سيصدر قريبا كتاب «حرب الشرق الأوسط»، وذلك ابتداء من 7 جويلية 1967 إلى 13 مارس 1968، ومن 5 أكتوبر 1973 إلى غاية 1975. الكتاب عبارة عن مذكرات كتبها النقيب المتقاعد محمد الطاهر كلاع، والذي عمل 30 سنة في صفوف الجيش الوطني الشعبي، ابتداء من مدرب ومكوّن إلى قائد وحدات عسكرية. استهل المؤلف كتابه بإهداء خص به المجاهد الراحل الدكتور عبد الرزاق بوحارة قائد اللواء الرابع المختلط سنة 1967 في حرب الشرق الأوسط. كما قدّم المؤلف تحياته العسكرية الخالصة لسيادة اللواء ڤنايزية عبد المالك قائد اللواء الثامن المدرع آنذاك. من جهة أخرى، قدّم المؤلف نبذة تاريخية تخص علاقته بسيادة الفريق أحمد قايد صالح قائد الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي، والذي كان أحد القادة على رأس وحدات القوات المسلحة المشاركين في حرب الشرق الأوسط، وكان بطلا مغوارا ومقداما في سلاح المدفعية. يقول: «توطدت علاقتي بسيادته أكثر بمدرسة تكوين ضباط الاحتياط بالبليدة؛ قائد المدرسة، ومن سيادته تعلمت حكمة وصرامة القائد العسكري المتكامل. أصرح في كتابي هذا بأنني فخور بقيادته في كل المجالات؛ إنه بالنسبة لي القائد المفضل والأب الروحي، وأكنّ لسيادته فائق الاحترام والتقدير». أسماء أخرى ذكرها المؤلف، منها سيادة اللواء المتقاعد المصري عقيب محمد عبد العزيز قائد الفرقة الرابعة مدرّعات، وعلاقته معه أنه كان يزوره كثيرا في النقطة الأمامية للواء الثامن مدرّعات، حيث كان المؤلف قائدا للفصيلة الثانية مشاة ميكانيكية محمولة، وكانت المسافة بين المؤلف وبين اللواء الثامن المدرّع 3 كلم، وبينه وبين العدو حوالي 70 مترا، وبالتالي كان اللواء المصري يشجع المؤلف، ويتحقق من وضعية العدو، وكان دوما يفتخر بالعسكري كلاع، ويحمل له الطعام من بيته. وقد تأثر كلاع به وبشخصية هذا المصري الأصيل والقائد الكفء، الذي أثبت وجوده في الميدان. الكتاب تذكير بالالتزام الطوعي والمشرّف لوطننا، لمساندته قضية عادلة، وتعبيرٌ صادق لمساندة الدول الشقيقة التي كانت بجانبنا أثناء حرب التحرير الوطني. هذه الشهادات تبين المستوى العالي لروح مسؤولية كل من الجنود والإطارات أثناء قيامهم بهذه المهمة النبيلة، حين كانوا شاعرين بتمثيلهم لوطن وثورة، وحين كان هؤلاء الرجال يمثلون روح وعزة جيش التحرير وسليلة الجيش الوطني الشعبي، حاملين الشعار الذي رفعه الراحل هواري بومدين: «النصر أو الاستشهاد». للإشارة، فقد كتب مقدمة الكتاب الراحل عبد الرزاق بوحارة، والذي حيّى فيها المؤلف وثمّن شهاداته التي أُخرجت من طوق النسيان. يؤكد المؤلف كلاع أن الجزائر كانت أول المبادرين بإرسال قوات عسكرية إلى منطقة الشرق الأوسط، لخوض المعركة التي قادتها القوات المصرية ضد إسرائيل، وكان الجيش الجزائري أول من وصل إلى جبهات القتال، وبالتالي سد الثغرات. خُصص الفصل الأول للفترة من 7 جويلية 1967 حتى 13 مارس 1968، حيث أعطى المؤلف تفاصيل عن مشاركته في هذه الحرب؛ (أي حرب 67)؛ فقد كان قائد دبابة بالفيلق الثالث مدرعات بقيادة الملازم الأول بن الصيد يوسف، ضمن اللواء الرابع المختلط بمختلف الأسلحة بقيادة النقيب عبد الرزاق بوحارة. يقول كلاع في حرب 67: «كانت دبابتي ت 54 ضمن الخط الدفاعي بقناة السويس، وكانت مهمتي حراسة القناة ورصد تحركات العدو ودباباته المتواجدة بالجانب المقابل على عرض القناة، وضرب دباباته عند تحركها أو افتزازها، كانت حربا استنزافية وغير مستمرة، وكانت حربا بالمدفعية والغارات الجوية بالطائرات وغيرها». يضيف: «وجدنا منطقة السويس بما فيها القناة، أخطر الثغرات الاستراتيجية المستغَلة من طرف العدو، لكن قبل وصول قواتنا وبفضل سكان بور سعيد والقناة، حطم الجسر المار فوق القناة، مما أوقف هجوم قوات العدو». في هذه الأثناء وصلت القوات الجزائرية وتمركزت في الليل خفية عن العدو، علما أن السويس لم يكن بها الجيش المصري؛ إذ أنه دفع 20 ألفا من جنوده للمشاركة في أحداث اليمن ليعوَّض بالجيش الجزائري. استمرت حرب الاستنزاف 6 أشهر، سيطرت فيها القوات الجزائرية وتصدت للعدو حتى رجوع القوات المصرية، لتحوَّل القوات الجزائرية إلى منطقة الإسماعيلية، وبالضبط في قرية فاليد. واستمر التواجد حتى 68، لترسَل هذه القوات إلى الجزائر وتُستبدل بقوات أخرى تحت قيادة الرائد خالد نزار. في الفصل الثاني، قدّم المؤلف التجربة العسكرية التي اكتسبها خلال حرب 67، خاصة فيما يتعلق بمعرفته لقوة وضعف العدو، مكتشفا أن نقاط الضعف كانت كثيرة، كما أشاد المؤلف بشجاعة المقاتلين المصريين وصبرهم في الحرب وكذا تكوينهم العسكري العالي. توقف المؤلف عند مرحلة مهمة في الحرب الحاسمة لسنة 1973 أو ما سماها «رحلة إلى العبور التاريخية لخط بارليف»، والتي بدأت رحلة قوات من الجيش الوطني الشعبي، والمتمثلة في اللواء الثامن المدرع قواتنا، التي أبهرت الأشقاء في تونس وليبيا إلى غاية الوصول إلى أرض مصر. بدأت الرحلة من مدينة تلاغمة بميلة حتى مغادرة تبسة، وكان الجزائريون يحيّون قوافل الجيش المدجج بالمعدات، يقول المؤلف: «أجزم أن هجوم الجزائر على خطوط القتال بسيناء، بدأ من الجزائر رغم المسافة البعيدة، علما أن كل مدينة سواء في تونس أو في ليبيا، كانت تحتفل بمرور الجيش الجزائري وتقدّم واجب الضيافة». في اليوم الخامس وصلت القوات الجزائرية إلى السلّوم، علما أن مؤخرة الجيش كانت في تبرقة الليبية. سارت قافلة الجيش بالمدن المصرية ليلا في ظلام دامس؛ خوفا من ترصد العدو. وفي الصباح وصلت القوات إلى منطقة جفرة المحاذية للذفر سوار والبحيرات المرة، حيث كانت الخطوط الأمامية لجبهة القتال وسد الجيش الجزائري الثغرة الكبيرة ب 75 كلم، والتي كانت تمثل أكبر تهديد، وبالتالي صد الهجوم الإسرائيلي (زحفه). يعطي المؤلف تفاصيل عسكرية عن مجريات الحرب ودور الجيش الجزائري فيها، كما يقدّم تفاصيل ذكريات جميلة رغم قساوتها، ويذكّر بأهمية الدعم المعنوي في هذه الظروف؛ حيث استعرض الدعم المعنوي الذي قوّى به أفراد فصيلته، علما أن المعارك كانت تجرى في مناطق قاحلة؛ لا ماء ولا نبات ولا حياة فيها. المؤلف أشار إلى أهمية حرب التحرير الجزائرية، التي أعطت الجيش خبرة في مجال الحروب. المؤلف ثمّن التنسيق بين القوات الجزائرية والمصرية وعلى أعلى مستوى. ويُذكر أن القائد ڤنايزية وبعض الضباط المصريين يأتون في وضح النهار إلى الجبهات للدعم والتفقد، وأحيانا تحت طلقات المدفعية، فالعدو يرصد كل تحرك ويقصف مباشرة. عاد الجزائريون إلى بلادهم بالنصر بعد ويلات الحرب مشرّفينها ومشرّفين تاريخهم. المؤلف تمنى أن يصل كتابه هذا عند صدوره، إلى الجمهور العربي. للتذكير، يتضمن الكتاب العديد من الصور الموثقة للمشاركة الجزائرية، والتي تبين المؤلف العسكري والكثير من رفاقه.