بقلم: الأستاذ محمد الصادق مقراني باحث و مهتم بالتاريخ المحلي ميلة
من أهم محطات تاريخ الجزائر التي تستحق كل الاهتمام و التقدير مظاهرات 11ديسمبر 1960 التي تعد حدثا تاريخيا بارزا في مسيرة الثورة التحريرية حين اخترقت صمت الأممالمتحدة بقوة التلاحم الشعبي للجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات عبر شوارع المدن الجزائرية حاملين العلم الوطني رمز العزة، مؤكدين بذلك رفضهم القاطع لمخططات الجنرال ديغول و تحطيمهم نهائيا خرافة الجزائر فرنسية ، حيث سقطت أسطورة التفوق الاستعماري أمام الرأي العالمي ، و فشلت سياسة ديغول في القضاء على الثورة، وتأكد خلالها أن الشعب الجزائري لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون فرنسيا و لا الجزائر فرنسية كما يدعّي المعمّرون. و ترجع أسباب هذه المظاهرات بالخصوص لعدة أحداث وقعت و مواقف ظهرت خاصة عند زيارة ديغول للجزائر للمنطقة في إطار تنفيذ مشروعه الجديد المتمثل في" للجزائر جزائرية" فانقسمت الساحة السياسية الجزائرية إلى ثلاثة مجموعات رئيسية : 1 – المعمّرون المناهضون لسياسة ديغول وهم الذين قاموا بمظاهرات يوم 9 ديسمبر 1960 في عين تيموشنت ضد زيارة الجنرال ديغول محاولين إحباط برنامجه المبني على" الجزائر جزائرية" و حاملين لواء "الجزائر فرنسية" . 2– أنصار "الديغولية" من الفرنسيين و الجزائريين المقتنعين بسياسته من البرجوازيين و بعض البرلمانيين، حيث خرجت هذه المجموعة في مظاهرات لمساندة مشروع ديغول بإيعاز من حكومة باريس يوم 10 ديسمبر 1960و بغرض إفشال مشاريع المعمرين المناهضين لسياسة ديغول في الجزائر، و شعارهم "الجزائر جزائرية" . 3 – نشاط التيار الوطني الذي تمثله الجماهير الشعبية التي دخلت حلبة الصراع بقوة كتعبير عن رفضها للمشروعين الأولين في مظاهرات يوم 11 ديسمبر 1960،و عبرت خلالها عن تمسكها بقيادة الثورة و استقلال الجزائر، وقد رفعت الجماهير شعار "الجزائر عربية مسلمة" و شعار "الجزائر مستقلة". وعرفت العديد من المدن الجزائرية هذه المظاهرات الشعبية كالجزائر العاصمة و تيبازة وشرشال وسيدي بلعباس وقسنطينة وعنابة و الشلف و بجاية وخنشلة و مدينة فج مزالة (فرجيوة حاليا بولاية ميلة). و لازال الكثير يجهل أحداث هذه المظاهرة التي جرت بفج مزالة صبيحة 11 ديسمبر 1960، حيث خرج ما يقارب 200 مواطنا و مواطنة ، جاؤوا من مختلف المشاتي كمشتة الشوارة و الطورش وأم الحجل و السخونة ، وهم حاملون الرايات الوطنية و لافتات كتبت عليها عبارات منددة بالاستعمار الغاشم ، مطالبين فرنسا بالاستقلال ، و مؤكدين على شرعية مطالب جبهة التحرير الوطني و التفافهم حولها. وعندما وصل المتظاهرون إلى جسر أم المحارم و اجتيازهم لمشتةأم الحجل اتفقوا على أن يجوبوا شوارع بلدية فج مزالة آنذاك، و فور بلوغ خبر تجمع هؤلاء المواطنين بذات المكان، أوفدت السلطات العسكرية مجموعة كبيرة من العساكر الفرنسية مدججة بترسانة من الأسلحة و العتاد الحربي لمواجهة هذه المظاهرة السلمية. وجاء رد فعل السلطات الفرنسية قويا تجاه هذه المظاهرة إذ قابل الجيش الفرنسي الجموع الجزائرية بالدبابات و المدافع و الرشاشات و أمطروا المتظاهرين بنيران القنابل و أطلقوا عليهم الرصاص. كما قامت القوات الفرنسية عقب ذلك بحملة واسعة في أوساط السكان ، وزج بالكثير منهم في السجن الأحمر لقتلهم فيما بعد إما بالرصاص أورميهم كالعادة من كاف الزوابق بحمام أولاد عاشور الموجود ببلدية لعياضي برباس بولاية ميلة. – I 1 نتائج مظاهرة 11 ديسمبر 1960 بفج مزالة : كانت نتائج هذه المظاهرة سقوط ستة شهداء وهم: – ربيعي الربيع المدعو ربيح . – ملاري مسعودة. – بوفنار المطيش (معلم القرآن بالشوارة) – بوطفوس علي المدعو الطيب . – بوغواص فاطمة الزهراء. – ميهوب الزهراء زوجة لعبيي محمد العربي . وجرحت ثلاث متظاهرات وهن : بوجرادة ربيحة و سليماني زكية و بوفنار ثلجة بالإضافة الى بوجردة مسعود كما زج بالعديد من مواطني فج مزالة بالسجن الأحمر فإن الكثير منهم تمت عملية تصفيتهم بكاف الزوابق بحمام أولاد عاشور. وقد قامت الإدارة الاستعمارية بعد هذه الأحداث مباشرة بإجراء تحريات معمقة توصلت من خلالها إلى القبض على العديد من المشاركين في هذه المظاهرة ومنهم الشهيد ربيعي الربيع المدعو ربيح، وهو الذي قام بخياطة الرايات الوطنية خلال هذه المظاهرة. حيث حاصرت القوات الفرنسية مسكنه وألقت القبض عليه على إثر وشاية من أحد الخونة والذي أدلى بمعلومات تؤكد مشاركته وخياطته للرايات الوطنية التي استعملت في هذه المظاهرة الشعبية بفج مزالة. سليماني زكية 91 سنة مشاركة في المظاهرة و معطوبة حرب بوفنار ثلجة 85 سنة مشاركة في المظاهرة و معطوبة حرب I 2 نبذة تاريخية عن الشهيد ربيعي الربيع : ولد الشهيد ربيعي الربيع المدعو ربيح في 1909 بفج مزالة ، وقد تعلم مهنة الخياطة و التفصيل بالجزائر العاصمة ،حيث قضى هناك فترة ما بين سنتي 1936 و 1942 . و بعد الحرب العالمية الثانية رجع إلى مسقط رأسه و اشتغل في تفصيل الملابس ، و بعد اندلاع الثورة التحريرية المظفرة انخراط في صفوف المنظمة المدنية لجبهة التحرير سنة 1956. الشهيد ربيعي الربيع المدعو ربيح خياط الرايات الوطنية خلال المظاهرة سخر الشهيد منزله لاستقبال المجاهدين الذين كانوا يتوافدون إليه من أجل تزويدهم بالمؤونة ومختلف اللوازم العسكرية من ألبسة و أحذية كان يجمعها من المواطنين و نظرا لهذا الحس الوطني أسندت له مهمة خياطة الألبسة العسكرية الخاصة بجنود جيش التحرير الوطني ، و في سنة 1957 راودت العدو شكوك مفادها أن الشهيد له علاقة مع الثورة . فقام الجيش الفرنسي باعتقاله و التحقيق معه و زج به بالسجن الأحمر حيث مكث به أربعة أشهرا ، و بعد خروجه منه واصل نشاطه الثوري و النضالي فكلف مرة أخرى من طرف الثورة بخياطة الرايات الوطنية رفقة ابن عمه للمشاركة بها في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي عرفتها المنطقة. وفور اكتشاف العدو لذلك تمت عملية القبض عليه و زج به بالسجن الأحمر بفرجيوة و لم يكتف العدو بتعذيبه فقط بل قام بتقييده وأخذه إلى حمام بني قشة ليقتل هناك رميا بالرصاص أمام مرأى و مسمع أهل المنطقة ليكون عبرة للآخرين و كان ذلك في 5 جانفي 1961. دغموش حدة إحدى المشاركات في مظاهرات 11 ديسمبر 1961 بالمنطقة في فرجيوة