لوحات يسودها الغموض، تتراقص داخلها حروف عربية ورموز بربرية وهندسة مدن مغاربية، وسط ألوان زاهية وأخرى تسودها القتامة، هي لوحات الفنان نذير ريميتة التي تعرض حاليا في رواق ”آر4 يو” إلى غاية 15 مارس المقبل. يعرض الفنان نذير ريميتة أكثر من عشرين لوحة في رواق ”آر 4 يو” بعنوان ”صدى الرحلات”، وتأتي معظم أعماله التي لم يشأ أن يضع لها الفنان عناوين، كأنّها تسبح في غموض مدروس لحب الفنان للعالم التجريدي الذي يمكّنه من مواجهة هذا التكتّم بكلّ تحد وقوّة، فهو حسبما يقول لا يريد أن يرسم كي يعبّر عن شيء ما، بل يرسم لأنّه يريد أن يؤكّد على حظه، ليقينه بإمكانية التعبير عن مكنوناته وهو أمر في غاية الأهمية. وعندما تقف قبالة لوحات ريميتة، تعتقد أنّك أمام عالم فوضوي، حيث تنطلق الكاليغرافيا من الأسفل أو تنزل من أعلى اللوحة، أو حتى من اليمين أو من اليسار، إلاّ أنّه في حقيقة الأمر عبارة عن فضاء حالم تتجاذب فيه أشياء جميلة تعبّر عن الحروف العربية الجميلة وكذا الرموز البربرية الخالدة، إضافة إلى هندسة العمران المغاربي. وهكذا يعبّر الفنان عن فضاء تجاربي يمزج فيه بين الواقع والخيال وبين ما هو إنسان وما هو غيره، بعيدا عن الثقافة المؤسساتية والرسمية وغير قريب من الفن الواقعي المحض الذي يكشف المستور بوقاحة أحيانا، إلاّ أنّ الفنان اختار طريق الغموض في أعماله هذه قبل أن يرفع التحدي تجاهه. واختار الفنان استعمال اللون الأصفر في جلّ لوحاته المعروضة، فجاء كومضة نور تكشف بعضا من الأسرار وتضفي مسحة من أمل ما، كما اختار أيضا الاعتماد على الألوان القاتمة مثل الأسود خاصة بالنسبة للخط العربي ووضع الرموز البربرية، ولم يستثن ألوانا أخرى في لوحاته وفي مقدمتها الأحمر، البرتقالي والأزرق. ورسم نذير ريميتة في لوحة، حرفا عربيا في شاكلة شخص ينط فرحا أو هربا من شيء ما وسط أشكال مختلفة في لوحة غلب عليها اللون الأصفر، وقسّم الفنان موضوع أكثر من لوحة إلى قسمين؛ قسم يضم رموزا بربرية وحروفا عربية وآخر يحتضن أشكالا هندسية، وتختلط في لوحات أخرى رموز نذير وتتشابك فيما بينها كأنّها لا تحتمل الفراق، فتتداخل فيما بينها لتكوّن قوة لا يستهان بها، كما رسم لوحة مشتركة مع زوجته الفنانة فريال قوادرية التي سبقته في عرض لوحاتها بنفس الرواق، وجاءت لوحتهما مزيجا من التقنيات المستعملة من الطرفين، فظهرت وجوه نسوية طالما ملأت أعمال فريال واخترقتها رسومات زوجها لتشكّل لوحة ”زوجية” بأتم المعنى. وتأثّر الفنان نذير ريميتة المتخصّص في الرسم الزيتي وديزاين الغرافيك والأنفوغرافيا بعدّة فنانين، من بينهم الفنان الفرنسي المولود بقسنطينة جون ميشال أتلان والجزائريان محمد خدة ونور الدين قريشي، إضافة إلى سولاج، تابي، ماتا، ميرو وغيرهم، وإن كان تأثّره بهؤلاء الفنانين لا يدفع به إلى تقليدهم.