❊ صراع معقّد بين العسكري والاستخباراتي بأدوات تقليدية وتكنولوجية ❊ الوضع لا يوحي بعودة قريبة للاستقرار بالشرق الأوسط ❊ الصراع ينتقل إلى مستوى جديد وجبهة مستقلّة عن المساحات التقليدية يرى الخبير في الشؤون الأمنية، أحمد ميزاب، أن تبادل الضربات بين إيران والكيان الصهيوني يمثل نقطة تحوّل استراتيجية في طبيعة الصراع بين الطرفين، مشيرا إلى أنه بعد عقود من الاعتماد على حروب الوكالة والضربات غير المعلنة، انتقل الطرفان إلى مواجهة عسكرية مباشرة ومعلنة. أوضح ميزاب، في اتصال ب"المساء" أمس، بخصوص التداعيات الأمنية المستجدة في الشرق الأوسط، أن هذا التحوّل جاء بعد اغتيال عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي السورية، حيث ردت طهران بقصف صاروخي مباشر استهدف عمق الكيان، تبعه هجوم جوي للكيان على منشآت عسكرية ونووية في قلب إيران، واعتبر أن هذا التبادل المباشر نقل الصراع إلى مستوى جديد، وفتح جبهة مستقلّة عن المساحات التقليدية التي كانت تستوعب التوتر مثل لبنان وغزّة وسوريا والعراق، وهو ما يعكس تحولات أعمق في قواعد الاشتباك وتآكل الضوابط التي كانت تحكم العلاقة بين الطرفين طوال سنوات، مشيرا إلى أن المواجهة الأخيرة كشفت تطورات حسّاسة تتجاوز الطابع العسكري التقليدي، وتظهر كيف انتقل الاشتباك إلى فضاء أعمق وأكثر تعقيدا يشمل الاستخبارات والمنشآت الاستراتيجية. وفيما يتعلق بالتكتيكات المستخدمة والأسلحة المستعملة في هذه المواجهة، ذكر محدثنا، بأن هجوم الكيان الأخير على إيران أعاد التذكير بأنه يرى في البنية النّووية الإيرانية تهديدا وجوديا، ويسعى إلى تقويضها سواء عبر الضربات العسكرية أو العمليات السرية، وهذا يفسر تكثيف النّشاط الاستخباراتي للكيان داخل إيران، بما في ذلك استخدام أراض إيرانية لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب في تحد مباشر للسيادة الإيرانية، وفي المقابل لم يكن الرد الإيراني حسبه عسكريا فقط "بل تضمن رسائل استراتيجية منها استخدام غواصات متحركة كمنصّات لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة". واعتبر أن هذه المنصّات غير الثابتة تصعب على الكيان وأجهزته الاستخباراتية تتبع مصادر الإطلاق بدقّة، وتزيد من هامش المناورة والرد السريع دون كشف مباشر، موضحا أن هذا يشير إلى تطور واضح في قدرات الردع الإيرانية، وسعيها لامتلاك أدوات إطلاق لا يمكن شلها بسهولة في حال اندلاع مواجهة مفتوحة. في نفس السياق، قال ميزاب، إن ما يتشكل هو ميدان صراع معقّد يمتزج فيه العسكري بالاستخباراتي وتتحرك فيه الأدوات التقليدية جنبا إلى جنب مع التقنيات الجديدة، وذكر بأن هذا التصعيد لا يقرأ فقط من زاوية الضربات المباشرة، بل من طبيعة الأدوات والمجالات التي يتم الاشتباك فيها، وهو ما يزيد من احتمالية الخطأ في التقدير ويدفع باتجاه مواجهة يصعب حصرها في الزمان أو المكان، لافتا إلى أن الردع لم يعد حكرا على طرف واحد. وعن مآلات هذه الحرب أردف الخبير، أن الوساطات الإقليمية عادت للواجهة منذ 12 جوان الجاري، في محاولة لاحتواء التصعيد بين إيران والكيان الصهيوني، فعمان وقطر والعراق تتحرك على أكثر من مستوى لفتح قنوات اتصال غير مباشرة بين الطرفين بدعم أمريكي حذر، لكن الدور الأمريكي نفسه يعاني من ازدواجية واضحة. وتوقع بأن ما يجري لا يوحي بعودة قريبة إلى الاستقرار، بل يؤكد أن الشرق الأوسط يعيش على حافة تحالفات متغيرة، وقرارات لا يضبطها العقل بقدر ما يوجهها ميزان الخوف والفرصة، قائلا إن الشرق الأوسط دخل مرحلة ما بعد الردع الكلاسيكي، وكل الأطراف تعيد رسم خطوطها الحمراء.