تتنوع الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف بمدينة عنابة من عائلة إلى أخرى، لكن تبقى الفرحة مشتركة في كل بيت عنابي، ويظهر ذلك جليا من خلال التحضيرات المكثفة لهذه الاحتفالية التي تعتبر بالنسبة لسكان بونة فرصة للتآخي وزيارة الأقارب، مع إقامة الحفلات في المساجد وتوزيع الهدايا على الفقراء والمساكين. لعل ما يميز عنابة في هذه المناسبة الدينية، تزيين الشوارع والأحياء العتيقة بالفوانيس وتعبيق الأزقة بالبخور والعنبر، مع عرض طاولات خاصة لبيع مختلف أنواع الشموع المعطرة وذات الألوان الزاهية، إلى جانب قوالب الحلوى التي تأخذ أشكالا جميلة تجذب الصغار. أما المساجد فتنظف ليلة قبل المولد النبوي، حيث يشرف بعض المتطوعين على تغيير أفرشة المساجد لاستقبال المناسبة الكريمة، إلى جانب تنصيب مكبراتها الصوتية لتصدح بتلاوات القرآن الكريم. وتستمر تحضيرات هذا الحفل الديني لتشمل محلات بيع الحلويات التقليدية، منها “الطمينة” المفضلة لدى العائلة العنابية، فقد يصل سعر القالب الواحد منها في هذه المناسبة إلى 800 دينار. كما تقتني نوعا آخر من الحلوى الفضيّة لتقديمها صبيحة المولد للعائلة وتوزيعها على الجيران. ”الشخشوخة” و”المقرطفة” أطباق ليلة المولد النبوي الشريف تحضر النسوة عجينة “الشخشوخة” و”المقرطفة” عشية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث تعتمد العائلات على ما يسمى باللهجة العنابية ب”التويزة”، عن طريق تكفل النساء بعد اجتماعهن في صحن الدار الكبيرة بتجهيز كل المستلزمات الخاصة، كالدقيق، الماء، الملح والجفان لتحضير العجينة الخاصة ب”الشخشوخة” و”المقرطفة”، لأن صنع هذه الأكلات يحتاج إلى جهد إضافي ووقت كبير، كما تشارك الفتيات في عملية تقطيع العجينة لصنع “حربوش المقرطفة” الذي يقطع إلى مربعات متساوية، تجفف لأكثر من ساعتين في الظل. أما الأكلة الشعبية المفضلة لدى سكان بونة، خاصة في المناسبات الدينية، نجد “الشخشوخة” التي تحضر منها أقراص عديدة يتم استعمال اليد في تقطيعها وتحضيرها مباشرة للعائلة التي تفرح بها كثيرا، كما يتم تبادل الهدايا والأطباق الأخرى المتنوعة بين الجيران الذين يجدون في الاحتفال فرصة لتجديد الصداقات وتصفية الأذهان والقلوب. ذبح الكباش وتوزيعها ليلة المولد الشريف نظرا لغلاء اللحوم الحمراء والبيضاء في السوق المحلية بعناية، يفضل أهل بونة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بطريقتهم، حيث يتم الاتفاق على جمع مبلغ معين من طرف الجيران والأقارب، وفي ليلة المولد تشترى الأضحية وتتم المشاركة فيها، حيث تسمى لدى “لعنانبة” بالنفقة، تجزأ بطريقة متساوية، ثم توزع على سكان الأحياء الشعبية، الفقراء والمحسنين. ويرى بعض السكان أن هذه الطريقة فيها بركة وبفضلها تتمكن العائلات محدودة الدخل من اقتناء اللحم بسعر معقول وتحضير الأكلات الشعبية بلحم الخروف الجبلي الذي يعطي نكهة خاصة لمثل هذه الأطباق الشهية.
المساجد قبلة المصلين ودار الثقافة مفتوحة على الحضرة العيساوة من جهتها، تتزين المساجد على غير عاداتها بالألوان الجميلة والفوانيس، كما يتم تعطيرها بالبخور والعنبر وتزيّن أركانها بالشموع لاستقبال حفظة القرآن والمصلين. وحسب مديرية الشؤون الدينية بعنابة، تمت برمجة عدة محاضرات وندوات دينية من طرف أئمة المساجد، احتفالا بالمولد النبوي الشريف ، كما سيتم تكريم نحو 200 طفل من حفظة القرآن الكريم وتوزيع هدايا عديدة على الفائزين تشجّعهم على ختم وحفظ كتاب الله الكريم، إلى جانب ذلك تقدم أناشيد دينية للحضور، حيث ينشط الحفل هذه السنة فرقة الأنوار من مدينة وادي سوف. وفي سياق متصل، برمجت مديرية الثقافة والمسرح الجهوي “عز الدين مجوبي” عدة نشاطات ثقافية وفنية تنشطها فرق العيساوة، هذا اللون الغنائي يقدم عادة خلال مناسبة المولد النبوي الشريف، لأنه يتغنى بخصاله الحميدة، مع مشاركة الجمهور العنابي الذي يعشق مثل هذه الألوان الفنية لأنها ملتزمة ومستوحاة من تراثه القديم. تختتم هذه الاحتفالات بتقديم أطباق “الطمينة” - وهناك من يدعوها “الزريرة” التي تعد من دقيق القمح وتحمص، ثم تخلط بالعسل والزبدة وتقدم دافئة- يرمز هذا الطبق عادة في المنطقة إلى فرحة المسلمين بازديان خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.