فنان مغترب متعدّد المواهب عازف ضمن فرقة موس حكيم ”أوريجين كونترولي ”زبدة” سابقا، بتلقائية واحترافية عجيبة، يلامس أكثر من آلة موسيقية بطريقة سحرية جذابة، إذ منحته الموهبة القدرة على التلاعب بالنوتات واستخراج أعذب النغمات، عاشق للفن الشعبي: الباجي وعمر الزاهي، قروابي، عاشق أيضا للتراث ومجدّد وباعث لأجمل ما صدحت به حناجر فنانين كبار كدحمان الحراشي، سليمان عازم والشيخ الحسناوي، هذا الأخير الذي يعتبر شيخ شيوخ أغنية المهجر، وهدفه من هذا البعث والتجديد هو تكريم المشايخ والترويج للتراث الجزائري في بيئة غربية أجنبية يلقى فيها فننا الأصيل صدى وانتشارا. الفنان الجزائري المقيم بفرنسا ”رشيد بن علاوة” الذي تسنى لنا لقاؤه ومحاورته حيث استضافناه في تولوز بات، هو ضيف ”المساء” هذا الأسبوع، توقفنا معه عند محطات هامة من مسيرته الفنية المرتبطة بفرقة ”الإخوة موس حكيم” التي يعدّ من أهمّ أعضائها وتحدثنا عن أعماله ضمنها، جولاته آفاقه وتطلعاته من خلال هذه الدردشة الشيقة: - عازف على أكثر من آلة بدقة واحترافية متناهية، أهي الموهبة؟ * أجل، فرغم أنني أعزف على الماندول والناي والبيانو، إلاّ أنّني لا أعتبر نفسي عازفا محترفا لكنني أعزف بطريقة تلقائية على طبيعتي وأغني أيضا بتلقائية وليس ثمة أروع من أن يكون الإنسان على طبيعته. - تنتمي إلى فرقة الإخوة موس حكيم ”أوريجين كونترولي” فرقة زبدة سابقا، وهي التي تزخر بمواهب محترفة عربية وأجنبية، فكيف حدث هذا التجانس بين أعضائها؟ * الإخوة مصطفى وحكيم هما دعامة فرقة زبدة سابقا ذات التاريخ والرصيد المشرّف وفرقة أوريجين كونترولي حاليا المدعمة بمواهب أجنبية أذكر منها: جون لوك أمس توي على آلة الأكورديون، سرج لوبيرز على القيتار، جوليان كوستا على آلة الباتري، ماني فيقورو على القيتار ويانيك تورني على آلة الباص، وكلّ عنصر من الفرقة مرتبط بالآخر ونعمل في تناغم واتفاق وبيننا تفاهم تام، وهنا يكمن سر الاستمرارية، وهذا ما يضمن دوما نجاح المشاريع الفنية لفرقة أوريجين كونترولي. - إتقانك للفرنسية وللهجة العامية والأمازيغية كان قطعا في صالحك؟ * أكيد فهذا ما جعلني أساعد مصطفى وحكيم على ترجمة كلمات الأغاني واستنباط المعاني وانتقاء أجملها، لتكريم أصحابها، فمعرفة اللغة شيء أساسي في اختياراتنا وعملنا ككلّ. - كعازف متمكّن مشهور حدث قطعا وأن رافقت في فرنسا فنانين جزائريين كبار، حدثنا عن تجاربك؟ * أجل حظيت بشرف مرافقة فنان الفكاهة فلاق في عرضه، بالعزف على آلة البيانو، كما رافقت المطرب إيدير وكانت التجربتان ممتعتين. - أهديتني أغنية ”الحراز” بعزف منفرد ومرتجل على البيانو، أشهد أنّ العزف كان مدهشا وبسرعة فائقة وبإيقاعات جميلة وصوت رائع وتلقائية لأوّل مرة أصادفها، فهل هي طريقتك الخاصة في تطوير وتسويق الأغنية الشعبية إلى عالم غربي عاشق للخفة والحركة والديناميكية؟ * إنّها بالفعل طريقتي، فأنا لم أتعلّّم يوما الموسيقى لكني مع هذا أعزف على أكثر من آلة كما سبق وأن ذكرت، منها: البيانو الذي جعلت الشعبي يسترسل مع خفة نغماته وإيقاعاته، هي طريقتي المبتكرة، هو إبداعي الذي أتى أكله معي هنا وهناك، فالكثير تجذبه طريقتي في العزف والغناء، العالم يتحول وبسرعة ويهفو إلى كلّ ما هو ديناميكي، فمن الضروريّ جدّا الاحتفاظ بروح الأصالة والمعنى مع ديناميكية في الرتم وهذا ما قد يساعد على الترويج أكثر للأغنية الشعبية الجزائرية، وهو ما حققناه فعلا هنا في فرنسا على وجه الخصوص، فأينما حللنا أعجب الغرب بفننا وتجاوب معه، وهذا هو الهدف والمطلوب. - فرقتكم تعمل على إعادة أغاني فنانين كبار عاشوا كلّهم الغربة، فما سرّ اختياركم لأغنية المهجر تحديدا؟ * هي أغان فيها شجن وحزن وألم واشتياق كتبت نصوصها وسجّلت هنا، وطبعت معاناة فنانين هجروا البلاد وآخرين نفوا، لذا تجد لها تأثيرا خاصا في النفوس، فالفن قبل كل شيء إحساس والفنان ”سليمان عازم” و«الشيخ الحسناوي” أبا الإحساس، هذا الأخير الذي غنى ”الغربة تحرق”، وكتب أيضا بإحساس امرأة تنادي زوجها وتناشده العودة في أغنية ”ايناس ما دياس” أي قول له يرجع، وأغنية” أرواح.. أرواح” وكلها أغان توحي باشتياق فنان من طراز خاص للعودة إلى بلد اضطرّ إلى هجره. - وماذا عن حقوق المؤلف، هل تراعونها؟ * حقوق المؤلف عندنا محفوظة وبأمانة وتعود مداخيل ما نعيده من أغاني لأصحابها، أعطيك مثالا، فنحن حين أعدنا أغنية الشيخ الحسناوي” إيناس ما دياس” تنقلنا إلى مكان عزلته فزرنا قبره وزوجته المسنة قمنا بالاطمئنان عليها وعلى أحوالها وعلى وصول حقوق البث إليها كاملة غير منقوصة، فنحن هنا في بلد يعطي كلّ ذي حق حقه والفنان له حقوقه، فعندما نقوم بحفل نؤجر وعندما نعيش بطالة مقنعة لنا أجرنا الشهري، وهذا ما جعلنا نستقر هنا لأنّنا نحظى كفنانين بحقوقينا كاملة غير منقوصة. - حدثنا عن أهم الجولات والحفلات التي شاركت فيها وفرقة”أوري جين كنترولي”... * وقفنا على ركح قاعة الأولمبيا التي احتضنت العديد من عمالقة الفن العربي والغربي، كما أقمنا حفلات في الزينيت بباريس وشاركنا رفقة المطرب أيت منقلات في حفلات بفرنسا، الفرقة عموما جالت بمختلف ربوع فرنسا أكثر من أربع مرات. - وماذا عن الجزائر؟ * سبق وأن أحيينا حفلات في قاعة ابن زيدون برياض الفتح في 2008 ومؤخرا استدعينا لإقامة حفل بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، اختير البريد المركزي كمكان له وقد أدينا أغان بالأمازيغية والعامية لمشايخ الجزائر منهم: الباجي، ،سليمان عازم، الشيخ الحسناوي وغيرهم وغنينا بالفرنسية أيضا... - هل لنا معرفة ما مدى التجاوب أو الصدى مع ما قدمتموه على المباشر؟ * تجاوب كبير ونجاح منقطع النظر كان نصيب الحفل مؤخرا، إذ قدمنا كوكتيلا متنوعا طعمته أصالة الفن الجزائري المتغني بالغربة وحرقتها والجزائر وجمالها، من خلال مجموعة من الأغاني المنتقاة، منها: أغنية دحمان الحراشي ”بهجة بيضة ما تحول”، فكان انسجام الحضور والشباب مع الحفل أكثر من رائع... - ما جديد الفرقة؟ * هناك قرص صدر ل«الإخوة موس حكيم” يضم 20 سنة من عطاء فرقة ”أوري جين كونترولي” زبدة سابقا، حفلات على المباشر، إعادة لأغاني كبار الفنانين الجزائريين بتوزيع جديد فيه إبداع وديناميكية، وقد عرض القرص في المركز الثقافي الفرنسي بمناسبة الاحتفالية بمرور عشرين سنة على نشأة الفرقة. - عم أسفر التنقيب في التراث هذه المرة وإلى أين الوجهة؟ * بدأنا البحث وسنسعى هذه المرة لتكريم مطربات جزائريات تركن بصمتهن البارزة على الأغنية الجزائرية الأصيلة بمختلف أنواعها، ربّما استغرق منا البحث وقتا طويلا لكن المهم هو العثور على ما يستحق فعلا أن يعاد ويكرّم والتراث الجزائري غنيّ وزاخر بما يستحق التكريم فعلا. - أغلى أمنية تراودك؟ * : أرى أنّه جميل أن نطور ونبدع لكن بعيدا عن التشويه، لذا فكل ما أتمناه لغيرتي على الفن الجزائري والأغنية الأصيلة، هو أن نخرجها من الأجهزة الإلكترونية التي أخفت سحرها وجمالها الطبيعي، فالكل صار باستطاعته العزف والترفيه عن النفس بفضل التكنولوجيا التي سهّلت الأمور كثيرا، وهذا شيء جميل أيضا، لكن يبقى الهاوي هاويا والمحترف محترفا، فالغناء مهنة كغيرها، لكنّها مهنة لمن له مؤهّلات كثيرة ومن أهمّها الصوت والقدرة على الإبداع والعطاء في هذا المجال. - :كلمة أخيرة؟ * أشكركم جزيل الشكر على الزيارة المفاجئة التي أسرّتنا كثيرا وعلى الاهتمام بالجالية وبالفن هنا في فرنسا، وأجمل تحية أزفها بالمناسبة لأهلي في بجاية (مسقط رأسي) وللشعب الجزائري الذي احتضن مؤخرا الفرقة بدفء وحفاوة كبيرة، وشكرا خاصا لجريدة ”المساء” على الالتفاتة واللقاء.