حب ندى مهري للأطفال لا يحده حدود، والدليل تخصّصها في الكتابة الأدبية لهذه الشريحة الغضة والهشة من المجتمع. وفي هذا السياق صدرت للأديبة مجموعة قصصية بعنوان «لعبة الألغاز»، التي تُعد المولود الثاني في هذا الجنس بعد «أميرة النجوم» التي ظفرت بها الكاتبة بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2009. وتضم المجموعة القصصية «لعبة الألغاز» للكاتبة الجزائرية المقيمة بمصر ندى مهري، ثلاث قصص، الأولى تحمل نفس عنوان المجموعة، والثانية بعنوان «ندى والجائزة» والثالثة مستوحاة من التراث الشعبي تحت عنوان «لونجا بنت الغول». وتحكي «لعبة الألغاز» قصة حنان التي لم تستسغ انتقالها رفقة والدها إلى قرية تبعد كثيرا عن مدينتها والاستقرار بها، بسبب أنها لا تعرف أحدا في هذه المنطقة الجديدة علاوة على أن هذه الأخيرة تفتقر لأماكن للترفيه، وهكذا حزنت حنان على هذا التغيير الكبير في حياتها وبكت كل دموع جسدها. وفي يوم من الأيام وبينما كانت تتنزه قرب النهر تذكرت بحر المدينة التي كانت تسكن فيها وكيف أنها كانت تتمتع بزرقته، فبكت بكاء مريرا حتى غرقت دموعها في النهر. وبينما حنان تبكي شاهدت مياه النهر تتحرك بسرعة، وفجأة ظهرت مجموعة سمكات ملوّنة كأقواس قزح بأجنحة ترفرف أمامها، واقتربت إحداهن من حنان وقالت لها: «لا تخافي أيتها الصغيرة نحن صديقاتك الدموع، لقد حوّلنا النهر إلى سمكات وأرسلنا إليك حتى نسليك» . واستغربت حنان مما يحدث لها وتساءلت هل هي في يقظة أم في حلم؟ وأجابتها السمكة بأنها في يقظة ودعتها إلى رحلة في الغابة الصغيرة، وهكذا اقتحمت فتاتنا الجميلة والمدللة أسرار هذه الغابة، والتقت بأسد يحب الأطفال، ثم بغزالة جريحة لم تشأ أن تتركها، فحملتها إلى حين تعبت، فجلست على جذع شجرة، لتكتشف أنها عبارة عن صندوق خشبي مقفل بإحكام ونصحتها السمكة بعدم فتحه إلا أنها لم تسمعها وفتحته، لتكتشف أنه مليئ بالكتب واللعب، لتقرر أخذ كتاب وترك البقية للأطفال. وواصلت حنان رحلتها مع السمكة، فوجدت نفسها أمام بحيرة ولم تستطع السباحة رفقة الغزالة الجريحة، إلا أن لكل مشكل حلا، وهكذا تحولت السمكة إلى دلفين وحملتهما على ظهرها، ولكن المغامرة لم تنته بعد وتوقفت الرحلة لهنيهات أمام جدار وحزنت حنان لعدم قدرتها على تسلقه؛ لأنها لا تستطيع ترك الغزالة وحيدة حتى إنها شعرت باليأس، إلا أن الحظ مايزال يرافقها، وهذه المرة مع نوارس حملتهما. واكتشفت حنان بيتا جميلا، فدخلته رغم تحذيرات السمكة، وفي الأخير عادت كل السمكات التي التقت بحنان عند النهر، وقالت لها السمكة التي صاحبتها في الرحلة إنها سمكة الغابة، وإن حنان نجحت في الاختبار؛ حيث إن الغابة ترمز إلى الحياة وكيف تواجه الظروف فيها، مضيفة أن بطلتنا شخصية قوية وتحب الناس والطبيعة ولكنها تحتاج إلى رعاية دائمة من الأهل. وأضافت السمكة أن حنان عرفت كيف تتأقلم بسرعة مع الظروف كظهور الأسد؛ حيث أدركت أنه من اللازم ألا نُظهر خوفنا أمام الحيوانات، كما أنها مليئة بالنبل؛ لأنها أنقذت الغزالة ونصحتها بأن لا تثق بأيٍّ كان، كما أنها تحب المطالعة، إلا أنه يجب أن تتحكم في فضولها وأن تحذر من البحيرات الملوّثة التي ترتدي حلة صافية. أما عن الجدار فهو المشكل الذي يعيق خطوات حنان، إلا أنها عنيدة ولا تستلم بسهولة، كما أنها تحب عائلتها كثيرا، ولهذا قررت السمكات أخذ حنان إلى بيتها، واعدة إياها برحلات جديدة وألغاز. أما القصة الثانية فبعنوان «ندى والجائزة»، وتحكي قصة ندى ابنة مدير المدرسة المشاكسة جدا وتسببها في مشاكل لا تنتهي. وخلال حفل نهاية الدراسة لم تستلم أي جائزة؛ نظرا لكونها من غير المتفوقات في الدراسة. وبكت ندى وأحدثت ضجة كبيرة وتساءلت عن عدم نيلها لأي جائزة، فأجابها أحد المدرسين بأن الجائزة تقدَّم للمتفوقين والذين درسوا واجتهدوا طيلة السنة، إلا أن ندى لم تتفهم الأمر وبقيت تبكي حتى نالت جائزة كمتفوقة، وأدركت أخيرا كنه الموضوع؛ أي أن عليها أن تدرس جيدا حتى تكون في قائمة المتفوقين السنة المقبلة.واقتبست ندى قصتها الثالثة من التراث الشعبي الجزائري بعنوان «لونجا بنت الغول»، وتحكي قصة ملك عادل يملك قصرا فاخرا ولكنه فاقد الولد، وبالتالي غير سعيد. وفي يوم من الأيام أرسل إلى حكيم يستفسره عن أمره فنصحه هذا الأخير بضرورة أن يضع ذبائح أمام وحوش الغابة، ففعل الملك، ولما أكلت الوحوش اللحوم بشّرته بميلاد طفل «حليم»سيكون نعم الخلفة. وتَحقق حلم الملك وأصبح له طفل يحمل الصفات الحميدة. ومرت الأعوام وكبر الأمير، وفي يوم من الأيام وبينما هو يتجول بحصانه في الغابة توقف عند بئر لكي يشرب حصانه، فالتقى بعجوز شمطاء اسمها «ستوت» قالت له بمكر: «إذن أنت الأمير حليم، لست أظنك كما سمعت عنك، ربما أنت أسطورة كاذبة، حسبت أنك بشجاعتك وجمالك الذي تفتخر به على حصانك العطشان، تفعل ما تشاء، من تكون أمام لونجا الفتاة رائعة الجمال الفاتنة؟»، واندهش حليم من كلام العجوز وطلب من الحراس أن يأتوه بها وأجبرها على الحديث عن لونجا، فأخبرته أن هذه الأخيرة فائقة الجمال إلا أنها ابنة الغول وتعيش في «الربع الخالي» ولا يمكن لأحد أن يصل إليها، إلا أن حليم شجاع فعلا، قرر أن يذهب إلى حبيبته، وواجه المخاطر إلى أن وصل إلى بيت لونجا ووالدها الغول، وطلب من لونجا أن تسمح له بالدخول ففعلت وأخفته في الغرفة وطلبت منه أن يدخل على أبيها حينما تلمّح له وأن يجثو بركبتيه أمامه ويقول له إنه عابر سبيل جائع حتى لا يقتله، وهكذا تحقق ذلك وتمكن الأمير من الفرار بلونجا نافذا بجلده من كلاب الحراسة عن طريق لحمة خبّأها حينما كان بصحبة الغول، وفقا لنصائح الحبيبة، وحينما لم يتمكن الغول من ملاحقتهما صرخ قائلا: «أيها الأمير أوصيك بلونجا خيرا، واحذر ثلاثة أشياء ستصادفها في طريقك، أولها رجلان يتنازعان، وثانيها كيس مملوء بالذهب، وثالثهما نسران يقتتلان أمام النهر، لا تباليان بأي منها»، قال هذه الأشياء الثلاثة قبل أن يختفي عن ناظريهما لسرعة الحصان وبعد المسافة. وتمكن حليم ولونجا من الفرار إلاّ أنّ حليم أراد أن ينقذ النسر الصغير من مخالب النسر الكبير، فقام هذا الأخير بخطف الأمير، أما لونجا فلجأت إلى القصر واشتغلت خادمة. وفي يوم من الأيام رأت النسر الصغير فتبعته إلى أن وجدت نفسها في المكان الذي يوجد فيه الأمير، إلا أن النسر كان أقوى، فخطف الأمير مرة أخرى، وفي هذه اللحظة طلب حليم من لونجا أن تذبح خروفا وتضعه قرب النهر حتى يأكل منه النسر، ففعلت واستطاعت أن تقتل النسر وعادت مع الأمير إلى القصر وعاشا في سعادة كبيرة.يُذكر أن ندى مهري تعمل بمنظمة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية، لها العديد من الأعمال القصصية إضافة إلى الكتابة للطفل. تدرَّس بعض قصصها في مرحلة التعليم الابتدائي بالجزائر. ظفرت بجائزة الشارقة للإبداع في مجال أدب الطفل إضافة إلى عدد من الجوائز العربية والأجنبية، منها جائزة الامتياز في القصة القصيرة بفرنسا في مسابقة المرأة المتوسطية.