رئيس الجمهورية يجدد التزامه بتحسين معيشة المواطنين عبر كافة ربوع الوطن    نشطاء أوروبيون يتظاهرون في بروكسل تنديدا بالإبادة الصهيونية في غزة    النرويج تنتقد صمت الدول الغربية تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    جمباز (كأس العالم): الجزائر حاضرة في موعد القاهرة بخمسة رياضيين    عرض الفيلم الوثائقي "الساورة, كنز طبيعي وثقافي" بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية ينهي زيارته إلى بشار: مشاريع استراتيجية تعكس إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة بالجنوب    وزير الاتصال يشرف السبت المقبل بورقلة على اللقاء الجهوي الثالث للصحفيين والإعلاميين    كأس الجزائر لكرة السلة 2025: نادي سطاوالي يفوز على شباب الدار البيضاء (83-60) ويبلغ ربع النهائي    رئيس الجمهورية يلتقي بممثلي المجتمع المدني لولاية بشار    اليوم العالمي للملكية الفكرية: التأكيد على مواصلة تطوير المنظومة التشريعية والتنظيمية لتشجيع الابداع والابتكار    معسكر : إبراز أهمية الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في الحفاظ على التراث الثقافي وتثمينه    صندوق النقد يخفض توقعاته    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    عُنف الكرة على طاولة الحكومة    توقيف 38 تاجر مخدرات خلال أسبوع    ندوة تاريخية مخلدة للذكرى ال70 لمشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في مؤتمر "باندونغ"    غزّة تغرق في الدماء    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    بلمهدي يحثّ على التجنّد    معالجة النفايات: توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للنفايات و شركة "سيال"    البليدة: تنظيم الطبعة الرابعة لجولة الأطلس البليدي الراجلة الخميس القادم    تيميمون : لقاء تفاعلي بين الفائزين في برنامج ''جيل سياحة''    السيد عطاف يستقبل بهلسنكي من قبل الرئيس الفنلندي    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن    المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية    وفاة المجاهد عضو جيش التحرير الوطني خماياس أمة    اختتام الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية    23 قتيلا في قصف لقوات "الدعم السريع" بالفاشر    مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات    تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية    3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية    جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة    145 مؤسسة فندقية تدخل الخدمة في 2025    إشراك المرأة أكثر في الدفاع عن المواقف المبدئية للجزائر    جريمة التعذيب في المغرب تتغذّى على الإفلات من العقاب    شركة عالمية تعترف بنقل قطع حربية نحو الكيان الصهيوني عبر المغرب    محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد    بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب    بيتكوفيتش فاجأني وأريد إثبات نفسي في المنتخب    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    "شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر    الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم    تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    عصاد: الكتابة والنشر ركيزتان أساسيتان في ترقية اللغة الأمازيغية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لن تكون هناك حرب باردة ولكن هناك حرب مصالح
نشر في المستقبل يوم 11 - 10 - 2008

يعد الصحفي كمال عمان من أبرز الصحافيين الجزائريين الشباب الذين تمكنوا من فرض أسمائهم في الساحة الإعلامية العربية حيث يعد واحدا من الفريق الإعلامي المؤسس لفضائية "روسيا اليوم" وأحد نجومها الإعلاميين، وقد عمل في التفلزيون الجزائري وكانت له تجربة قصيرة في الإذاعة والصحافة المكتوبة، ويعد الآن من المتتبعين للشأن الروسي وعلاقته بالأوضاع في المنطقة العربية، جريدة المستقبل اتصلت به عبر الأنترنيت وأجرت معه هذا الحوار المثير حول الحرب الأخيرة التي جرت بين روسيا وجورجيا وتداعياتها الدولية تابعوا... ما‮ هي‮ الخلفيات‮ الحقيقية‮ للتدخل‮ الروسي‮ العسكري‮ في‮ أوسيتيا‮ الجنوبية‮ وفي‮ جورجيا؟
بداية شكرا لكم على هذه الفرصة وعلى الاهتمام بالصراع الدائر في منطقة القوقاز. أريد أن أشير في البداية الى جذور الصراع بين اطراف النزاع الرئيسية وهي جورجيا من جهة والاقليمين الانفصاليين ابخازيا واوسيتيا الجنوبية اللذين اعلنا انفصالهما عن جورجيا منذ عام اثنين وتسعين من القرن الماضي بعد معارك ضارية سببها المباشر في ذلك الوقت كان قرار جورجي بإلغاء الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به الجمهوريتان في عهد الاتحاد السوفياتي، قابله اعلان حكومة اوسيتيا الجنوبية بعزمها اعلان جمهورية تابعة للاتحاد الروسي، حيث تنقسم اوسيتيا جغرافيا الى قسمين، قسم شمالي تابع للإتحاد الروسي وقسم جنوبي تابع اداريا لجورجيا حسب التقسيم الذي وضع خلال فترة حكم ستالين للاتحاد السوفياتي، وبالمناسبة هذا الزعيم هو جورجي من أبناء مدينة غوري وهي المدينة التي دخلتها القوات الروسية في المعركة الاخيرة ...واعود بك الى الصراع بين الجانبين حيث انتهت المعارك عام 92 بعد وساطة روسية بإتفاق هدنة بين جورجيا من جهة والاقليمين الانفصاليين من جهة ثانية يتضمن إيقاف المعارك ونشر قوات حفظ سلام روسية جورجية مشتركة على الخط الفاصل بين الطرفين ولكن الانفصاليين في اوسيتيا و ابخازيا اجروا بعد ذلك مباشرة استفتاء لتقرير المصير كانت نتيجته 99 بالمئة لصالح الاستقلال حسب النتائج المعلنة في ذلك الوقت... واُعلن قيام الجمهوريتين اللتين لم يعترف بهما احد لكنهما كانتا تحظيان بدعم مباشر من موسكو وكان هذا الدعم سبب التوتر الرئيسي في علاقات موسكو‮ مع‮ تبيليسي‮.‬
وظل‮ الوضع‮ على‮ ما‮ هو‮ عليه‮ الى‮ غاية‮ الثورة‮ الوردية‮ في‮ جورجيا‮ التي‮ اطاحت‮ بالرئيس‮ ادوارد‮ شيفرنادزه‮ ووصول‮ ميخائيل‮ ساكاشفيلي‮ الى‮ سدة‮ الحكم‮.‬
هذا المحامي الذي تخرج في امريكا ومعروف بعلاقاته الوثيقة مع الغرب بدأ بتحويل بوصلة جورجيا نحو الدول الغربية وحلف الاطلسي كطريق للقضاء على النفوذ الروسي في المنطقة ولكن حلفاءه الغربيين اشترطوا عليه تصفية النزاع مع جمهورتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لأن قانون الحلف‮ يرفض‮ عضوية‮ دول‮ لديها‮ صراعات‮ حدودية‮.‬
وعليه كان تخطيط ساكاشفيلي للقيام بعملية عسكرية خاطفة ومفاجئة عشية الالعاب الاولمبية يستعيد بها الاقليمين الانفصاليين واحدا تلو الاخر ووضع روسيا امام الامر الواقع مستبعدا فرضية التدخل الروسي السريع والحاسم بهذا الشكل.
وهنا‮ اصل‮ للإجابة‮ على‮ سؤالكم‮ عن‮ خلفية‮ التدخل‮ الروسي‮ في‮ جورجيا‮ بهذا‮ الشكل‮.‬
في بداية الهجوم الجورجي على أوسيتيا الجنوبية تم استهداف قوات حفظ السلام الروسية المتواجدة على الخط الفاصل بين الجانبين وقد كان عددها محدودا بموجب اتفاقية وقف اطلاق النار المبرمة عام اثنين وتسعين مما اسفر عن مقتل اثني عشر جنديا روسيا وما كان للكرملن ان يسكت‮ على‮ هذا‮ التصرف‮ الميكيافيلي‮ الذي‮ قام‮ به‮ ساكاشفيلي‮.‬
واريد ان اشير هنا الى نقطة مهمة حيث انه وبالرغم مما حدث امتنعت موسكو عن الرد عسكريا في البداية بل طالبت مجلس الامن الدولي بإصدار قرار للوقف الفوري لإطلاق النار لكنه قوبل برفض امريكي وهو ما عزز قناعة موسكو بضرورة التدخل عسكريا .
وبالعودة الى طريقة التفكير الروسية اريد ان اقول أن الروس يعتبرون ان الشعب الاوسيتي هو شعب واحد وانه يجب اعادة النظر بالاساس في قرار ستالين القاضي بتقسيم اوسيتيا الى جزئين شمالي وجنوبي بحيث تنضم اوسيتيا الجنوبية الى شقيقتها الشمالية التابعة حاليا لروسيا .
ومع ان روسيا لم تعلن رسميا سعيها الى ضم الاقليمين وهي تنفي من يتهمها بذلك الا انها منحت الجنسية الروسية لأكثر من تسعين بالمئة من سكان الجمهوريتين وكان هذا ايضا من مبررات موسكو في تدخلها القوي بحجة الدفاع عن مواطنيها الروس او بعبارة اخرى الاسيتيون الجنوبيون‮ الحاملون‮ للجنسية‮ الروسية‮ ضد‮ الاعتداء‮ الجورجي‮.‬
ثم إن من مصلحة روسيا بقاء المشكلة قائمة بين جورجيا والاقليمين الانفصاليين لأنها سوف تضمن بذلك عدم انضمام جورجيا الى حلف شمال الاطلسي الذي كما اسلفت يرفض عضوية دول لها مشاكل حدودية وبالتالي موسكو لن تسمح لتبيليسي بحسم الامر وبهذه السرعة والبساطة .
كما ان موسكو تعاملت بهذا الحزم مع جورجيا لانها تعتقد ان صراعها الحقيقي ليس مع تبيليسي بقدر ما هو مع الولايات المتحدة التي دعمت الثورات الملونة في المنطقة وتسعى لحصر النفوذ الروسي في القوقاز، فكانت رسالة قوية من موسكو الى واشنطن والغرب عموما ودول اخرى في المنطقة‮ ايضا‮ تنتهج‮ نهج‮ جورجيا‮ في‮ علاقتها‮ مع‮ موسكو‮ مثل‮ اوكرانيا‮ واستونيا‮ فضلا‮ عن‮ بولونيا‮ التي‮ وافقت‮ مؤخرا‮ على‮ استضافة‮ الدروع‮ الصاروخية‮ الامريكية‮ .‬
من جانب آخر كانت قوة الرد الروسي تقف وراءها رغبة روسية جامحة في التخلص من النظرة القديمة التي يعامل بها الغرب روسيا منذ انهيار الإتحاد السوفياتي على انها دولة منهارة تسمع وتطيع، كانت بالنسبة لهم معركة لإثبات الذات والوجود الند للند مع الدول الغربية وإفهام أمريكا‮ بأن‮ روسيا‮ الحالية‮ ليست‮ كما‮ كانت‮ بعد‮ انهيار‮ الاتحاد‮ السوفياتي‮ وأن‮ قواعد‮ اللعبة‮ قد‮ تغيرت‮.‬
ما‮ هي‮ نتائج‮ الحرب‮ الأخيرة‮ على‮ الصعيدين‮ السياسي‮ والاستراتيجي؟
هذه‮ الحرب‮ كانت‮ نقطة‮ فاصلة‮ بين‮ ما‮ قبلها‮ وما‮ بعدها‮ فالرسالة‮ وصلت‮ بقوة‮ للغرب‮ بأن‮ روسيا‮ الان‮ طرف‮ قوي‮ ومستعدة‮ للضرب‮ بقوة‮ على‮ جميع‮ الاصعدة‮ من‮ اجل‮ الدفاع‮ عن‮ مصالحها‮ .‬
وكان من أبرز نتائج الحرب تجميد نشاطات مجلس روسيا الناتو وقطع العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وتبيليسي وانسحاب جورجيا من رابطة الدول المستقلة، أما في منطقة النزاع فقد أفرزت الحرب معطيات وحقائق جديدة على الارض، فمن جهة استرجعت أبخازيا منطقة وادي كادوري الذي كانت‮ تسيطر‮ عليه‮ القوات‮ الجورجية‮ بينما‮ تحولت‮ عاصمة‮ اوسيتيا‮ الجنوبية‮ تسخينفال‮ إلى‮ اطلال‮ ومدينة‮ اشباح‮ .‬
سياسيا كرست الحرب الاخيرة استقلال الجمهوريتين عن جورجيا ولم يعد الحديث يدور عن امكانية انضمامهما الى جورجيا ضمن حكم ذاتي او اتفاق ما يجري التفاوض بشأنه كما كان قبل الحرب، بل ذهبت روسيا الى ابعد من ذلك واعترفت باستقلال الجمهوريتين وهي خطوة من أبرز نتائج هذه الحرب، إعترافٌ يرى فيه الروس أنه رد على اعتراف الغرب باستقلال كوسوفو ، ودرس لكل من تسول له نفسه التطاول على المصالح الروسية في المنطقة لاسيما وأن هناك صراعات اخرى مشابهة في المنطقة مثل اقليم نغورني كرباخ المتنازع عليه بين ارمينيا واذربيجان وكذلك مشكلة جمهورية‮ ترانس‮ دينيستيريا‮ غير‮ المعترف‮ بها‮ وهي‮ جمهورية‮ انفصالية‮ عن‮ ليتوانيا‮.‬
ومن إفرزات هذه الحرب ايضا دخول البحرية الامريكية الى البحر الاسود تحت مظلة تقديم المساعدات الانسانية لجورجيا لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي؛ فلم تكن توجد في هذه المنطقة الا قاعدة سيفاستوبول البحرية الروسية الموروثة من العهد السوفياتي في اوكرانيا بشبه‮ جزيرة‮ القرم‮.‬
كما عجلت الحرب الاخيرة بتوقيع اتفاقية نشر عناصر الدرع الصاروخية بين الولايات المتحدة وجمهوريتي بولندا والتشيك، كما عجلت موسكو بتنفيذ صفقة اسلحة دفاعية الى دمشق وارسال مقاتلاتها الجوية الاستراتيجية وقطع متطورة من بحريتها لفنزويلا بزعم اجراء مناورات مشتركة.
‬هل‮ ستؤرخ‮ هذه‮ الحرب‮ لبداية‮ الحرب‮ الباردة‮ الثانية‮ بين‮ روسيا‮ والغرب؟
الحرب الباردة بالمعنى القديم لا يمكن ان تعود ثانية لاعتبارت عدة ليس المجال لحصرها في هذه العجالة، وهذا ما يؤكده الطرفان الروسي والامريكي، فهذه الحرب كانت تقوم على صراع ايديولوجي فكري بين الشيوعية والليبرالية، اما الصراع الذي امامنا اليوم فهو صراع مصالح‮.‬
وما يحدث الان في المنطقة هو اعادة توزيع الادوار وموازين القوى على اعتبار العودة القوية لروسيا على الساحة الدولية لاول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وهي الآن تسعى لفرض نفسها على الطرف الغربي كشريك الند للند وليس أقل شأنا.
وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفياتي السابق وليس لها القوة الكافية لمجاراة الصراع مع الولايات المتحدة وهي من خلال مواقفها تسعى للحفاظ على مصالحها ولكنها في الوقت نفسه تتجنب التصادم المباشر مع الغرب. بل روسيا اليوم شريك في مجموعة الثمانية الكبار وتقدم الدعم‮ اللوجستي‮ لحلف‮ شمال‮ الأطلسي‮ في‮ أفغانستان‮ وتتبع‮ اليوم‮ نظام‮ اقتصاد‮ السوق‮ ولها‮ الكثير‮ من‮ المصالح‮ الاقتصادية‮ في‮ الدول‮ الغربية‮ .‬
صحيح‮ ان‮ الصراع‮ قد‮ يستمر‮ في‮ الفترة‮ المقبلة‮ على‮ وتيرة‮ الضغوط‮ والمساومات‮ المتبادلة‮ والتصريحات‮ الاعلامية‮ هنا‮ وهناك،‮ لكن‮ الامر‮ سوف‮ ينتهي‮ بمجرد‮ أن‮ يعترف‮ كل‮ طرف‮ بنصيب‮ الآخر‮ من‮ الكعكة‮.‬
‬ما‮ هي‮ الأوراق‮ التي‮ يملكها‮ الغرب‮ للضغط‮ على‮ روسيا،‮ وما‮ مدى‮ تأثيرها‮ وقدرتها‮ على‮ ترويض‮ الدب‮ الروسي؟
بداية كما هو معروف ليس هناك موقف واضح ومشترك بين الدول الغربية حول كيفية التعامل مع الدب الروسي؛ ففي الوقت الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة مدعومة ببعض اعضاء الاتحاد الاوروبي، سيما دول البلطيق، لهجة شديدة تجاه موسكو تسعى دول اخرى مثل المانيا وايطاليا وفرنسا‮ الى‮ تغليب‮ لغة‮ الحوار‮ على‮ لغة‮ التهديد‮ والعزل‮ .‬
وعمليا يمكن للغرب الضغط على روسيا من عدة جوانب كتأجيل مفاوضات الشراكة بين روسيا والاتحاد الاوروبي وتجميد مفاوضات انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية كما تصاعدت اصوات تدعو الى تجميد عضوية روسيا في مجموعة الثمانية الكبار وان كانت لم تلق تجاوبا كبيرا.
ولكن الغرب من جهة اخرى بحاجة ماسة الى تعاون روسيا في مجالات عدة على راسها امدادات الطاقة نحو اوروبا حيث تمثل شركة مثل غازبروم شريان الحياة بالنسبة لاوروبا، كما توفر روسيا ممرا جويا آمنا ومختصرا لطائرات الناتو نحو افغانستان، ويخشى الحلف من فقدان هذا الممر في‮ حال‮ المواجهة‮ مع‮ موسكو،‮ فضلا‮ عن‮ استخدام‮ المجال‮ الجوي‮ الروسي‮ من‮ قبل‮ شركات‮ الخطوط‮ الجوية‮ لعدد‮ من‮ الدول‮ الغربية‮ في‮ طريقها‮ نحو‮ الشرق‮ الاقصى‮ .‬
كما‮ ان‮ الغرب‮ محتاج‮ الى‮ تعاون‮ روسيا‮ في‮ مجلس‮ الامن‮ الدولي‮ وهي‮ عضو‮ دائم‮ وتملك‮ حق‮ الفيتو‮ خاصة‮ في‮ التعامل‮ مع‮ ملفات‮ معقدة‮ مثل‮ ملفي‮ إيران‮ و‮ وكوريا‮ الشمالية‮ النوويين‮.‬
كل هذه الاوضاع جعلت الدول الغربية على قناعة باختيار طريق الحوار بدل العقوبات والمواجهة مع روسيا لأنها سوف تخسر بدورها الكثير من مصالحها الحيوية جدا في حال المواجهة والتصعيد مع الدب الروسي، وهو ما دفع بالاتحاد الأوروبي إلى إيفاد الرئيس الفرنسي الى موسكو مرتين‮ متتاليتين‮ خلال‮ شهر‮ واحد‮ من‮ اجل‮ إيجاد‮ مخرج‮ يحفظ‮ المصالح‮ المشتركة‮ ويحفظ‮ ماء‮ الوجه‮ أمام‮ الموقف‮ الصعب‮ الذي‮ يواجهه‮ الغرب‮ في‮ التعامل‮ مع‮ موسكو‮.
ما‮ هي‮ الاستراتيجية‮ التي‮ تتبناها‮ روسيا‮ في‮ مواجهة‮ محاولة‮ عزلها‮ دوليا؟‮
عمليا لا يمكن عزل دولة عظمى بحجم روسيا، ومع ذلك تسعى موسكو حاليا في المقام الأول إلى تجنب المواجهة مع الغرب من خلال تعزيز سبل الحوار وتقديم خيارات بديلة مغرية للتعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية كالاتفاق الذي وقع الأسبوع الماضي بين فرنسا وروسيا حول‮ التعاون‮ في‮ المجال‮ الفضائي‮ وفتح‮ حقول‮ الغاز‮ الروسية‮ الضخمة‮ أمام‮ شركة‮ توتال‮ الفرنسية‮ مثلا‮.‬
من جانب آخر تسعى موسكو الى تعزيز روابطها مع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، أو ما يسمى برابطة الدول المستقلة وتفعيل دور منظمة شنغهاي للتعاون التي قد تتحول في المستقبل إلى حلف آسيوي قوي في مواجهة الناتو.
ولا‮ تغفل‮ موسكو‮ عن‮ التذمر‮ الصيني‮ من‮ السياسات‮ الغربية‮ تجاه‮ بكين‮ وهي‮ تسعى‮ لتشكيل‮ ثنائية‮ روسية‮ صينية‮ قوية‮ في‮ مواجهة‮ التحالف‮ الغربي‮ وهو‮ تنسيق‮ بدا‮ واضحا‮ خاصة‮ في‮ مجلس‮ الأمن‮ الدولي‮.‬
وعلى الصعيد الاقتصادي تم عقد اتفاقات عدة مع دول آسيا الوسطى تشتري بموجبها غازبروم الغاز من هذه الدول لإعادة تسويقه، بالإضافة إلى بناء أنابيب جديدة تمر عبر الأراضي الروسية وهو ما يعزز سيطرة روسيا على إمدادات الطاقة نحو أوروبا ومن هنا تأتي أهمية جورجيا بالنسبة‮ للغرب‮ لأنها‮ تمثل‮ ممرا‮ بديلا‮ لغاز‮ ونفط‮ بحر‮ قزوين‮ نحو‮ أوروبا‮ بعيدا‮ عن‮ الأراضي‮ الروسية‮ .‬
كما يسعى الكرملين إلى استعادة مواقعه القديمة في الشرق الاوسط وقد بدأ بترميم القواعد السوفياتية السابقة في مينائي طرطوس واللاذقية السوريين فضلا عن سعيه لاستعادة قواعده القديمة في كوبا، وربما فتح قاعدة جديدة في فنزويلا. ويرى المراقبون أن روسيا لا يمكن أن تكون‮ الاتحاد‮ السوفياتي‮ السابق‮ ومع‮ ذلك‮ يمكن‮ أن‮ تشكل‮ هذه‮ الإجراءات‮ ورقة‮ ضغط‮ في‮ المواجهة‮ الجديدة‮ مع‮ الغرب‮.
ما‮ هو‮ حجم‮ الأقليات‮ المسلمة‮ في‮ كل‮ من‮ أوسيتيا‮ الجنوبية‮ وأبخازيا؟
من المعروف أن أغلبية سكان الجمهوريتين هم من المسيحيين الارثوذكس ولكن تواجد المسلمين فيهما قد يصل الى ثلث السكان حسب تصريحات رئيس المركز الثقافي الإسلامي الروسي عبد الواحد نيازوف ومسؤول منظمة مسلمي مقاطعة موسكو ارسلان صادرييف، في اخر مؤتمر صحفي عقداه عقب الاحداث‮ الاخيرة‮.‬
وكنت قد استضفت الشهر الماضي في قناة روسيا اليوم مفتي جمهورية اوسيتيا الشمالية حاجي علي يفتييف الذي قال ان المسلمين في اوسيتيا الجنوبية عددهم قليل ونظام ساكاشفيلي لا يفرق بينهم وبين المسحيين، بينما يبلغ عدد المسلمين في اوسيتيا الشمالية نحو مئتي الف مسلم، وعبر‮ عن‮ امله‮ بدعم‮ العالم‮ العربي‮ والإسلامي‮ لاستعادة‮ وحدة‮ الشعب‮ الاوسيتي‮.‬
‬ما‮ هي‮ انعكاسات‮ هذه‮ الحرب‮ على‮ العالم‮ العربي‮ والإسلامي؟
العالم العربي عانى طويلا من الأحادية القطبية ويمكن اليوم أن يجد لنفسه هامشا أوسع من المناورة الذكية والمحسوبة بما يخدم مصالحه القومية. وللاسف انه لم تتبلور حتى الان رؤية عربية واضحة من الأحداث الأخيرة في القوقاز.
ومع ان الشارع العربي تلقى بارتياح خبر انسحاب القوات الجورجية من العراق إلا ان هذا الانسحاب لم يكن له ذلك التأثير الكبير نظرا لقلة عدد الجنود الجورجيين في هذا البلد وطبيعة وجودهم التي كانت رمزية بالاساس.
وفي الدول الاسلامية كان التحرك التركي سريعا وفعالا خلال الأحداث الأخيرة نظرا للمصالح التركية المباشرة في منطقة النزاع باعتبار التقارب الاستراتيجي الكبير بين تبيليسي وانقرة واحتمال تأثير المعارك على عمل انبوب نفط باكو- تبليسي - جيحان وهو ما دفع أنقرة إلى إعادة‮ ترتيب‮ حساباتها‮ مع‮ كل‮ من‮ أرمينيا‮ وإيران‮ من‮ اجل‮ ضمان‮ إمدادات‮ الطاقة‮.‬
‬ماهو‮ الدور‮ الذي‮ لعبته‮ إسرائيل‮ في‮ هذه‮ الحرب‮ وما‮ هي‮ الانعكاسات‮ التي‮ جرتها‮ عليها؟
الحرب الأخيرة في القوقاز كشفت مدى وطبيعة دور إسرائيل في المنطقة، ويبدو أن التعاون العسكري بين جورجيا وإسرائيل لم يقتصر على الخبراء والمستشارين العسكريين وتزويدها بطائرات تجسس بدون طيار، وبعض الأسلحة الفتاكة التي يقال إنها ساهمت في إيقاع عدد كبير من الضحايا في صفوف الجيش الروسى، ومن بينها القنابل العنقودية التي استخدمها الجيش الجورجي لقصف أوستيا الجنوبية والمماثلة للقنابل التي استخدمتها إسرائيل ضد لبنان في حرب جويلية 2006. بل إن آخر التقارير الاستخباراتية تفيد بتجهيز قاعدتين جويتين جورجيتين لاستقبال أسراب من‮ المقاتلات‮ الاسرائيلية‮ لاستهداف‮ شمال‮ إيران‮ عبر‮ الاجواء‮ التركية‮.‬
لكن اسرائيل تراجعت بعد انكشاف دورها وفشل مخططاتها هناك خوفا من انتقام روسي من خلال تقديم أسلحة متطورة الى كل من سوريا وإيران، وقامت بإلغاء صفقة من دبابات الميركافا التي كان من المفترض ان تسلم لجورجيا في محاولة للحفاظ على ماء الوجه مع موسكو، وهو ما دفع بالرئيس‮ الجورجي‮ الى‮ التصريح‮ بأن‮ اسرائيل‮ خانت‮ بلاده‮ في‮ وقت‮ عصيب‮ بعدما‮ ورطتها‮ في‮ صراع‮ مع‮ روسيا‮.‬
أجرى‮ الحوار‮ عبر‮ الأنترنيت‮: مصطفى‮ دالع‮


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.