رغم تغير ظروف الحياة ونزوح الكثير من العائلات من الأرياف إلى المدن، إلا أن بعض المسنات لازلن محافظات على عادة الاجتماع مع بعضهن البعض في أماكن وإن ضاقت مساحتها، إلا أنها كانت فضاء أعاد الكثيرات إلى زمن سابق، فحولت بذلك مساحات من الأحياء السكنية إلى حدائق خاصة بهن. تشهد بعض الأحياء السكنية بمجرد حلول فصل الربيع وتحسن الطقس حركية غير معهودة من قبل كبار السن لاسيما النسوة منهن، حيث تفضل الكثيرات الاجتماع في حديقة أسفل العمارة بعد أن يكتسيها البساط الأخضر لتكون أفضل مكان تقصده عجائز الحي من أجل الترفيه عن النفس وإن كانت مجرد جلسة نسوية تسودها الذكريات والحنين إلى زمان كن فيه في ريعان الشباب، فيما تفضل أخريات ارتياد المكان للتعرف على نساء الحي والاستمتاع بجو مشمس يكسر روتين البيت وينسيهن أيام البرد التي جعلت بعضهن لا يقوين على مغادرة الفراش. خالتي «الضاوية» هي صاحبة فكرة تخصيص حديقة البيت إلى مكان تجتمع فيه مع قريناتها، تقول عن هذا تقول: «أنا أقطن في الطابق الأرضي من العمارة وأملك قطعة أرضية قام ابني بإحاطتها بسياج لتكون مكانا لوضع الخردوات، ولكن ومع حلول فصل الربيع من كل سنة، تتحول إلى مكان مخضرّ يبعث الراحة في الأنفس، ما جعلني أطلب تحويلها إلى حديقة صغيرة»، وهو بالفعل ما كان أين صارت خالتي «الضاوية» تلازم حديقتها في أوقات القيلولة ومعها بعض أدوات النسيج ما أثار إعجاب كل مسنة في العمارة، لا بل وفي الحي، وتضيف عن هذا: «في البداية كنت أجلس في الحديقة بمفردي، ولكن سرعان ما بدأت النسوة تطلبن الالتحاق بي ليمارسن نفس الحرفة أو لمجرد الجلوس والتمتع بأشعة الشمس، وهكذا زاد العدد إلى أن صرنا أربع نسوة، وأحيانا تلتحق بنا أخريات من ذات الحي فتجدنا نفترش الأرض ونتبادل أطراف الحديث ونرتشف القهوة إلى أن يأخذنا الوقت دون أن نشعر بذلك فننصرف ونحن نضرب الموعد لجلسة لاحقة». وهكذا تمكنت نسوة بعض المناطق السكنية من الظفر بمساحة خضراء حتى وإن كانت لا تتعدى بضعة أمتار تساعدهن على التأقلم في محيط لا تنتشر فيه سوى العمارات وحظائر السيارات، وعن هذا تقول خالتي «ضاوية»: «نحن بنات الريف نشأنا في وسط طبيعي، إلا أن قدومنا إلى المدينة أنسانا أنفسنا، ولكن وبعد أن قضت كل واحدة منا سنوات من الزمن وجدنا أنفسنا مهمشات في بيوتنا فلم نجد سوى بعضنا لنستأنس ولتسمع كل واحدة لهموم جارتها»، وإذا كانت هذه وجهة نظر عامة المسنات، فإن الفكرة لاقت استحسان أهالي بعضهن، فهي فرصة قد لا تعوض لتخفيف ضغوطات الحياة عنهن.