سمح الكونغرس الأمريكي، لضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية والمطالبة بتعويضات. وينتظر أن يرفع هذا القانون إلى البيت الأبيض ليصادق عليه الرئيس أوباما ليكون نافذا. غير أن البيت الأبيض عبّر عن معارضته للقانون على لسان المتحدث باسمه جوش إيرنست، شهر ماي الماضي، عندما أشار إلى أن هذا القانون سيغيّر القانون الدولي المعتمد منذ فترة طويلة المتعلّق بالحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية، فضلا عن أن رئيس الولاياتالمتحدة لديه مخاوف جدية من أن يجعل هذا القانون الولاياتالمتحدة عرضة لأنظمة قضائية أخرى حول العالم. استغلّت دوائر سياسية وأمريكية أحداث 11 سبتمبر لتعيد تحريك ملف كان يعتقد أنه أغلق منذ أفريل الماضي، والمتعلق بتحميل العربية السعودية تبعات الهجومات الإرهابية التي استهدفت نيويوركوواشنطن. أطراف أمريكية ظلّت تدفع إلى إلزام السعودية بتعويض الضحايا وعائلاتهم، هذه الأطراف تنطلق من كون أن 15 من أصل 19 متورطا في الهجوم يحملون الجنسية السعودية ويستندون في ذلك ليس إلى جنسياتهم فقط ولكن أيضا إلى تصريح متورط فرنسي زكرياء موساوي، الذي صرح لمحامين أمريكيين في فيفري الماضي، أن الإرهابيين المهاجمين تلقوا دعما وتمويلا ماليا من جهات سعودية رسمية (...) في 1990. القانون الذي تم إعداده من قبل السيناتور الجمهوري، جون كورنين، والديمقراطي تشاك تشومر، يسمح لعائلات الضحايا برفع قضايا في المحكمة الفدرالية ضد حكومات أجنبية خصوصا السعودية، والمطالبة بالتعويض في حال ثبتت مسؤولية هذه الدول عن الهجمات. وبموجب القانون الحالي لا يمكن لضحايا الإرهاب سوى مقاضاة الدول التي تصنّفها وزارة الخارجية الأمريكية رسميا دولا راعية للإرهاب مثل إيرانوسوريا... لم يمر القانون دون أن يثير حفيظة أطراف سعودية حذّرت من تدهور العلاقات بين الرياضوواشنطن، ووصفته بالعبث السياسي الذي لن يتم اعتماده من قبل البيت البيض، متّهمة لوبيات تعمل وراء هذا القانون بشكل قوي، كشركات تأمين ومحامين لأهالي ضحايا سبتمبر وبعض السياسيين. تستند هذه الأطراف إلى كون قانون كهذا ستكون له أضرار على الولاياتالمتحدة أكثر من منافع. إذ سيعرض جميع استثمارات الولاياتالمتحدة في الخارج للخطر أيضا، لأن باقي الدول ستفتح الباب لمواطنيها لمحاكمة الولاياتالمتحدة لأسباب متعددة. في حين أن الخطر الآخر سيتمثل في أن البيئة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة ستكون منفّرة لباقي الدول، وبالأخص دول الخليج والصين واليابان، فهؤلاء لديهم أكبر حجم من الاستثمارات في الأراضي الأمريكية. رغم الاستياء الذي أثاره القانون داخل المملكة العربية السعودية إلا أن محللين يرون أنه لا يعدو أن يكون مجرد بالون اختبار لجهات أمريكية فضّلت إطلاقه في زخم الحملة الانتخابية، من منطلق أن الولاياتالمتحدة لن يكون من مصلحتها المراهنة بأموال سعودية مودعة في بنوكها والتي تقدر ب14 ألف مليار دولار. محللون آخرون يرون أن ذلك يبقى مجرد توجيه رسائل إلى الرياض تتجاوز البعد الأمني في ظل التوجهات الاقتصادية لواشنطن، التي تبحث عن مصالح جديدة في المنطقة الأسياوية في سياق التكيّف مع البدائل الخارجية للسياسة الأمريكية، تزامنا مع متغيّرات سوق النفط وارتفاع المخزونات الأمريكية، فضلا عن التوجه نحو الاستثمار في الغاز الصخري. يكفي أن نستدل في هذا الصدد بالتقارب الأمريكي السعودي بعد دخول الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني حيز التنفيذ، فضلا عن تبادل السجناء بين البلدين لدرجة أن البعض يرى أن هذا التقارب يكون على حساب السعودية الحليف التاريخي لواشنطن، رغم تفنيد هذه الأخيرة أي تغيير في تحالفاتها في الشرق الأوسط. غير أن المؤشرات تلفت إلى أن الإدارة الأمريكية تأمل في إقامة "توازن" بين الخصمين الخليجيين الرياض وطهران، سعيا لوضع حد للحروب التي تهزّ المنطقة مثل الحرب في سوريا. فبعد تجربة تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط في الماضي، راهنت واشنطن على اعتماد سياسة انفراج مع عدوها اللدود الإيراني بعد 35 عاما من القطيعة في علاقاتهما الدبلوماسية، على ضوء الثقل الإقليمي الذي تمثله إيران في منطقة آسيا الوسطى ونفوذها المتغلل في منطقة الشرق الأوسط.