكون منظما وبرؤية مؤسساتية تجعل الجزائر طرفا أساسيا في رسم السياسات الدولية الخاصة بمنطقة الساحل ودول الجوار". ما أهمية لقاء الحكومة مع الولاة الآن في ظل الأزمة الاقتصادية؟ يأتي لقاء الحكومة مع الولاة مباشرة بعد مصادقة البرلمان على المخطط، بما يبرز الجدية والسرعة التي تتبناها الحكومة من أجل تنفيذ المشاريع وفتح الورشات الكبرى لتلبية مطالب الشعب. فالحكومة تسعى إلى تحقيق نتائج ملموسة تعيد الثقة للشعب وتساهم في استقرار البلد، وكذلك تدفع إلى خلق حركية سياسية تشكل من خلالها أرضية للنقاش حول الدستور والتحضير للانتخابات التشريعية والمحلية. أما أهمية اللقاء فترجع إلى الدور المحوري للولاة في متابعة وتنفيذ المخطط الذي يبرز في الورشات المخصصة خلال اللقاء، إلا أنّ ما يميز هذا اللقاء أنه يأتي في الفترة التي تعكف فيها الحكومة على تثبيت ركائز التقسيم الإداري الجديد، خاصة ما تعلق بالجنوب، حيث نشهد 10 ولايات جديدة تستلزم اهتماما خاصا ومرافقة دائمة من طرف الحكومة. ما قراءتك لمضمون مخطط عمل الحكومة؟ تبين من خلال مخطط عمل الحكومة أن هناك إدراكا لدى صانع القرار يتمحور حول زوال حقبة وبداية حقبة جديدة، ونستطيع القول إن الشعور الذي طبع مرحلة بداية الاستقلال، خصوصا في سنواته الثلاث الأولى، يتكرر بصورة تكاد تكون متطابقة، فالشعب بمختلف قواه يتطلع إلى مستقبل أفضل، والحكومة تحاول تحديد الأولويات وضبط أشرعة سفينة البناء وفقا لمتطلبات المرحلة. وهل برزت معالم تحقيق المطالب الشعبية في المخطط؟ قبل الحديث عن هذا لا بد أن نوضح ماهية المطالب الشعبية ثم نرى نسبة الاستجابة لها من خلال المخطط. فالمطالب الشعبية مجزأة فئويا، فبين مطالب بالحقوق الأساسية المتعلقة بالحق في السكن والعمل والصحة والتعليم الجيد، وهذا يشمل عامة الشعب، وتبين أن المخطط ركز عليه كثيرا. ومُطَالِب بالحقوق المدنية والسياسية، وهنا ترى المخطط يؤكد كثيرا على المساءلة والشفافية في تسيير الشأن العام وضرورة إعادة النظر في النظام الانتخابي، والذي بدأ العمل فيه انطلاقا من تأسيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ونجاحها في إدارة الانتخابات الرئاسية، والذهاب قريبا نحو تعديل الدستور وتغيير القوانين العضوية. إلا أن المطالب الرئيسية للشعب ترتبط بتحرير الاقتصاد من اللوبيات المتحكمة فيه، وتثبيت منظومة إنتاجية تغطي الحاجيات الوطنية للسكان، وتُفَعِل الطاقة الكامنة للشباب، وتفتح آفاقا تطبيقية للإبداع النظري لدى النخبة الشابة، خصوصا في المجالات التقنية والصناعية، وهنا يبرز تطابق البرنامج الانتخابي للرئيس تبون مع مخطط العمل في دعمه لآليات الاقتصاد الناشئ مؤسسات وقوانين. ورغم أن المطالب السابقة الذكر مهمة، إلا أنّ أهمية مطلب التوازن الجهوي تشكل النظرة المستقبلية للبلد وللمشروع الوطني للدولة الجزائرية، فتنمية الهضاب العليا والمناطق الصحراوية هي حجر الزاوية في بناء الجمهورية الجديدة، لأنها تأخذ بعدين: بعدا قطاعيا يرتبط بالفلاحة وتحقيق الأمن الغذائي، وبعدا استراتيجيا يُجَنِّب الجزائر الانكشاف الاستراتيجي الناجم عن تناقص عدد السكان في المناطق الصحراوية، وهذا الادراك الأمني عبرت عنه مؤسسة الجيش الشعبي الوطني من خلال تأكيدها الدائم على تأمين الحدود الصحراوية، وعززه مخطط العمل في جميع فصوله ومحاوره. هل يحمل المخطط وجود نية لدى الرئيس تبون في تفكيك الألغام الناجمة عن الفترة السابقة التي رهنت مستقبل البلاد؟ صرح الوزير الأول عبد العزيز جراد في خطابه أمام البرلمان أن الجزائر عرفت في السنوات الأخيرة "تسييرا كارثيا للدولة وممارسات تسلطية أدت إلى نهب ثروات البلاد والقيام بعملية هدم ممنهج لمؤسساتها ولاقتصادها بهدف الاستيلاء على خيراتها". وإن دل هذا على شيء فإنّما يدل على أن الرئيس تبون يدرك مكامن الفشل، لكن تبقى المبادرة والمواجهة السبيل الوحيد لاستكمال تفكيك الألغام، والرقي بالجزائر إلى مصاف الدول الناشئة والانضمام إلى مجموعة العشرين. ركز المخطط على إعادة تفعيل السياسة الخارجية للجزائر، كيف تنظر إلى الجهود المبذولة حاليا؟ تفسير السياسة الخارجية يُبنى على المؤشرات الحقيقية نظرا لتضارب المصالح الوطنية، والجزائر بقيادة الرئيس تبون أبانت من اليوم الأول لتولي الرئاسة عن فعالية سياستها، من خلال المساهمة في وقف إطلاق النار وجلوس أطراف الصراع في ليبيا إلى طاولة المفاوضات، إلا أن أهم حدث منذ تعيين الحكومة يرتبط بإنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، وهو مؤشر قوي يوحي بأن السلوك الخارجي للدولة سيكون منظما وبرؤية مؤسساتية تجعل الجزائر طرفا أساسيا في رسم السياسات الدولية الخاصة بمنطقة الساحل ودول الجوار. أيّ مشروع تحمله السلطة الآن وتريد تحقيقه؟ تقاس قوة الدول بمدى تحقيقها لمصالحها الوطنية داخليا وخارجيا، ولا يمكن لأية دولة تحقيق مرتبة القوة الإقليمية دون استكمال المحطات السابقة لهذه المحطة، وبرنامج الرئيس تبون يوحي بأنه تم الشروع في تحقيق المشروع بفروعه الثلاثة: الاقتصادي التنموي، السياسي الديمقراطي، والعسكري الأمني، وباعتبار مرحلة السلم هي مرحلة التحضير للحرب تأخذ مؤسسة الجيش على عاتقها تطوير القدرات الدفاعية لضمان أمن واستقرار الإقليم المغاربي ككل، ونتمنى أن يحذو القطاع الاقتصادي نفس المنحى ببناء اقتصاد منتج يسيطر على السوق المغاربية والساحلية. بحديثكم عن مؤسسة الجيش، يُلاحظ تراجع الحديث كثيرا عن تدخل الجيش في السياسة في الآونة الأخيرة، كيف تفسر ذلك؟ في كل الدساتير الوطنية تتولى مؤسسة الجيش حماية السيادة وضمان الأمن الوطني، وأيّ تهديد للسيادة أو الأمن يفرض تدخل الجيش ويوجب على المؤسسة القيام بدورها المنوط بها تأديته. وعلى ضوء هذا فالأكيد أن العشرين سنة الأخيرة أبعدت الجيش عن السياسة بسبب ظروف تتعلق بالحكم التسلطي الشخصي للرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة، وبعد الفترة الحرجة التي مرت بها الجزائر رافقت خلالها مؤسسة الجيش الشعب الجزائري في مطالبه وحراكه، وما إن عادت الشرعية الدستورية لمنصب الرئيس بتولي الرئيس تبون لدفة الحكم، عاد الجيش لاستكمال مهامه الدستورية في مجال الدفاع والأمن خدمة للجزائر والشعب الجزائري، واستمرارا للخط الذي رسمه رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الفريق أحمد قايد صالح رحمة الله عليه.