لم يخرج رد فعل وزارة الخارجية الفرنسية، حول تصويت البرلمان على قانون تجريم الاستعمار في الجزائر عن التصعيد الذي شنّته وسائل الإعلام الفرنسية بمختلف توجهاتها، منذ أن باشر النواب في مناقشته تكريسا لإرادة رئيس الجمهورية، في صون ذاكرة الأمة والحفاظ عليها، حيث شكل ذلك بمثابة صدمة هزّت دوائر الإليزيه التي مازالت تتمسّك بفكر كولونيالي متشبّع بأطروحات اليمين المتطرّف الذي مازال يطارد سراب "الجزائر فرنسية". رد فعل الكيدورسي من التصويت على القانون لم يكن مفاجئا، حيث وصف ذلك ب"المبادرة العدائية" سواء للرغبة في استئناف الحوار الفرنسي الجزائري أو لتهدئة النّقاشات حول القضايا التاريخية، ما يعكس لا محالة عدم تجرّع فرنسا لهذا النّص التشريعي التاريخي الذي جاء لينصف أخيرا ذاكرة الأمة بعد استعمار همجي دام طيلة قرن ونصف قرن. لم تكن باريس تدرك أنها ستقف أمام عدالة التاريخ، بعد محاولات غير مجدية لاعتماد القانون خلال العقود الماضية، لتجد نفسها مجردة من القيم والمبادئ التي تغنّت ثورتها بإرسائها عام 1789، بل كانت بمثابة الستار الذي يخفي أشرس عقيدة عرفتها الإنسانية بالنّظر لوحشية الجرائم التي اقترفتها في الجزائر. فرغم محاولات فرنسا عرقلة هذا الانجاز الذي وضعت أولى ركائزه بين سنوات (1987 -1992) إلا أنها لم تكن تتصور يوما أنها ستشهد هذه المرحلة التاريخية باعتماد القانون الذي ظل مطلبا شعبيا لعقود من الزمن. فقد تبلور التحرك التشريعي الجدي في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وتحديدا عام 1984، حيث ظهرت الأصوات الأولى للمطالبة بتجريم الاستعمار ووضع إطار قانوني له لحفظ الذاكرة الوطنية، قبل أن يتم بين سنوات 1987 و1992، تقديم لائحة سياسية من نواب بالبرلمان تطالب بالاعتراف والاعتذار لكن لم يتم تبنّيها آنذاك. وفي عام 2010 برزت مبادرة برلمانية تم التصديق عليها من قبل مكتب المجلس الشعبي الوطني، إلا أنها رفضت رسميا من قبل الحكومة، ليتم إقرارها أخيرا يوم الأربعاء الماضي، بإجماع برلماني، ليصبح بذلك حدثا تاريخيا يرسّخ الذّاكرة الوطنية ويحفظ حقوق الأمة. وفي موقف غير مألوف لباريس التي لطاما مارست وصايتها على مستعمراتها الإفريقية، أشار الكيدورسي، في رد فعله على مصادقة البرلمان على القانون، أن فرنسا "تواصل العمل من أجل استئناف حوار جاد مع الجزائر، يمكن أن يعالج المصالح ذات الأولوية لفرنسا والشعب الفرنسي، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الأمن والهجرة"، ما يعكس ندية الجزائر التي تتمسّك بقراراتها السيادية في التعامل مع المستعمر السابق. ويمكن القول أن قانون تجريم الاستعمار الذي ولد عشية احتفاء الفرنسيين بعيد الميلاد كان بمثابة "هدية ثقيلة" كتمت أنفاس دوائر فرنسية تصر على رفض مسايرة الأمور برؤية واقعية تحرر العلاقات الثنائية، غير أن إنصاف حقّ الشّعب الجزائري بالاعتراف بالجرائم الدامية غير القابلة للتقادم، من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة من التعامل مع باريس، بعيدا عن سياسة التعالي التي ميّزت مواقفها تجاه مستعمراتها السابقة.