رسالة سياسية, قانونية وأخلاقية قوية إلى فرنسا الاستعمارية    الراحل "وضع خارطة طريق لإعادة بناء الدولة الجزائرية"    إشادة بالمستوى النوعي للمنتجات الجزائرية المعروضة    فرصة للتأكيد على ضرورة الارتقاء بالتعاون الاقتصادي    وهران تستلم الجائزة الذهبية لسنة 2025    برميل برنت عند 62,32 دولارا    غارات عنيفة يشنها الاحتلال الصهيوني    يمضي الرجال ولا يبقى إلا الأثر    خنشلة : توقيف 04 أشخاص و حجز صفيحة مخدرات    إحباط إدخال أكثر من 700 ألف قرص مهلوس    الفريق أول شنقريحة يوقع على سجل التعازي بمقر سفارة ليبيا    كنتم من طلائع جيل واجه استعمارا بغيضا حارب الهوية والانتماء    أرضية رقمية لتبادل العرائض والدعاوى إلكترونيّاً    تدشين مرفقين أمنيين جديدين بالبليدة    تعذيب ممنهج للأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني    وقفة احتجاجية رمزية في بالما للتنديد بانتهاكات الاحتلال المغربي    زين الدين زيدان وعائلته يحضرون المباراتين القادمتين ل"لخضر"    عزيمة قوية لدى "الخضر" لمواجهة بوركينافاسو    "العميد" على بعد نقطة واحدة من اللقب الشتوي    الجامعة ماضية في تجسيد دورها كمحرك للتنمية    الجزائر باقتصاد متنوّع وديناميكية إيجابية في 2025    مشروع مقبرة جديدة بابن باديس    الجمعيات الرياضية بالرغاية تعلّق نشاطها    الوكالة الوطنية للنفايات تنظم أياما تحسيسية لفائدة الأطفال    بعث الوحدات الصناعية المسترجعة مشروع اقتصادي متكامل    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    انطلاق الطبعة14 لمهرجان موسيقى الحوزي    مقتل إسرائيلييْن في عملية طعن ودهس نفذها فلسطيني..غزة تستقبل العام الجديد بأوضاع كارثية وأزمة إنسانية كبيرة    سوريا : 8 قتلى جراء انفجار داخل مسجد بمدينة حمص    اليمن : المجلس الانتقالي يعلن تعرّض مواقعه لغارات سعودية    الأحزاب تثمن المصادققة على قانون تجريم الاستعمار الفرنسي : خطوة سيادية وتاريخية للجزائر    مشروع قانون جديد للعقار الفلاحي قريبا على طاولة الحكومة لتوحيد الإجراءات ورفع العراقيل عن الفلاحين    قفطان القاضي القسنطيني... من رداء السلطة إلى أيقونة الأناقة والتراث الجزائري    عبد العالي حساني شريف : تجريم الاستعمار "منعطف تاريخي وخطوة نحو التصالح مع الذاكرة"    وهران تتوج بالجائزة الذهبية كأفضل وجهة سياحية إفريقية صاعدة لسنة 2025    رأس السنة الأمازيغية : برنامج غني للإحتفالات الوطنية في بني عباس    الطبعة ال 14للمهرجان الثقافي لموسيقى الحوزي : التركيز على التكوين لضمان استمرارية "الإرث الفني"    وزارة التعليم العالي تموّل 89 مشروعًا رياديًا لطلبة الجامعات عبر الوطن    باتنة: أيام تحسيسية واسعة لمكافحة تعاطي وترويج المخدرات في الوسط المدرسي    رئيس الجمهورية يوشح العلامة المجاهد محمد صالح الصديق بوسام "عهيد" تقديراً لمسيرته العلمية والدعوية    ليبيا تحت الصدمة..    افتتاح الطبعة ال17 للمهرجان الوطني للأهليل    "ضرورة ترسيخ الفعل الثقافي الحي داخل المؤسسة المسرحية"    الذكاء الاصطناعي صالح لخدمة الإسلام والمرجعية الجامعة    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الخضر يستهدفون دخول كأس إفريقيا بقوة    مستعدون لتقديم كل ما لدينا من أجل الفوز    محرز الأعلى أجراً    تغلب ضيفه مستقبل الرويسات بثنائية نظيفة..اتحاد العاصمة يرتقي إلى الوصافة    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    صناعة صيدلانية: تسهيلات جديدة للمتعاملين    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا خسر العالم بعدائه لسيّد الخلق محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم؟
نشر في الخبر يوم 22 - 10 - 2020

إنّه عنوان كبير يحتاج إلى كتب وبحوث ودراسات حتّى ينال حقّه ومستحقّه من البحث والبيان والشّرح!، وإنّما أردتُ توسيع هذا العنوان، فيكون المقال في حقيقته عنوانًا موسّعًا فحسب! ولكن يبقى موضوعًا هامًا بالغ الأهمية؛ لِما نشهده من تزايد العداء للإسلام والمسلمين، وانخراط رؤساء دول غربية في (حرب صليبية) عصرية حسب التّصريح الشّهير للرئيس الأهوج بوش!. وكذلك لفشل العلم في إسعاد البشرية، بل لتزايد عذابات البشرية كلّما ازداد العلم (طبعًا العلم الملحد!) تطوّرًا.
إنّ ممّا لا يخالف ولا يجادل فيه أحد أنّ واقع البشرية ما يزال مزرٍ في جوانب عدّة، وما تزال هذه الأخيرة تعاني معاناة متعدّدة الأوجه، متجدّدة الأزمات، وكلّ ذلك بسبب هيمنة الغرب الاستعماري، ومحاولته فرض نموذجه الحداثي الرأسمالي الاستغلالي، القائم أساسًا على فكرة تفوّق العنصر الأبيض، واحتقار باقي الأجناس، واستعبادها في سبيل تحقيق مصالحه، والمستبطن للرّوح الصّليبية الصّهيونية.
وحضارة الغرب الحديثة قامت -كما هو معلوم- على دين العلم الملحد، وكان فلاسفتها في عصر النّهضة والتّنوير -وإلى يومنا هذا- يردّدون ادّعاءً وبهتانًا أنّهم سيحلّون مشاكل العالم ويسعدون البشر بالعلم وتطويره بعيدًا عن الدّين وهديه، بل أعلن سخيفهم: موت الإله!، وحقّا تطوّرت العلوم تطوّرًا مذهلًا ولا تزال!، وتفاقمت مشاكل البشر، وازدادت حدّة ووطأة وخطرًا وضررًا، ونتج عن تطوّر العلم مشاكل وأزمات جديدة لم تعرفها البشرية في تاريخها الطويل، صارت تهدّد الوجود البشريّ من أساسه، وتهدّد الكوكب في بقائه وتوازنه!
إنّ العلم فشل فشلًا ذريعًا في إسعاد البشر لوحده، هذه هي الحقيقة النّاصعة الّتي أدهشت أحد كبار العلماء الحاصلين على جائزة نوبل، يقول ألكسيس كاريل في كتابه الشّهير (الإنسان ذلك المجهول) ص 320: ”إنّنا نسمع كلّ عام [الآن في كلّ يوم!] عن التّقدّم الّذي يحرزه العلماء.. بيد أنّ النّتائج العملية لأعمالهم الّتي حقّقتها ضئيلة بشكل يدعو للدّهشة!”.
ومع هذا فأسوأ ما يعاني البشر بسببه، وإن كان ”أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُون”، و”أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ”، ”أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون”، هو تضييعهم هداية السّماء!، وبدقّة أكبر: هو عداؤهم لسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، بسبب تعصّبهم الأعمى الأغبى، وجهلهم الفاضح برسالته، وحقدهم الدّفين على دين الله تعالى: ”وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَق”، وهذا ما جعل كبراءهم من المستشرقين والحكام والسّياسيين والعلماء والإعلاميين، يسخرّون طاقات جبّارة لإثارة الشُّبهات وتشويه صورة الإسلام وصورة نبيّه الكريم عليه السّلام!
إنّ ما يجهله أكثر النّاس ولا تدركه عقولهم المُنمّطة على التّفكير المادي الصّلب هو أنّ أدواء الإنسانية وأمراضها وعللها وأزماتها لا دواء لها إلّا في رسالة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، إلّا في هدي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، إلّا في اتّباع محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وهذا ما أدركه عقلاء الغرب المنصفون الّذين استطاعوا أن يخرجوا من الشّرنقة الكثيفة الّتي ضربتها عليهم الحضارة المادية، فقالوا كلمة الحقّ وشهدوا شهادة الإنصاف، ومنهم مَن أسلم لله اهتداءً، ومنهم مَن بقي على دينه وأبى إلّا أن يريح ضميره بالإقرار بالحقيقة والبُعد عن التّعصب!
وهذه قطرة -قطرة واحدة- من سيول الكتابات الغربية المنصفة تبيّن هذه الحقيقة النّاصعة: حاجة البشرية للرسالة المحمّدية، أو ما تجده البشرية العاقلة في الرّسالة المحمّدية، وهي تبيّن كذلك ماذا خسر العالم بعدائه لسيّد الخلق محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم وجهله برسالته؟، فمثلًا يقول اللورد هيدلي رحمه الله: ”محمّدٌ المَثَل الكامل: نحن نعتبرُ أنّ نبيّ بلادِ العربِ الكريمَ ذو أخلاقٍ متينة وشخصيةٍ حقيقيةٍ وُزِنَت واختبرت في كلّ خطوةٍ من خُطَى حياته، ولم يُرَ فيها أقلُّ نقصٍ أبدًا. وبما أنّنا في احتياجٍ إلى نموذج كامل يَفي بحاجاتِنا في خُطواتِ الحياة، فحياة النّبيّ المقدَّسِ تَسدّ تلك الحاجة. حياةُ محمّدٍ كمرآةٍ أمامنا تَعكِسُ علينا التعقُّلَ الرّاقيَ، والسّخاءَ والكرمَ، والشّجاعةَ والإقدام، والصّبرَ والحِلمَ والوداعةَ والعَفْوَ وباقيَ الأخلاق الجوهريةِ الّتي تكوِّن الإِنسانية، ونرى ذلك فيما بألوانٍ وَضَّاءة.. خذْ أيّ وجهٍ من وجوهِ الآدابِ وأنت تتأكَّد أنّك تَجِدُهم وضَّحًا في إحدى حوادثِ حياته. ومحمّدٌ وَصَل إلى أعظم قوّةٍ، وأتى إليه مُحاربوه، ووَجدوا منه شَفقةً لا تجَارَى، وكان ذلك سببًا في هدايتهم ونقائهم في الحياة”.
وقال القسّ الفرنسي لوزاون في كتابه (الشّرق) ص 61: ”إنَّ محمّدًا –بلا التباس ولا نُكران- كان من النّبيّين والصِّدِّيقين، وهو رسولُ الله القادرِ على كلِّ شيء، بل إنّه نبيّ جليلُ القَدْر، ومهما تحدّثنا عنه، فليس بالكثير في حقّه؛ لأنّه جاء إلى العالَم بدينٍ جَمَع فيه كلّ ما يَصلُحُ للحياة”. قف وفكّر مليّا في الجملة الأخيرة: ”لأنّه جاء إلى العالَم بدينٍ جَمَع فيه كلّ ما يَصلُحُ للحياة”. هذه شهادة خطيرة؛ لأنّ الرّجل قسّ نصرانيّ لم يسلم ويقول ما يقول.
ويقول الدكتور نظمي لُوقا في كتابه (محمّد الرسالة والرسول) ص 97: ”وليس التنظيمُ الإسلاميُ لأُمورِ الدّنيا بنظام مُقفَلٍ جامد، بل هو التّنظيمُ الجوهري الّذي لُبابُه قولُ صاحب الرسالة الكريم: ”لا ضررَ ولا ضرار”، و”أنتم أعلمُ بأمورِ دُنياكم”، فما لم يَرِدْ فيه نصٌّ بتحريم لسببٍ من أسبابِ العقيدة الرّوحيةِ، فلا بأسَ على النّاس فيه، ما لم يكن فيه ضرر لصاحبه، أو إضرار بسواه. خُلق كريم، وإيثارٌ، ونجدةٌ ابتغاءَ وجهِ الله واتقاءً لغضبه في معاملةِ النّاس، وإصلاح لحال الدّنيا من غيرِ إضرارٍ بالنّاس، وحِرصٌ على مصالح الجماعة، وتعاوُنٌ على البرّ والتّقوى، وترفُّعٌ عن التَّرَفِ والإسرافِ في البَذَخ، حتّى لا تَستسلِمَ الرّوح لشهوات الجسد، فذلك هو النّموذجُ الكاملُ للإنسان”.
إنّني أشفق على بعض بني جلدتنا (وبني بلدنا الجزائر خاصة) وأنا أسوق لهم كلام نصارى ومستشرقين وغربيين أسلموا أو لم يسلموا حتّى يقتنعوا بعظمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فالدّنيا انقلبت رأسًا على عقب، كان من المفروض أن يكون كلّ واحد من المسلمين نموذجًا مصغرّا لسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم في صدقه وأمانته واستقامته ورحمته وإنسانيته... إلخ، ولكنّ كثيرين منّا يجهلون سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، يجهلون حياته، يجهلون هديه؛ ولذلك فهم أبعد ما يكونون عن الاقتداء به وتمثّله في خلقهم وسلوكهم وحياتهم.
وهذا يبرز المسؤولية العظمى الّتي تثقل كاهل الأمّة الإسلامية في هذا العصر ومستقبلًا، من وجوب تقديم صورة مشرقة لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، حتّى ينقدوا البشرية ممّا تعاني وممّا ستعانيه مستقبلًا بدين الرّحمة العالمي، ”وما أَرْسلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِين”.
تقول الكاتبة النّصرانية المشهورة كارين أرمسترونغ في كتابها (محمّد نبيٌّ لزماننا) ص 25: ”في شخصية محمّد صلّى الله عليه وسلّم النّموذجية دروس مهمّة، ليس للمسلمين فقط، ولكن أيضًا للغربيين، حيث.. كدح محمّد صلّى الله عليه وسلّم -بكلّ معاني الكلمة- ليجلب السّلام للعرب الّذين مزّقتهم الحرب، ونحن نحتاج لمَن هم مستعدون لعمل ذلك اليوم”.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.