خاطبت كلثوم الشعب الجزائري عبر 50 عاما من العطاء بكل المعاني، وساهمت رفقة جيلها في تأجيج وطنيته، ثم في كشف عيوب مجتمعه إيمانا منها بأن الفن رسالة ومسؤولية وليس تهريجا أو أرباحا سريعة. يتذكرها الذين لهم الحق المطلق اليوم في الحديث عنها بعدما جمعتهم بها العشرة والسنوات الطويلة، سجلوا عنها كل شيء رغم تقدم سنهم، ذلك لأن كلثوم أسطورة جزائرية إنسانية غير قابلة للتكرار. رفيقاتها يتذكرنها بخير، وعلى رأسهن السيدة نورية التي كانت الأقرب إليها، حيث التحقت بالوسط الفني في فترة الأربعينيات ليبدأ مشوارها مع كلثوم من خلال المسرحيات والجولات الفنية، وتتذكر نورية أن كلثوم انسحبت ذات مرة من أحد العروض خلال إحدى الجولات وعادت إلى الفندق بعدما اقتنعت أن نص المسرحية غير مهم ولم يتجاوب معه الجمهور ولم يفهمه، لذلك التزمت دوما وطيلة حياتها بأن تقدم العرض الذي تقتنع به حتى تقنع الآخرين. أما السيدة فتيحة بربار فترجع نجاح أية فنانة جزائرية إلى كلثوم التي كان لها الفضل في فتح هذا الطريق لأجيال من الفنانات، قالت السيدة فتيحة ذات مرة ل»المساء« إن كلثوم إنسانة ميسورة الحال ومحبوبة عند الناس، لكنها دوما تحرص على أن تبدو في صورة متواضعة سواء في اللباس أو المعاملة وغالبا ما تفضل ارتداء »الحايك« لتجول مدينتها الجزائر. من الأجيال التي تذكر كلثوم الممثلة بهية راشدي التي صرحت ل»المساء« بأنها نالت شهادة تقدير من الراحلة حين وصفتها بأحسن فنانة جزائرية، وتنبأت لها بمستقبل واعد، مؤكدة أنها تتابع أعمالها وأعمال جيلها من الفنانين الجزائريين. الفنان الكبير بن يوسف أشار إلى المرحلة الصعبة التي عاشتها الراحلة بعد صدور قرار إحالتها على التقاعد بشكل تعسفي، قاطعت على إثره بمحض إرادتها العمل الفني وذلك منذ الثمانينات. رفقاء كلثوم متفقون على كلمة واحدة عند الحديث عن هذه النجمة بقولهم »توحشناك« وهذا من فرط تعلقهم بها. ويؤكد آخرون من أمثال لخضر حمينة وسليم رياض وغيرهما من المخرجين أن ظاهرة كلثوم حالة استثنائية، فهي تمثل من غير زيف أو ماكياج، وتتقن كل الأدوار، ولا يملكون إلا أن ينحنوا لقامتها الفنية. أدت كلثوم كل الأدوار سواء في الكوميديا أو التراجيديا، ومن أبرز المسرحيات التي أدتها مسرحية »عطيل« لشكسبير من اقتباس توفيق المدني مع حبيب رضا، »زواج بالتلفون« و»البوابون« مع رويشد، كما دخلت ميدان السينما بقوة ابتداء من سنة 1965 مع لخضر حامينة في فيلم »ريح الأوراس« الذي عزز مكانتها الفنية، حيث أبدعت فيه إلى درجة أنه رشحها لنيل جائزة السعفة الذهبية ل''كان''، ولم يكن يخلو دور من أدوارها من المعاني الهادفة حتى في الكوميديا، كما كان الحال في فيلم »حسان طيرو« و»السنوات المجنونة للتويست« الذي مثلت فيه رفضها للقيم المستوردة على حساب قيمنا الوطنية، فكانت توبخ ابنها المولع بماركس، محاولة إقناعه بأن يتشبث برموز الثورة التحريرية أولا. استطاع صديقها الوفي الراحل رويشد أن يقنعها بالعودة إلى الفن ولبت الدعوة من خلال مشاركته فيلم »حسان نية« الذي حقق نجاحا كبيرا. أتقنت كلثوم أيضا الغناء، ولعلها عرفت بأغنية »ياعربان ثورو« التي غنتها قبل اندلاع الثورة محرضة الشعب على الانتفاضة ضد ظلم فرنسا، كما صدرت لها 10 أغنيات في أسطوانات لقيت رواجا كبيرا. أوقفت نشاطها إبان الثورة والتحقت بالعمل مع جبهة التحرير في العاصمة وكاد ذلك يكلفها حياتها، إذ حاصرها المظليون في بيتها ببولوغين وصوب أحدهم مسدسه نحوها ليطلق النار، لكنه تراجع في آخر لحظة عندما سمع رضيعها يبكي. تبقى كلثوم ما بقيت »برنادا ألبا« وأم الشهيد في »ريح الأوراس« و»سنوات الجمر« والعجوز صانعة الفخار في »ريح الجنوب« والزوجة المتمردة في »حسان طيرو« وغيرها من الأدوار التي هي بمثابة واقع معيش. جمهورها تعدى حدود الوطن ليمتد إلى أقاصي المغرب العربي وإلى أوربا (خاصة فرنسا وبلجيكا) إذ أن عروضها لا تقل عن 20 ألف متفرج كما كان الحال في بداية الأربعينيات.كرمتها الجزائر من خلال مؤسساتها الثقافية كالمسرح الوطني، ثم جمعية أضواء، لكنها لم تشهد هذا التكريم بفعل تدهور صحتها، لترحل بعد مسيرة متميزة لابد لها من انحناءة تقدير.