* email * facebook * twitter * linkedin قدّمت الدكتورة آمال بوعيشة، أستاذة جامعية متخصصة في علم النفس المرضي الاجتماعي بجامعة بسكرة بالجزائر، مداخلة حول الاضطرابات السلوكية عند الأطفال الفاقدين أسرهم في مناطق الصراع، أكدت من خلالها أن الأسرة هي ذلك البناء الاجتماعي الذي يتكون من الأب والأم والأطفال، كما أنها تُعد من أهم العوامل المكونة لشخصية الطفل التي لها تأثير مباشر فيها؛ لكونها المحيط المباشر الذي يعيش فيه الطفل، موضحة: "إن المناخ العائلي والعلاقات التي تربط بين أفراد الأسرة من أهم العوامل التي تؤثر في عمليات النمو النفسي والاجتماعي للطفل؛ إذ إن الأسرة التي تتوفر فيها عوامل الحب والمودة والعطاء والاستقرار النفسي تُعد عوامل ضرورية لتوفير مشاعر الأمن للطفل، ولتوفير عوامل النمو الانفعالي السوي له". وأضافت الدكتورة بوعيشة حيال دور الوالدين: "الوالدان يلعبان دورا مهما جدا في النمو السليم لشخصية الطفل من الجانب النفسي، وخاصة الأم التي تُعتبر مصدر العطف والغذاء خلال السنوات الأولى من عمر الطفل؛ لكونها المصدر الأول لهذه العلاقات؛ من الحب والعطف والحنان والابتسامة". وأوضحت أن غياب أحد الوالدين يؤدي إلى ظهور بعض المشكلات النفسية مثل: البرود العاطفي، والتأخر في الكلام وفي النمو العقلي، والانسحاب، واللامبالاة من جميع الروابط الانفعالية، وشعور هؤلاء الأطفال المحرومين بأنهم مختلفون عن الآخرين، وشعورهم بالنقص؛ مما يؤدي بهم إلى العدوانية تجاه ذواتهم، وتجاه الآخرين. وتشرح: "نظرا لضرورة وأهمية الجانب العاطفي في فترتي الطفولة يرى كل من سبيتز (1946) وبوبلي (1952)، أن حتى النمو الجسمي يرتبط إلى حد بعيد، بجودة العلاقات العاطفية بين الأبناء والوالدين، حيث تؤكد نظرية التحليل النفسي خطورة غياب الوالدين في حياة الطفل؛ إذ تشير إلى أن اضطراب العلاقة بالأم يؤدي إلى اهتزاز العلاقة بالواقع؛ الأمر الذي يؤدي بالطفل إلى الذهان الناتج عن افتقاد الطفل العلاقة الأولية المشبعة بالواقع مع الأم، وفقدان الطفل القدرة على حب الأم نظرا لغياب صورتها غير المشبعة، مما يجعل الطفل ينشئ العلاقة مع الأشياء الجامدة، حيث يلغي الإنسان الذي يمثل له فقدان الحب، فتؤدي هذه الحالة إلى موت الطفل لارتداد الدوافع العدوانية نحو ذاته، وهكذا يصل الحرمان الأمومي بالطفل إلى حد اضطراب شخصيته، واضطراب للطفل في حالة الانفصال عنها، فيؤدي إلى تكوين شخصية مضطربة". وتضيف المختصة النفسانية: "هذا ما يؤكد أن فقدان الأطفال أحد والديهم أو كليهما يشكل تجربة صعبة في حياتهم، من حيث ابتعادهم عن الجو الأسري، وافتقادهم العطف والحنان، وبذلك لن يحصلوا على الإشباع العاطفي، ثم إن تكيفهم مع البيئة المحيطة سيسوء، ويتصف تعاملهم مع الآخرين بالحذر، ويقل التعاون معهم، فيشعرون بالعدائية نحوهم، خاصة إذا كانوا يعيشون في بيئة يسودها التوتر واللاأمن واللااستقرار والمعاناة، مثل الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع؛ فإن هذا كله سينعكس، لا محالة، انعكاسا سلبيا على هاته الفئة المحرومة"، مضيفة: "وهذا ما أشار إليه العديد من الباحثين مثل: دراسة عبد العزيز الرفاعي (1994)، التي تقول إن كل أشكال سوء المعاملة الوالدية (الإهمال – التعذيب) تؤدي إلى ظهور بعض المشكلات النفسية؛ كالانسحاب والاكتئاب والوسواس القهري وفرط النشاط والجنوح". ومن النتائج ذكرت المختصة النفسانية الحرمان الأمومي الذي يصل بالطفل إلى حد اضطراب شخصيته، فيؤدي إلى تكوين شخصية مضطربة. وبالرغم من أن دور الأيتام تقدم لهؤلاء الأطفال المأوى والمأكل والمشرب والتعليم والرعاية الصحية، إلا أنها لا تستطيع أن تؤمّن لهم الحب والحنان والأمان النفسي الذي يمنحه الأهل لأطفالهم. وتشرح المختصة الحلول الفعالة فتقول: "ولهذا فإن وجود أسرة مكتملة العناصر (الأب، الأم، والأطفال) يُعد أساسا لصحة نفسية أفرادها، وفقدان أحد الوالدين أو كليهما يترك آثارا سلبية كبيرة على الصحة النفسية للأطفال؛ حيث تظهر الاضطرابات السلوكية والوجدانية واضحة لديهم". وتضيف: "رغم الأبحاث التي قام بها الباحثون في مجال علم النفس حول أثر الحرمان العاطفي على الطفل، إلا أن المختصين في هذا المجال يرون أن هناك تقصيرا واضحا في البلاد العربية في مجال الرعاية النفسية وتأمين الوسائل الضرورية لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال، في حين أن أغلب الدول الغربية تقوم بتوجيه الأهل إلى كيفية التعامل مع الأطفال، ليس فقط في مواجهة الحرب إذا دارت على أرضهم، بل تتجاوزه إلى الاهتمام بالتوازن النفسي للأطفال لاستيعاب الحروب التي تدور في دول أخرى بعيدة؛ للحيلولة دون تأثر الطفل من مشاهد المجازر الإنسانية على شاشة التلفزة، خاصة إذا كانت جيوش تلك البلدان هي الصانعة لتلك المجازر والنكبات. ولقد ذهبت بعض المدارس إلى إضافة حصص دراسية في مناهج الأطفال، لتهيئتهم لاستيعاب كل ما يمكن أن ينجم عن الحروب بدون صدمات نفسية أو آثار مترسبة".