ليس من السهل أن يكون المرء أبا، رغم كل الاعتقادات التي تعتبر أن الأبوة فطرة. فالعارفون والخبراء في مجال الأسرة لم يعودوا يترددون في الإشارة إلى ضرورة تعلم الأبوة، باعتبارها سلوكا يكتسب ويحتاج إلى دروس من قبل المختصين في علم النفس أو التنمية البشرية. وفي الكثير من الدول تتوفر فضاءات خاصة بتلقين الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأبناء. ولأن التغيرات الحاصلة في المجتمعات باختلافها جرت معها تغيّرات في وظيفة الأشخاص ضمن الأسرة والمجتمع ككل، فإن إعادة النظر في الوظيفة الأبوية واردة، وهو ما يتم بعد تحليل التحولات التي تعيشها الأسرة. ويشير الخبراء، ومنهم البروفيسور دليلة تيزي المختصة في الطب النفسي، أن التحضير لمهمة الأبوة تبدأ من المراهقة، لأنها المرحلة التي يبدأ فيها الشاب في البحث عن نفسه وعن هويته، وبالتالي هي بداية لتشكّل أهم عناصر هذه الهوية. لكن المشكل المسجل حسبها- هو أن النظام الاجتماعي والأسري الحالي لايسمح للمراهق والشاب عموما بأن يصبح بالغا، وكأنه يحاول أن يجرده من وظيفته الأبوية. ومن المفروض أن يلعب الأب دورا مهما في مرحلة مراهقة أبنائه، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، لأن ذلك سيحدد الكثير من معالم شخصيتهم وحتى مستقبلهم. في هذا الإطار، تشير البروفيسور صفاء بغيري المختصة في طب النفس، أن الوظيفة الأبوية هي عتبة المرور من الرابط العائلي إلى الرابط الاجتماعي، والمكانة التي يحتلها الأب في حياة أي شخص “حيوية”، لأنها إحدى الدعامتين المشكلتين لشخصيته، وبالتالي فإن غياب الأب يحيل إلى طرح الكثير من الأسئلة. والغياب الذي تتحدث عنه المختصة لايتعلق بالموت، وإنما بغيابه المادي والمعنوي عن فضاء الطفل، وهو مايعدّ انشغالا حقيقيا بالنسبة للخبراء. وتركز السيدة بغيري على علاقة البنت بالأب، إذ تعتبر أن غيابه عن فضائها سيخلق امرأة لايمكنها أن تحب رجلا إلا بطريقة انفعالية ومتمزقة، أو امرأة غير قادرة على الانفصال عن رجل يحطمها أو امرأة لاتستطيع أن تحب رجلا حقيقيا وتستثمر خيالها في تشكيل ملامح رجل مثالي. من جانبها، تتحدث المختصة النفسية فاطمة عرار عن تأثير غياب الأب على تمدرس الأبناء من خلال عرض حالات واقعية لأطفال يعيشون صعوبات في المدرسة، حيث تقول؛ إن الانسحاب التدريجي للأب من وظائفه التربوية وغيابه كنموذج في تعليم الطفل، وشغل الأم لوظيفة الأب أكثر فأكثر، تؤدي إلى تكوّن اختلال في تحديد الأطفال لهويتهم وهو مايؤثر على مسارهم الدراسي. نفس التأثيرات تظهر في مجال الصحة، إذ أن الملاحظ في السنوات الأخيرة كما يشير إليه المختصون- هو غياب الأب وعدم متابعته لحالة أبنائه الصحية، فالأم هي التي تتكفل بأخذهم للعلاج في حال المرض، كما تتكفل بمواعيد التلقيحات وحتى بالصحة النفسية لهم. وتتطرق السيدة عائشة رابح سجلماسي من جانبها إلى مسألة جد هامة وهي تأثير التكنولوجيات الحديثة في الوظيفة أوالسلطة الأبوية، مستعرضة أهم التحولات التي يعيشها المجتمع حاليا، لاسيما ثورة المعلومات ومكانة الأنترنت في حياة الأبناء، مما قوض دور الأب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تلفت الانتباه إلى وضع “الأسر التي يعاد تكوينها بعد طلاق الوالدين”، مشيرة إلى ضرورة إعادة النظر في صورة العائلة. كما أن للخلافات الزوجية تأثيرا سلبيا على دور الأب داخل العائلة ووظيفته تجاه الأبناء، لاسيما في الوقت الراهن، حيث يعيش العالم فترة جديدة تتميز بسقوط الرموز ومنها الأب- وكذا طغيان دور الأم في الأسرة، كما يؤكده البروفيسور الفرنسي بيرنار مارتنيز المتخصص في الطب النفسي وفي التكوين بمجال العلاج العائلي. وهومايبرز بالخصوص في حالة العائلات المختلطة التي يكون فيها الأب والأم من بلدين أو ثقافتين أو دينين مختلفين.