وصلنا إلى سطيف مساء يوم بارد، وكان ذلك ساعات قليلة قبل لقاء الوفاق بضيفه جوليبا المالي••• استرحنا قليلا، قبل أن نتصل بالسيد عبد الحميد كرمالي أو ''الشيخ''، لنربط معه الموعد النهائي لإجراء هذا الحوار••• الكل هنا في مدينة عين الفوارة يناديه ''الشيخ''•• الكل هنا يكن له الاحترام ولا شيء غير الاحترام•••السيد كرمالي، الذي نال منه السن مناله، مازال يتذكر أدق التفاصيل في مشواره الرياضي، كلاعب ثم كمدرب بعدة نواد•• حاولنا من خلال هذا الحوار المطوّل أن نعود بالشيخ المحترم إلى بداياته الأولى في عالم الكرة العجيب، نتذكر معه بعض مراحل حياته الرياضية، بل حتى أمورا أخرى كانت خفية عن محبوب جماهير كرة القدم•يرى الشيخ عبد الحميد كرمالي في الحوار المطول الذي خصّ به ''الفجر'' أن ''مباراة الجزائر أمام مصر ليست مصيرية، رغم أن الفوز بها إجباري''• وعاد بنا الشيخ إلى الوراء وحدثنا عن منتخب جبهة التحرير الوطني، جيل لالماس ومخلوفي، عن مرض الكرة الجزائرية وأشياء أخرى••• ماهي آخر أخبار الشيخ كرمالي بعد مباراته الاعتزالية الموسم الفارط؟ حاليا أنا في بيتي أرتاح، خاصة بعد المشوار الطويل الذي قضيته في ملاعب كرة القدم الدولية والجزائرية، سيما بعد نجاح مباراتي الاعتزالية العام الماضي والتي كانت في المستوى من جميع الجوانب، وقد تعبت كثيرا لكثرة تنقلاتي عبر كامل ولايات القطر الجزائري•• وأقول لك شيئا لم يكن متوقعا من قبل، هو أن الناس أصبحوا يحبون كرمالي أكثر من أي وقت مضى، فكل ولاية أذهب إليها أسمع عبارة: ''راهو جا الشيخ•• مرحبا بيك'' وهو ما يشرفني كثيرا لأنها جائزة اعتز بها كثيرا وأنا محل عدة دعوات وحتى إلى الصحراء العميقة في الآونة الأخيرة وحاليا أنا بين سطيف والعاصمة، حيث تحضر مؤسسة جبهة التحرير الوطني حاليا للمباراة الاعتزالية لأحد أكبر اللاعبين الذين أنجبتهم الجزائر وهو مصطفى زيتوني والمبرمجة يوم 23 ماي القادم بملعب 20 أوت• البعض يرى أنكم مازلتم قادرين على العطاء في ميدان التدريب على مستوى الأندية أو المنتخبات الوطنية بالنظر لخبرتكم الطويلة، لكن لا أثر لكم في أي هيئة كروية؟ بكل صراحة، لا يمكنني العطاء مائة بالمائة، لكن كمستشار كروي ربما، وعلى المسؤولين الحاليين والمشرفين على الرياضة وكرة القدم خاصة استغلالنا (يضحك) على مستوى الفئات الشابة أو على مستوى التكوين، لكن البعض يفكرون بالعكس وهو ما يثير حفيظتي والميدان بالنسبة لي انتهى• أليس من حق الجيل الحالي الاستفادة من تجربتكم، خاصة وأنكم عايشتم كل الظروف والمحطات الحاسمة في تاريخ الكرة الجزائرية من الثورة إلى الاستقلال وإلى التتويجات؟ • أنا أمارس كرة القدم منذ 65 سنة وهو مشوار جد متميز للاعب كرة قدم، وتخيلوا، فقد بدأت في سطيف قبل الاحتراف بفرنسا• شخصيا أريد أن أنقل خبرتي إلى الشبان الجزائريين لأننا عرفنا كيف نرفع التحدي في أوقات جد صعبة وفي ظروف لا يتخيلها الجيل الحالي الذي ينعم بالاستقلال•• وأنا مستعد لتلبية نداء أي مسؤول يريد الاستفادة من خدماتي لأن الجزائر كما ضحيّت من أجلها فقد قدّمت لي الكثير• لنعد إلى الوراء قليلا، متى بدأت ممارسة الكرة المستديرة؟ وكيف تولدت لديكم فكرة الاحتراف في البطولة الفرنسية؟ لقد بدأت ممارسة كرة القدم بمسقط رأسي بسطيف، موازاة مع مزاولتي الدراسة في إحدى المدارس الفرنسية، لكن الذي كان له الفضل في اكتشافي وفي الشارع هو لاياس، الذي اكتشف كذلك كل من مخلوفي، لعريبي والذين صنعوا بعد ذلك أفراح الكرة السطايفية• وكان أول نجاح لي حين تقرر ضمي إلى الفريق الأول ولم يكن عمري يتجاوز 61 عاما، حيث كنت ضمن فئة الأشبال وقد اطّلعت على اسمي مدونا في قائمة معلقة بأحد المقاهي• وقد بدأت مشواري في مباراة اتحاد بونة أين سجلت هدفين، لكن المفاجأة جاءت بعد لقاء الكأس أمام نجم سكيكدة، حين اقترب مني أحد المعمّرين ويدعى ليفي، وهو من أصل إسرائيلي دون شك، وقال لي بالحرف الواحد ''إن مكانك ليس في الجزائر وعليك اللعب في أوروبا'' وهنا ''دخلتني الذبانة تاع لوروب''، لكن قبل ذلك ارتكبت حماقة كبيرة، فقد أمضيت خفية عن مسيري اتحاد سطيف إجازة ثانية مع اتحاد العاصمة، حيث كنت أريد اللعب في العاصمة وتارة في سطيف، لكن حين علموا بالأمر وكان ذلك حين لعبت مع اتحاد سطيف ضد فريق أوروبي هو ''الثلاثي س'' أين احترزوا ضدي، عوقبت بعامين نافذين ومع تدهور المعيشة قررت رسميا خوض تجربة احترافية، حيث تنقلت بحرا إلى مرسيليا بعدما اقترضت بعض الأموال من عند أحد أصدقائي العاصميين•• وقد التحقت بنادي ميلوز بعد أن عاينوني في لقاء ودي وقد أعجبت كثيرا المدرب لوسيان بيربار وهو الذي بعث مشواري الكروي من جديد، وقد قلت له صراحة إنني معاقب في الجزائر ولا يمكنني اللعب وقد اجتمع المكتب المسير للنادي الفرنسي بصورة استثنائية وقد تنقلوا إلى باريس وتم خفض العقوبة من عامين إلى عام وقد لعبت أول لقاء رسمي لي خلال مباراة كان وميلوز برسم كأس فرنسا وقد أديت مباراة في القمة وتشاء الصدف أن يقوم بحراستي يومها ابن سطيف، المرحوم مختار لعريبي، واقترب مني مسيرو ''كان'' وعرضوا عليّ فكرة الاحتراف ولم أبق كثيرا في هذا النادي، ثم وقعت لنادي ليون وهنا كان المنعرج الحاسم في مشواري طالما أن البطولة الفرنسية كانت تضم عدة جزائريين على غرار مخلوفي، زيتوني، لعريبي والإخوة سوكان وبقيت لمدة موسم واحد ونصف مع النادي الفرنسي• ليأتي ذات يوم من 14 أفريل 1958 أين تلقيتم رفقة باقي اللاعبين القرار بالالتحاق بتونس من أجل تشكيل منتخب جبهة التحرير الوطني، ألستم نادمين على عدم مواصلة اللعب في فرنسا ؟ لم يكن لنا أي خيار•• فتلبية النداء كان أكثر من إجباري، فقد تركت مسكني، مالي وسيارتي ومشواري الكروي ورائي وهربنا عبر تونس وكان عددنا 10 ومنهم مخلوفي ولعريبي من نادي سانت إيتيان، عمار رواي من نادي أونجييه، بوبكر من نادي باريس وآخرين، ولم نتردد حيث توجهنا من العاصمة البلجيكية بروكسل مباشرة نحو تونس خفية عن نوادينا الفرنسية التي لم تعلم بهروبنا سوى 24 ساعة بعد ذلك وقد عنونت الصحف الفرنسية الحادثة ب''قنبلة انفجرت في فرنسا''• رغم نقص الإمكانيات، إلا أن منتخب جبهة التحرير الوطني قهر أكبر الدول الأوروبية، سيما وأن مهمته كانت إسماع القضية الجزائرية للرأي العام العالمي؟ بالفعل، فقد كنا منعدمي الإمكانيات ورغم ذلك فقد رفعنا التحدي وفزنا على يوغسلافيا يومها بنتيجة ستة أهداف لهدفين•• وقد دعانا رئيس الاتحادية اليوغسلافية لمأدبة عشاء وقال لنا بالحرف الواحد ''لو تلعب الجزائر ضد البرازيل فسيكون ذلك لقاء القرن''، كما لعبنا ضد الاتحاد السوفياتي وجمهورية تشيكوسلوفاكيا، لعبنا مباريات مثيرة وقد واجهنا كل المنتخبات العربية، عدا المنتخب المصري• هل لنا أن نعرف أسباب رفض المنتخب المصري مواجهة الجزائر آنذاك؟ المنتخب المصري كان يحضّر للمشاركة في تصفيات كأس العالم 1958 التي جرت آنذاك بالسويد، خاصة وأن الفيفا حذرتهم من مواجهة فريق ''خارج عن القانون''، وهو ما دفعهم إلى عدم التباري أمامنا، ومع مرور الأيام ارتفع عددنا إلى 34 لاعبا وكنا نقيم ونتدرب بتونس والأجواء كانت رائعة وواجهنا عدة منتخبات عالمية قبل أن يأتي الاستقلال الذي كان بمثابة ثمرة كفاحنا الرياضي• لقد كرّمكم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد سنوات الثمانينيات رفقة باقي أعضاء المنتخب، لكن علمنا أن 3 لاعبين كرّموا، لكن لم يلتحقوا أبدا بالمنتخب في تونس، هل من تفاصيل؟ بالفعل، فقد تم تكريمنا من قبل الرئيس الشاذلي بن جديد في الذكرى الثلاثين لتأسيس منتخب جبهة التحرير وتم تكريم 3 عناصر لم تلتحق بتاتا بنا في تونس، لكنني أرفض الكشف عن هويتهم وسأفصح عنهم في الوقت المناسب• لكن، لماذا تتسترون عليهم ؟ قبل كل شيء هناك الضمير الذي يحاسب كل شخص على فعلته، وشخصيا التاريخ علمني أنه مع مرور الوقت تظهر الحقائق وحدها ولا تلحوا عليّ لأنني لست مستعدا للبوح أو كشف أي إسم من أسماء هؤلاء• البعض يقول إن ''الشيخ'' هو المدرب الأكثر تتويجا في الجزائر، ماتعليقكم؟ بكل تأكيد فأنا هو المدرب الأكثر تتويجا في الجزائر، أذكر كأس إفريقيا للأمم عام 1990 وهي الوحيدة في تاريخ الكرة الجزائرية وعاما بعد ذلك توجت بالكأس الأفرو-آسيوية على حساب إيران بعد مباراة مثيرة في طهران وأمام 100 ألف متفرج، حيث تمكنا من فرض التعادل بعد هدف رائع من لعزيزي وهذا دون الحديث عن البطولات التي فزت بها مع مولودية الجزائر وكذا وفاق سطيف• هل فكرتم ذات يوم في كتابة مذكراتكم على غرار مساهمة مخلوفي الأخيرة في كتاب عن الكرة الإفريقية بمبادرة من الفيفا ؟ نعم، فكرت في كتابة مذكراتي قصد الكشف عن بعض الحقائق التي أريد البوح بها، وقد بدأت فيها فعلا رفقة أحد الصحفيين الجزائريين، لكن حماسي تلاشى مع مرور الوقت، رغم تطمينات المؤلف، لكن مثل هاته الكتب قد لا تهم الرأي العام الجزائري وسرعان ما نصبح في طي النسيان• تتابعون في عدد الغد خفايا أخريفي عالم ''الشيخ.
