لا تغيب السيدة صابونجي عن جمهورها الوفي رغم انسحابها من المشهد الفني بعد تعب السنين ومخلفات المرض والوهن. تَذكّرها محبوها بإحياء عيد ميلادها 91 الموافق للعاشر أوت، متمنين لها العمر المديد والصحة والعافية. هذه الفنانة ملكت الجمهور الجزائري بكل أجياله وأطيافه رغم غيابها سنوات عن الشاشة، وظلت تملك في مشوارها الكثير من الروائع، كما كانت شاهدا حيا على مراحل هامة من مسيرة الفن الجزائري، وعملها مع العمالقة. وفوق كل ذلك، فهي الإنسانة الرقيقة والعاصمية الحضرية، صاحبة الشموخ الجزائري الذي لا يُقهر. عاشت السيدة فريدة صابونجي الزمن الذهبي للفن مع جيل الرواد. وترعرعت في كنفهم منذ نعومة أظافرها؛ حيث انطلقت في هذا المشوار بعد مشاركتها في حصة صبيانية للفنان الإذاعي المعروف الراحل رضا فلكي، في أربعينيات القرن الماضي. ورغم الظروف الصعبة حينها خاصة بالنسبة للمرأة، إلا أنها واصلت المسيرة بكل ثبات. وعاشت الفنانة صابونجي كأبناء جيلها، ويلات الاستعمار، مما رسخ فيها حب الوطن، والانحياز، بشكل تام، للجزائريين، فقدّمت لهم تمثيليات اجتماعية، لكنها تحمل معاني وطنية، وتغرس الوعي لمواجهة هذا المستعمر الذي ظل يعمل المستحيل بكل وسائله الجهنمية، كي يمحو من ذاكرة الجزائريين هويتهم. وكانت السيدة صابونجي في كل مرة، تحكي بفخر واعتزاز، عن هذا التاريخ، وتعتز بتضحيات أبناء جيلها ومن سبقهم. وتقول إن الجزائريين كانوا رغم حالهم البائس، يملكون عزة النفس، ويعيشون يومياتهم بتضامن، ولا يفرطون في ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما كانوا مولعين بالفن؛ ليس فقط في المدن الكبرى، بل وفي كل أرجاء الجزائر، حيث كانت هي وزملاؤها يُستقبلون بحفاوة خلال جولاتهم، ويتابع الجمهور عروضهم. وارتبطت السيدة صابونجي أيضا بحبيبتها القصبة؛ لأن فيها الأصل و"ريحة البلاد"، ولأنها كانت زمن الاستعمار، رمزا للجزائر الأصيلة التي كانت تختلف تماما عن المدينة الأوروبية، لذلك عندما طلبت إدارة التلفزيون في زمن الاستعمار من صابونجي، أن تعوّض مذيعة ربط فرنسية غابت عن البث، اشترطت هذه الفنانة الجزائرية أن توجه تحية وإهداء لأبناء القصبة، وكان لها ما أرادت، وبذلك كانت أول مذيعة في تاريخ الجزائر. ظلت السيدة صابونجي وفية لزملائها، تتحدث عن ذكرياتها معهم، وتثمّن مسارهم، كما لم تقطع علاقاتها الاجتماعية وزياراتها لزميلاتها، خاصة منهن نورية وفتيحة بربار وشافية بوذراع. وبعد الاستقلال بدأت صابونجي مشوارا آخر أكثر احترافية، سواء في السينما والتلفزيون، أو في المسرح. وكانت حاضرة في الكثير من الروائع التي لم تنطفئ شمعتها إلى اليوم، ولاتزال مطلوبة بقوة من الجمهور الجزائري والمغاربي. عاشت الفنانة في ذاكرة الجزائريين بصورة المرأة المتسلطة والأرستقراطية، مثلما كانت الحال مثلا، في "خذ ما اعطاك الله يا دايم الله"، و"المصير". كما أدت بنفس التمكن، دور المرأة "المغبونة" والمغلوب على أمرها كما في فيلم "زوجة لابني"، وهو ما يثبت إمكانياتها في التمثيل من دون تكلف ولا زيف. وأدت الكوميديا من خلال عمل بُث سنة 1985، يكشف التحول السلبي الذي عرفه المجتمع الجزائري بعد الانفتاح الاقتصادي، حيث انقلبت القيم والموازين، وأصبح الدينار هو السيد، وهنا تؤدي صابونجي دور أمية، تكلف نفسها عناء المظاهر والعصرنة بشكل يثير القهقهة. التقتها "المساء" في العديد من المرات، لتكتشف تلك السيدة الحنون التي تفيض أمومة وتواضعا رغم وقوفها الشامخ وصورتها الجميلة، تتحدث برزانة وهدوء، وتحيّي، من قريب ومن بعيد، جمهورها الوفي.