عرض الفيلم الوثائقي "الساورة, كنز طبيعي وثقافي" بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية ينهي زيارته إلى بشار: مشاريع استراتيجية تعكس إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة بالجنوب    المغرب : استقالات جماعية وسط عمال ميناء طنجة رفضا لنقل معدات حربية للكيان الصهيوني    وزير الاتصال يشرف السبت المقبل بورقلة على اللقاء الجهوي الثالث للصحفيين والإعلاميين    كأس الجزائر لكرة السلة 2025: نادي سطاوالي يفوز على شباب الدار البيضاء (83-60) ويبلغ ربع النهائي    الرابطة الاولى موبيليس: الكشف عن مواعيد الجولات الثلاث المقبلة وكذلك اللقاءات المتأخرة    المغرب: حقوقيون يعربون عن قلقهم البالغ إزاء تدهور الأوضاع في البلاد    رئيس الجمهورية يلتقي بممثلي المجتمع المدني لولاية بشار    اليوم العالمي للملكية الفكرية: التأكيد على مواصلة تطوير المنظومة التشريعية والتنظيمية لتشجيع الابداع والابتكار    معسكر : إبراز أهمية الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في الحفاظ على التراث الثقافي وتثمينه    غزّة تغرق في الدماء    صندوق النقد يخفض توقعاته    شايب يترأس الوفد الجزائري    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    عُنف الكرة على طاولة الحكومة    توقيف 38 تاجر مخدرات خلال أسبوع    ندوة تاريخية مخلدة للذكرى ال70 لمشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في مؤتمر "باندونغ"    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    بلمهدي يحثّ على التجنّد    معالجة النفايات: توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للنفايات و شركة "سيال"    البليدة: تنظيم الطبعة الرابعة لجولة الأطلس البليدي الراجلة الخميس القادم    تيميمون : لقاء تفاعلي بين الفائزين في برنامج ''جيل سياحة''    السيد عطاف يستقبل بهلسنكي من قبل الرئيس الفنلندي    تصفيات كأس العالم لإناث أقل من 17 سنة: المنتخب الوطني يواصل التحضير لمباراة نيجيريا غدا الجمعة    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    الجزائر تجدد التزامها الثابت بدعم حقوق الشعب الفلسطيني    وفاة المجاهد عضو جيش التحرير الوطني خماياس أمة    أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن    المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية    اختتام الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية    تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية    3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية    مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات    23 قتيلا في قصف لقوات "الدعم السريع" بالفاشر    جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة    145 مؤسسة فندقية تدخل الخدمة في 2025    إشراك المرأة أكثر في الدفاع عن المواقف المبدئية للجزائر    محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد    بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب    بيتكوفيتش فاجأني وأريد إثبات نفسي في المنتخب    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    "شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر    الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم    تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة    حياة النشطاء مهدّدة والاحتلال المغربي يصعّد من القمع    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    عصاد: الكتابة والنشر ركيزتان أساسيتان في ترقية اللغة الأمازيغية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسار السياسي للجمهورية الجزائرية‎
من بناء الدولة والمؤسسات إلى تعزيز المكاسب الديمقراطية
نشر في المساء يوم 05 - 07 - 2012

مرت الجزائر على مدار خمسين عاما من استقلالها بمراحل تطورية مختلفة، تخللتها عدة أحداث تدخلت في تحديد المسار السياسي للبلاد، وكان لها الأثر البالغ في ضبط السياسات العامة التي تبنتها الدولة، سواء لمعالجة الأزمات التي عصفت بها أو في إطار التقويم الوطني وتعزيز المكاسب الديمقراطية التي تحققت للشعب الجزائر مع نهاية عقد الثمانينيات..

بعد إبرام إتفاقية إيفيان بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية، وتوقيف القتال في 19 مارس 1962، أنشأت بالجزائر هيئات مؤقتة للإشراف على استفتاء تقرير المصير ونقل السلطة إلى الجزائريين، وهي المؤسسات التي مهدت لمرحلة بناء الدولة الجزائرية المستقلة.

مرحلة بناء مؤسسات الجمهورية

عقب إعلان نتائج تقرير المصير في 03 جويلية 1962 بالجزائر، وترسيم الاستقلال التام للجزائريين الذين خاضوا ثورة تحريرية رائدة قهرت أكبر القوى الاستعمارية في العالم، تم نقل السلطة في البلاد إلى الهيئة التنفيذية المؤقتة المشكلة من رئيس و10 نواب، وحددت لها مهمة الإشراف عن الشؤون العامة إلى أن يتم تنصيب السلطات الجزائرية، وكان مقررا أن تنتهي الهيئة المؤقتة من الإشراف على انتخاب المجلس الوطني التأسيسي قبل 12 أوت 1962، غير أن الحوادث التي عرفتها البلاد آنذاك أخرت عملها إلى 20 سبتمبر 1962، حيث تم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي الذي انتقلت إليه كل السلطات التي كانت بيد الهيئة التنفيذية المؤقتة ومؤسسات الثورة.

وقد تشكل المجلس الوطني التأسيسي من 196 نائبا، وحددت أهم مهامه في تعيين الحكومة التي تم تنصيبها في اجتماع المجلس في 26 سبتمبر 1962، وعين الراحل أحمد بن بلة رئيسا لها.

وقام المجلس بمحاولات لإعداد مشروع الدستور، لكن تبين للمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ولرئيس الحكومة أن النقاش الدائر في المجلس، لا يعبر عن مبادئ الثورة ومضمون برنامج ميثاق طرابلس الهادفة إلى إرساء ديمقراطية شعبية، ولذلك، تم تكليف لجنة خاصة لإعداد مشروع الدستور الذي تم إقراره من قبل المجلس الوطني التأسيسي في 28 أوت 1963، قبل عرضه على استفتاء شعبي في 08 سبتمبر 1963، ليكون بذلك أول دستور في تاريخ الدولة الجزائرية المستقلة.

وبُني النظام السياسي الجزائري في ظل دستور 1963 على أساس النظام الجمهوري في ظل الديمقراطية الشعبية، حيث تمارس السلطة من طرف الشعب الذي تتكون طليعته من المثقفين الثوريين، الفلاحين والعمال، مع إقرار النظام الاشتراكي أسلوبا لتنمية البلاد وترقية الشعب وحصر أداته في الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير الوطني “كحزب طلائعي يهتم بتحديد سياسة الأمة ويوجه ويراقب مؤسسات الدولة”. كما أقر هذا الدستور حقوق وحريات الأفراد من منظور التوجه الاشتراكي.

وحدد دستور 1963 ممارسة السيادة في البلاد من خلال ثلاث هيئات هي المجلس الوطني، السلطة التنفيذية، وجهاز العدالة، مع الإشارة إلى أن السلطة التنفيذية طبقا للنص، يتولاها رئيس الجمهورية الذي ينتخب بالاقتراع العام ويجمع بين منصبي رئيس الجمهورية والحكومة، ويعد مسؤولا أمام المجلس الوطني.

تنظيم السلطة بين 1965 و1976 وإصدار الميثاق الوطني

في 19 جوان 1965، قامت مجموعة من الضباط وعلى رأسهم هواري بومدين، بإنقلاب على حكم الرئيس أحمد بن بلة، أطلق عليه حينها ب«التصحيح الثوري”، وفي 7 جويلية 1965، تم إصدار أمر أعاد تحديد آليات ممارسة السلطة، من خلال جمع الصلاحيات بيد مجلس الثورة المتكون من 26 عضوا، وذلك في انتظار إصدار دستور جديد، فيما تم إقرار دور الحكومة في كونها أداة تنفيذ بيد مجلس الثورة، يرأسها رئيس مجلس الثورة، وتم إضافة إلى ذلك، إنشاء هيئات استشارية منها المجلس الاقتصادي والإجتماعي.

في 19 جوان 1975، أعلن الرئيس هواري بومدين عن نيته في العودة إلى الشرعية الدستورية، وتم بتاريخ 5 جويلية 1976 إصدار الميثاق الوطني الذي يعتبر المصدر الأسمى لسياسة الأمة وقوانين الدولة، وتزامن ذلك مع إعداد دستور 1976 الذي عرض على الاستفتاء الشعبي في 19 نوفمبر 1976. وقد قسم هذا الدستور وظائف السيادة بين مؤسسات الدولة، وحدد ثلاث وظائف أساسية تشمل الوظيفة السياسية التي يمارسها حزب جبهة التحرير الوطني من خلال هياكله ومؤسساته، الوظيفة التنفيذية التي يتولاها رئيس الجمهورية بمفرده، ويمارس بالإضافة إليها مهام تشريعية عن طريق الأوامر، وكذا الوظيفة التشريعية التي يتولاها المجلس الشعبي الوطني.

التأسيس لمرحلة التعددية والبناء الديمقراطي

مع ظهور بوادر التراجع عن النظام الاشتراكي في بداية سنوات الثمانينيات وتجلي فكرة مراجعة الميثاق الوطني في سنة 1986، لاسيما في ظل تسارع الأحداث والرغبة في دفع عجلة الإصلاحات السياسية الاقتصادية ونشوب أحداث 5 أكتوبر 1988، تم في 3 نوفمبر 1989 إجراء استفتاء شعبي حول تعديل دستور 1976، وشملت أهم التعديلات إنشاء منصب رئيس الحكومة، وتم تشكيل لجنة تقنية لإعداد مشروع دستور جديد عرض لاستفتاء شعبي في 23 فيفري 1989، وشكل أول تحول سياسي عميق في حياة الجزائر المستقلة من خلال إقراره التعددية السياسية والإعلامية.

كما كرس دستور 1989 التوجه الليبرالي كنظام بديل عن النظام الاشتراكي، وأقر مجموعة من المبادئ أهمها؛ تقرير مبدأ الملكية الخاصة وحرية المبادرة الفردية، مع الأخذ بالتعددية الحزبية والتراجع عن نظام الحزب الواحد، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية، التنفيذية والقضائية، علاوة على إقرار حقوق وحريات الأفراد، إلى جانب تأكيد المبادئ المتعلقة بهوية الشعب الجزائري المتمثلة في الإسلام، العروبة والأمازيغية.

غير أن بداية أول تجربة للتعددية الحزبية اصطدمت بصعوبات وتعقيدات عدة، ترتب عنها توقيف المسار الانتخابي في جانفي 1992، واستقالة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، مع حل المجلس الشعبي الوطني، مما خلق فراغا دستوريا عولج بإنشاء المجلس الأعلى للدولة، تعويضا لمنصب رئيس الجمهورية، ليتم بعدها تعيين المجلس الشعبي الوطني.

وشهدت هذه المرحلة بداية مأساة وطنية كلفت الشعب الجزائري تضحيات جساما، تمثلت في سقوط عشرات الآلاف من القتلى بفعل تصاعد الأعمال الإرهابية التي كلفت البلاد أيضا خسائر مادية قدرت قيمتها بالملايير.

وفي خضم هذه الأحداث المريرة، تم في عهد الرئيس ليامين زروال، تشكيل لجنة تقنية لإدخال تعديلات جذرية على دستور 1989، تم عرضها على الإستفتاء الشعبي في 28 نوفمبر 1996. وطبقا لتعديل الدستور في 1996، تم حصر السلطة التنفيذية في رئيس الجمهورية والحكومة، مع تحديد كيفية وشروط انتخاب الرئيس، إلى جانب تحديد المدة الرئاسية بخمس 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وعرفت الجزائر في جوان 1997، ثاني انتخابات تشريعية في عهد التعددية السياسية، تحصل فيها حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي تم تأسيسه في نفس السنة، على أغلبية المقاعد في المجلس الشعبي الوطني، فيما قرر الرئيس ليامين زروال في العام الموالي تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، أعلن السيد عبد العزيز بوتفليقة عن ترشحه فيها في ذكرى وفاة الرئيس هواري بومدين في 27 ديسمبر 1998 بصفته مرشحا حرا، ليتم انتخابه في 15 أفريل 1999 رئيسا للجمهورية، محددا ثلاثة أهداف في برنامجه الرئاسي شملت إعادة السلم والاستقرار لربوع الوطن، إنعاش الاقتصاد الوطني وإعادة الجزائر إلى مكانتها في المحافل الدولية.

وفي إطار تطبيق المحور الأول لبرنامجه الرئاسي، أعلن الرئيس بوتفليقة عن برنامج الوئام المدني الذي زكاه الشعب الجزائري في استفتاء شعبي في 16 سبتمبر 1999، ثم أصدر في 10 جانفي 2000 عفوا عن أفراد الجماعات المسلحة الذين اختاروا العودة إلى أحضان الوطن، مما ساهم في إخماد نار الفتنة وإعادة الاستقرار بشكل تدريجي إلى ربوع الوطن.

وعمل الرئيس بوتفليقة على تشكيل حكومة جمعت كل الأطياف السياسية، بما فيها أحزاب المعارضة، على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.

ومع العودة التدريجية للأمن، باشر الرئيس بوتفليقة برامج إصلاحية واسعة مست العديد من القطاعات، وذلك في إطار برنامج واسع لتعزيز دعائم الدولة، من خلال إصلاح هياكلها ومهامها، إصلاح المنظومة القضائية والإدارية والمنظومة التربوية، واتخاذ جملة من الإجراءات الاقتصادية الجريئة شملت على وجه الخصوص؛ إصلاح المنظومة المصرفية، قصد تحسين أداء الاقتصاد الجزائري، الأمر الذي مكن الجزائر من دخول اقتصاد السوق واستعادة النمو ورفع نسبة نموها الاقتصادي الذي بلغ نسبة مستقرة في حدود 5 بالمائة.

وعرفت هذه المرحلة أيضا إعلان الرئيس بوتفليقة قرارا تاريخيا تضمن ترسيم الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية، وتم إدراج ذلك في الدستور، بموجب التعديل الذي تمت المصادقة عليه من قبل أعضاء غرفتي البرلمان في 8 أفريل 2002.

وفي 30 ماي 2002، نظمت الجزائر ثالث انتخابات تشريعية في عهد التعددية، والثانية بعد توقيف المسار الانتخابي في 1992، تحصل خلالها حزب جبهة التحرير الوطني على أغلبية مقاعد البرلمان، حيث ظفر ب199 مقعدا من أصل 389 مقعدا.

وفي 2 أكتوبر 2003، أعلن الحزب العتيد سحب وزرائه من الحكومة وترشيحه أمينه العام علي بن فليس لرئاسيات أفريل 2004، فيما أعلن الرئيس بوتفليقة في 22 فيفري 2004، ترشحه لعهدة ثانية، وبنى حملته الانتخابية على النتائج الإيجابية التي حققتها عهدته الأولى، لاسيما على صعيد وقف إراقة الدماء وإرساء دعائم السلم والاستقرار، مدافعا عن الأفكار والآراء الكامنة في مشروع المجتمع الذي يؤمن به، لاسيما مسعاه الرامي إلى إرساء مصالحة وطنية شاملة بين أبناء الجزائر، فشكل ذلك أبرز المحاور التي تضمنها برنامجه الانتخابي الذي زكاه الشعب الجزائري، من خلال إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية لعهدة ثانية بما يقارب 86 بالمائة من الأصوات في رئاسيات 8 أفريل 2004.

وبالفعل، فقد شكلت تزكية الشعب لميثاق السلم والمصالحة الوطنية أبرز المحطات التاريخية خلال المرحلة التي أعقبت انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثانية، بفضل الاستفتاء الشعبي الذي شارك فيه الجزائريون بكثافة في 29 سبتمبر 2005.

فضلا عن ذلك، سجلت العهدة الثانية للرئيس بوتفليقة بداية مرحلة جديدة في تاريخ الجزائر، مع دخول الدستور الجديد في صيغته المعدلة حيز التنفيذ، بعد مصادقة البرلمان بغرفتيه في نوفمبر 2008 على التعديلات الجديدة التي أقرها الرئيس بوتفليقة، وأكد دستوريتها المجلس الدستوري، وتضمنت هذه التعديلات؛ 13 مادة أساسية تخص تعديل 11 مادة من ناحية الشكل والمضمون، وإضافة مادة جديدة تنص على عمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.

كما تم إدراج مادة جديدة تشير إلى استبدال وظيفة “رئيس الحكومة” بوظيفة “الوزير الأول”، علاوة على إدراج محور حماية رموز الثورة، وترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة. كما أضيفت جملة في المادة 178، تنص على أنه لا يمكن لأي تعديل دستوري أن يمس برموز الجمهورية، وأنه “لا يجب المساس بالعلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية”، مع التنصيص على إمكانية تجديد انتخاب رئيس الجمهورية.

وبعد هذا الحدث السياسي الهام، شكلت الانتخابات الرئاسية التي تم تنظيمها في 8 أفريل 2009 الحدث السياسي الأبرز، خلال العقد الماضي، كونها كرست مبدأ الاستقرار والاستمرارية وعرفت مشاركة قياسية للناخبين تجاوزت 74 بالمائة، وعكست مدى ارتباط المواطنين بالعملية السياسية الأكثر أهمية في المسار الديمقراطي للبلاد.

وتنافس في تلك الانتخابات 6 مترشحين من أصل 13، وشارك فيها للمرة الثالثة على التوالي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى جانب كل من لويزة حنون، علي فوزي رباعين، محمد جهيد يونسي، محند السعيد أوبلعبد وموسى تواتي.

وفاز في تلك الانتخابات الرئيس بوتفليقة ب90,24 بالمائة من الأصوات، ليواصل بذلك عمله على ترسيخ الاستقرار وتكريس الاستمرارية في مجال الإنجازات والمكاسب السياسية، الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها خلال عشرية من الزمن، وكانت أكبر بكثير مما تمكنت الجزائر من تحقيقه منذ استقلالها في 1962 إلى غاية نهاية التسعينيات.

وعملا على تثمين هذه المكاسب، تعهد الرئيس بوتفليقة في خطاب تأديته اليمين الدستورية في 19 أفريل 2009، بمواصلة الإصلاحات في شتى المجالات، وأكثر من ذلك، فقد أسهب في الحديث عن قطاع الإعلام من زاوية أن عهدا جديدا سيتم فتحه مع الصحافة، من خلال تكريس مبدأ حرية التعبير وضمان حق المواطن في الإعلام، وهو الشيء الذي شرع في تجسيده بالفعل من خلال إطلاق قناتين متخصصتين؛ الأولى للقرآن الكريم وأخرى للغة والثقافة الأمازيغية.

لقد جاء برنامج الرئيس بوتفليقة للعهدة الرئاسية الثالثة بعنوان “الاستمرارية”، ومن أبرز المشاريع التي حملها هذا البرنامج؛ ملف المصالحة الوطنية الذي حظي بمتابعة من طرف السلطات العمومية، حيث تم الإبقاء على أبواب “الرحمة” مفتوحة أمام كل المغررين بهم للعودة إلى المجتمع.

وعرفت سنة 2009 انضمام العديد من قيادات الجماعات الإرهابية التي سلمت نفسها إلى قوات الأمن وإلى مشروع المصالحة الوطنية، وأطلقت نداءات موجهة إلى العناصر الحاملة للسلاح “للعودة إلى رشدهم” والكف عن إلحاق الأذى بأبناء وطنهم، ولقيت تلك الدعوات استجابة معتبرة من قبل عدة عناصر استسلمت لقوات الأمن في إطار الاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية، في وقت لم تكف فيه جهود مكافحة الإرهاب من قبل قوات الأمن بمختلف أسلاكها، والتي نجحت في القضاء على العشرات من العناصر الإرهابية وقياداتها.

وعرفت هذه المرحلة التاريخية الهامة في تاريخ الجزائر الحديثة أيضا، إطلاق مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية (2009 2014) بغلاف مالي ضخم قيمته 286 مليار دولار، وذلك بعد نجاح الجزائر في معالجة مديونيتها الخارجية التي ظلت تؤرقها.

مرحلة تعميق الإصلاحات السياسية

وقد تعززت مكاسب هذه المرحلة الجديدة في سنة 2011، بإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطاب تاريخي للأمة في 15 أفريل، عن دخول البلاد مرحلة مفصلية ومصيرية للتغيير الهادئ وتقوية دعائم الديمقراطية، من خلال تطبيق برنامج إصلاحات سياسية عميقة، جاء الإعلان عن أولى إجراءاته في مجلس الوزراء في 3 فيفري 2011 بإقرار رفع حالة الطوارئ بعد 9 سنوات من إرسائها. فيما بادر الرئيس بتعيين السيد عبد القادر بن صالح كشخصية وطنية مكلفة بإجراء مشاورات واسعة حول مختلف المحاور المحددة، في إطار برنامج الإصلاحات السياسية، وتم تعيين كل من الجنرال محمد تواتي والمستشار بالرئاسة السيد محمد علي بوغازي مساعدين لبن صالح، في إطار لجنة المشاورات السياسية التي عقدت من 21 ماي إلى 21 جوان 2011، اجتماعات استشارية مع الأحزاب والشخصيات الوطنية ومختلف فعاليات المجتمع السياسي والمدني، حول جملة القوانين المقترحة للتعديل والمراجعة بما فيها مراجعة الدستور، وشملت النصوص المعنية التي تم فيما بعد المصادقة عليها من قبل البرلمان، مشروع قانون الانتخابات، الأحزاب السياسية، الجمعيات، الإعلام، التمثيل النسوي في المجالس النيابية، التنافي مع العهدة البرلمانية وكذا مشروع قانون الولاية، وقد تم تكريس بعض هذه المشاريع الجديدة التي جاءت لتعزّز المسار الديمقراطي والتجربة التعددية في أولى المحطات السياسية الهامة التي ميزت المشهد السياسي الجزائري خلال العام الجاري، والمتمثلة في الانتخابات التشريعية للعاشر ماي 2012، حيث عرفت هذه المحطة مشاركة 21 حزبا سياسيا جديدا، اعتمد بموجب قانون الأحزاب الجديد وتطبيق إجراءات النص الداعم لنسبة التمثيل النسوي في المجلس المنتخبة، وقد أسفرت نتائج التشريعيات التي شارك فيها ما لا يقل عن 44 حزبا سياسيا، وعرفت عودة حزب جبهة القوى الإشتراكية المعارض إلى هذا المعترك السياسي، عن فوز حزب جبهة التحرير الوطني بأغلبية المقاعد (208 مقعد من أصل 462 مقعدا)، فيما ظفر حزب التجمع الوطني الديمقراطي ب68 مقعدا، وهو ما أثار احتجاجات حادة من قبل عدة أحزاب سياسية، عبرت عن قلقها حول قدرة البرلمان الجديد على حمل رهانات المرحلة المفصلية التي تمر بها البلاد، واستكمال برنامج تعميق الإصلاحات السياسية التي بلغ أبرز محطاته المتمثلة في تعديل الدستور، لتستمر بذلك حالة الترقب لما ستفرزه التطورات السياسية المرتقبة خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة، والتي تعد بالفعل مصيرية بالنسبة للمستقبل السياسي للبلاد، بالنظر إلى ارتباطها بمرحلة تتويج الإصلاحات التي سيؤسس لها الدستور الجديد، وتزامنها مع نهاية مرحلة التقويم السياسي التي قادها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال عهداته الرئاسية، واقتراب البلاد من عهد جديد، قد تؤسس له الانتخابات الرئاسية المقرر في 2014، وكل ذلك في ظل حراك إقليمي ودولي يتفق الجميع على أن الجزائر تؤثر فيه وتتأثر به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.